لبنان
28 شباط 2017, 07:55

التنشئة المسيحيّة - الأحد الثّاني من زمن الصّوم

ألقى البطريرك المارونيّ، الكردينال مار بشارة بطرس الراعي، التنشئة المسيحيّة للأحد الثّاني من الصّوم عن شفاء الأبرص، كما وتحدّث خلالها عن الرّسالة الرّعويّة "الشّهادة والشهداء"، جاء فيها:

 

بعد آية تحويل الماء إلى خمر فائق الجودة، كعلامة على قدرة يسوع لإجراء تحويل جذري في خارج الإنسان وداخله، تتأمّل الكنيسة في هذا الأحد في شفاء الأبرص، إذ أزال الربّ برصه المتآكل جسمه بلمسة يد وكلمة، صادرتَين من حنانه ورحمته، تجاه أبرص يتوسّل الشفاء. فالمسيح الربّ الذي يطهِّر الجسد من قروح البرص قادر حتمًا وحقًّا على شفاء النفس والقلب من قروح الخطيئة.

شرح الانجيل

من انجيل القديس مرقس 1: 35-43

قالَ مَرقُسُ البَشِير: قَامَ يَسُوعُ قَبْلَ طُلُوعِ الفَجْر، فخَرَجَ وذَهَبَ إِلى مَكَانٍ قَفْر، وأَخَذَ يُصَلِّي هُنَاك. ولَحِقَ بِهِ سِمْعَانُ وَالَّذين مَعَهُ، ووَجَدُوهُ فَقَالُوا لَهُ: «أَلْجَمِيعُ يَطْلُبُونَكَ». فقالَ لَهُم: «لِنَذْهَبْ إِلى مَكَانٍ آخَر، إِلى القُرَى المُجَاوِرَة، لأُبَشِّرَ هُنَاكَ أَيْضًا، فَإِنِّي لِهذَا خَرَجْتُ». وسَارَ في كُلِّ الجَلِيل، وهُوَ يَكْرِزُ في مَجَامِعِهِم وَيَطْرُدُ الشَيَاطِين. وأَتَاهُ أَبْرَصُ يَتَوَسَّلُ إِلَيْه، فجَثَا وقَالَ لَهُ: «إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ قَادِرٌ أَنْ تُطَهِّرَنِي!». فتَحَنَّنَ يَسُوعُ ومَدَّ يَدَهُ ولَمَسَهُ وقَالَ لَهُ: «قَدْ شِئْتُ، فَاطْهُرْ!». وفي الحَالِ زَالَ عَنْهُ البَرَص، فَطَهُرَ. فَانْتَهَرَهُ يَسُوعُ وصَرَفَهُ حَالاً، وقالَ لَهُ: «أُنْظُرْ، لا تُخْبِرْ أَحَدًا بِشَيء، بَلِ اذْهَبْ وَأَرِ نَفْسَكَ لِلْكَاهِن، وَقَدِّمْ عَنْ طُهْرِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مُوسَى، شَهَادَةً لَهُم». أَمَّا هُوَ فَخَرَجَ وبَدَأَ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ ويُذِيعُ الخَبَر، حَتَّى إِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَعُدْ قَادِرًا أَنْ يَدْخُلَ إِلى مَدِينَةٍ عَلانِيَة، بَلْ كانَ يُقِيمُ في الخَارِج، في أَمَاكِنَ مُقْفِرَة، وكانَ النَاسُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ مَكَان.

 من اللّافت أنّ يسوع قام قبل الفجر، وراح يصلّي في مكان قفر. وكأنّ شفاء الأبرص تهيَّأ بالصلاة. ما زالت الرهبانيّات النسكيّة محافِظة على الصلاة قبل طلوع الفجر بقيمتها الروحيّة واللاهوتيّة. اللّيل يعني وقت الشّرير، لأنّ فيه يتحرّك اللّصوص والسكارى وأصحاب المكايد. الفجر هو انتصار النور على الظلمة، وهو علامة انتصار المسيح النهيوي. في الزمن الأخير صلاة ما قبل الفجر هي استعداد لاستقبال ربّ المجد كالعذارى الحكيمات، وهي اشتراك في معركة المسيح الخلاصيّة، ومساعدة الفجر على البزوغ بحيث "يشرق النور على الأبرار ومستقيمي القلوب" (نشيد مار افرام).

زمن الصوم لا ينحصر بممارسة الصوم فقط، بل يكتمل بالصلاة، الشخصيّة والجماعيّة في الرعايا وفي زيارات الحجّ التقوية.

 صلّى يسوع في مكان قفر. إنّه المكان المميَّز للقاء الله في الصمت، بعيدًا عن الضجيج، "فالله يتكلّم في النسيم العليل" (1مل19). هناك ينفتح قلب المصلّي كلّيًّا على الله، ويضع ذاته بين يدَيه، فلا خيار آخر أمامه. "صحراء" الخلوة مع الله ضروريّة لخلق جوّ ملائم للصلاة، نفتح فيه القلب لسماع صوت الله. الرياضة الروحيّة في زمن الصوم تهدف إلى هذه الغاية.

الصلاة في "مكان قفر" مورِست في كتب العهد القديم: يعقوب التقى الربّ في "مخّاضة يبّوق" (تك32: 22-24)، وإيليا كلّم الله في الصحراء وموسى كلّمه على رأس الجبل. بقاء شعب الله القديم أربعين سنة في الصحراء علّمه كيف يلاقي ربّه، ويتعلّم منه طريق الحياة. "الصحراء" ضروريّة للقاء الله.

