لبنان
13 تشرين الأول 2020, 05:00

الرّاعي: العظة تواصل من القلب إلى القلب

تيلي لوميار/ نورسات
تابع البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، خلال التّنشئة المسيحيّة، نقل الفصل الثّالث من الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل" للبابا فرنسيس: "إعلان الإنجيل"، متوقّفًا بشكل خاصّ عند موضوع "العظة" (الفقرات 135 -144).

بداية "ما هي العظة؟"، ويقول الرّاعي: "هي اختبار شديد وسعيد لعمل الرّوح القدس، ولقاء منشّط مع الكلمة، وينبوع دائم للتّجدّد والنّموّ. ولذلك يجب تهيّئتها بالتّأمّل والصّلاة، لكي يستطيع الواعظ أن يكونَ قريبًا ومؤثّرًا في السّامعين (الفقرة 135).

بالعظة يريد الله أن يصل إلى المؤمنين بواسطة الواعظ. فهو يبسط قدرته من خلال الكلام البشريّ. هذا ما شدّد عليه بولس الرّسول مؤكّدًا أنّ الله يريد أن يدركَ الآخرين بكلامنا (روم 10: 14-17). والرّبّ يسوع اجتذبَ الجماهير إليه بكلامه، واكتسب قلوبهم، وكانوا يأتون من كلّ مكان ليسمعوه (مر1: 45). كانوا يرتوون من تعاليمه (مر6: 2). والرّسل اجتذبوا بالكلمة جميع الشّعوب إلى حضن الكنيسة (مر 16: 15، 20). (الفقرة 136)."

ثمّ أضاء على "قيمة العظة في الاحتفال اللّيتورجيّ"، وقال:

"أ- العظة في الاحتفال اللّيتورجيّ وبخاصّة الإفخارستيّ هي حوار الله مع شعبه، وإعلانٌ لعظائم الخلاص أكثر منها للتّأمّل والتّعليم (catechesis). الإفخارستيّا تقدّم الإطار الأسمى للعظة قبل المناولة الأسراريّة. ففيها يقدّم لنا الله الوليمتين: وليمة الكلمة، ووليمة جسد الرّبّ ودمه.

العظة تتابع الحوار الّذي بدأه الله مع شعبه. على الواعظ أن يميّز أين هي عند الشّعب مكامن الرّغبة الحارّة والحيّة للقاء الله، لكي يواصل هذا الحوار حيث ضعف أو انقطع (الفقرة 137).

ب- العظة تعطي حياة ومفهومًا للاحتفال اللّيتورجيّ. ينبغي أن تكون قصيرة وتتجنّب أن تكون شبيهة بخطاب أو محاضرة، أو أن تكون أهمّ من احتفال الإيمان، ولو كانت طويلة وممتعة. وإلّا أساءت إلى ميزتي الاحتفال اللّيتورجيّ، وهما التّناسق والإيقاع. إنّها جزء من التّقدمة للآب، ووساطة النّعمة الّتي يغدقها الإبن في الاحتفال. في كلّ ذلك ينبغي أن يكون الله محور الاحتفال لا الواعظ. (الفقرة 138).  

وشبّه البطريرك الرّاعي العظة "بحوار الأمّ مع ابنها"، فـ"الكنيسة أمّ وتعظ كأمّ، مثلما تحدّث الأمّ أولادها، وتصغي إليهم وتوجههم. الأولاد يثقون بأمّهم وبكلامها لأنّهم يعرفون أنّها تحبّهم. روح الحبّ المخيّم في البيت يقود الأمّ وإبنها في حوارهما. يعلّمان ويتعلّمان وينميان في كلّ ما هو صالح.

هكذا في العظة، الرّوح القدس عينه، الّذي ألهم الأناجيل ويعمل في الكنيسة، يلهم الواعظ أيضًا لكي يصغي لإيمان شعب الله، ويجد الطّريقة الفضلى ليعظ في كلّ احتفال إفخارستيّ. كما يمكنه أن يعرف من ثقافة هذا الشّعب ما يخاطب به قلبه (الفقرة 139).

المهمّ في هذه المحادثة قرب قلب الواعظ، ونبرة صوته وحرارته، ونعومة أسلوب عباراته وفرح حركاته. فيشعر الشّعب بروح الأمومة في الكنيسة، فتكون العظة مخصّبة وتؤتي ثمارها مثل نصائح الأمّ (الفقرة 140).

يطيب للرّبّ جدًّا أن يتحاور مع شعبه. وعلى الواعظ أن يجعل النّاس يشعرون أنّه ينقل بهجة الرّبّ إلى سامعيه، الّتي عبّر عنها الرّبّ يسوع بقوله: "لا تخف أيّها القطيع الصّغير فقد سرّ أبوكم السّماويّ أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32). وتهلّل الرّبّ بالرّوح إذ رأى البسطاء والصّغار يدخلون في حوار الإيمان مع الله، خلافًا للحكماء والفهماء. (راجع لو 10: 21) (الفقرة 141)."

وأشار في تنشئته أنّ في العظة "كلمات تلهب القلوب"، إذ أنّها "تواصل من القلب إلى القلب. أمّا الحوار فهو أكثر من نقل حقيقة، وينبع من فرح التّعلّم، ويغني الذّين يعبّرون عن حبّهم الواحد للآخر بواسطة كلمات. العظة الّتي تتحوّل إلى مجرّد تعليم أخلاقيّ أو عقائديّ أو تفسيريّ للكتاب المقدّس، تفقد هذا التّواصل من القلب إلى القلب، مثلما يُنقل الإيمان: " فالإيمان من السّماع، وما يُسمع يأتي من التّبشير بالمسيح" (روم 10: 17). على الواعظ أن يبقي ذاكرة المؤمنين، مثل ذاكرة مريم، طافحة بعظائم الله، فيظلّ قلبُهم منفتحًا على الرّجاء، ويشعرون أنّ كلّ كلمة من الكتاب المقدّس هي عطيّة، قبل أن تكون تطلّبًا (الفقرة 142).

يقوم تحدّي الوعظ على نقل خلاصة رسالة البشرى الإنجيليّة، لا على نقل أفكار أو قيم غير مترابطة. الفرق بينهما أنّ نقل الخلاصة حرارة قلب، فيما نقل أفكار ضجر. حيث تكون خلاصتك، هناك يكون قلبك.  

مهمّة الواعظ الجميلة والصّعبة أن يجمع القلوب المتحابّة: قلب الله وقلب شعبه. الله يخاطب شعبه بأكثر من طريقة، وهو حوار يشدّ أواصر المحبّة بينهما. أمّا في العظة فالواعظ هو الوسيط بينهما، ويعبّر عن عواطفهما. في العظة تسكت قلوب المؤمنين وتدع الله يتكلّم. بهذا المعنى كتب بولس الرّسول: "نحن لا نكرز بأنفسنا بل بالمسيح يسوع ربّنا. أمّا نحن فعبيدٌ لكم من أجل يسوع" (2 كور 14: 5) (الفقرة 143).

مهمّة الواعظ الجميلة والصّعبة مساعدة الشّعب كي يشعر دائمًا أنّه في حالة معانقة مزدوجة من قبل الآب السّماويّ: معانقة المعموديّة الّتي جعلتنا أبناء، ومعانقة رحمته الغافرة في هذه الدّنيا، والمنتظِرة لنا في المجد السّماويّ. هذه هي الهويّة المسيحيّة (الفقرة 144).