 نجد في الإنجيل أنّ يسوع كان يصلّي في أكثر من مناسبة. هل هو بحاجة إلى صلاة، وهو إله؟ للإجابة نعود إلى معنى كلمة "صلاة". إنّها تشتقّ من كلمة "صلة" أي علاقة. لذا، الصلاة الحقيقيّة، قبل أن تكون كلمات وطلبات، هي "صلة" ابن مع أبيه. وهي شعور عميق بالحضور أمام الحبِّ الإلهي الأعظم الذي يملأ كياننا بالنور والسلام والفرح الداخلي. فيسوع هو صلاة دائمة مع الآب. بهذا يدعونا الآباء القدِّيسون إلى تحويل حياتنا كلّها إلى صلاة، بحيث يرافق الله كلّ واحد منّا إلى مواضع حياته، ويكون هو الملهِم والمنير والهدف الأسمى الذي يسعى إليه في كلّ عمل صالح. وهكذا يستطيع القول مع بولس الرسول: "حياتي هي المسيح" (فيل1: 22).

من هذه الزاوية نفهم أنّ الامتناع عن الطعام، صومًا وقطاعة، والإماتات في زمن الصوم، إنما هي من أجل التحرّر من الأرضيّات للوصول إلى المسيح، وجعله كلًّا للكلّ في حياتي الشخصيّة. فهو أهمّ من الأكل والشرب وملذّات الحياة وأفراح الدنيا.

 قبل أن يلتقي يسوع الأبرص، بل قبل أن يلتقي الأبرصُ يسوع، إذ "هو الذي وافى إليه" (الآية 4)، كان بطرس والتلاميذ يبحثون عنه حتى وجدوه وقالوا له: "الجميع يطلبونك" (الآيتان 36 و37). زمن الصوم هو بحث عن يسوع في كلّ مواضع حياتنا ومفارقها، وهو اتّباعه. فمن يجده في زمن الصوم بكلمته الهادية ونعمته المبرِّرة يستطيع الاحتفال بعيد قيامته، وهي فصح العبور إلى حياة جديدة. لا يقتصر البحث عن المسيح على زمن الصوم، بل ينبغي أن يستمر طوال أيام حياتنا.

مَن يجد المسيح يرغب في أن يجده الآخرون. قالوا له: "الجميعُ يطلبونك". هي الرغبة الرسوليّة عند كلّ مسيحي: يسعى أن يعرف يسوع على حقيقته ويعرِّف الناس إليه؛ يتضامن مع الناس في حاجاتهم ويقودهم إلى المسيح الذي هو وحده قادر على تلبيتها؛ يعمل كصلة بين الناس ويسوع، يدلّهم على دربه ويصلّي من أجلهم.

 لبّى يسوع مطلبهم بجوابه: "لنذهب إلى مكان آخر، إلى القرى المجاورة، لأبشّر هناك أيضًا، فإنّي لهذا خرجت" (الآية 38). استعمل الفعل بصيغة الجمع "لنذهب"، للتأكيد على أهميّة تشفّعهم من أجل الشعب، وعلى أنّ الرسالة الموكولة إلينا ونقوم بها إنّما نفعلها باسم المسيح، وهو الذي يضمن نجاحها، لكونه يفعل بواسطتنا. هذه القناعة وهذا الروح دفعا بعديد من الكهنة والرهبان والراهبات والمؤمنين إلى حقل الرسالة في الداخل وفي الخارج. وتبقى هذه حاجة كنيستنا اليوم لنلبّي حاجات أبنائها وبناتها في النطاق البطريركي وبلدان الانتشار. وفي كلّ حال، مكان الرسالة المسيحيّة ليس بعيدًا، فهو في البيت والعائلة والدير والبلدة ومكان العمل، حيث الكلّ بحاجة إلى التفاتة محبة أو خدمة أو عاطفة صادقة، أو كلمة حلوة أو ابتسامة  مشجِّعة، أو نصيحة مفيدة.

وفي الواقع "راح يسوع يطوف الجليل، يبشّر في المجامع، ويطرد الشياطين". تبشير بكلام الله، كلام الملكوت، وشفاء الأجساد والأرواح. لماذا الربط بين "التبشير وطرد الشياطين؟" فلأنّ سماع الكلمة الإنجيليّة يحرِّر من كلّ ربط. لكن المهمّ أن نسمع كلام الله من مصدره: من الكتب المقدّسة وتعليم الكنيسة الرسمي، لا من الانترنيت والفيسبوك. كما أنّ البعض يجعل من كلام الإنجيل وتعليم الكنيسة وسيلة تشكيك وتضليل. لقد حذّرنا الربّ يسوع من "الذين يأتوننا بثوب الحملان" (متى 7: 15).

 "وافاه أبرص يتوسّل إليه: إن شئتَ، فأنت قادر أن تطهّرني" (الآية 40).

هذا الأبرص الذي تتآكل القروح وجهه ويديه ورجليه، حتى أنّ أعضاء جسده تموت شيئًا فشيئًا، وافى يسوع بشجاعة الإيمان، بالرغم من منعه من قِبل الشريعة عن مخالطة الناس، لأنّ برصه مرض معدٍ وقتّال. لم يخف منهم وتحمّل إهاناتهم، وتألّم من تهرّبهم منه وابتعادهم عنه وكأنّه وباء. كان همُّه أن يُري نفسه يسوع، ويتوسّل إليه بثقة تامّة، ومن دون إحراج، وبقبول ما يشاء له الله: "فجثا وقال له: إن شئتَ فأنت قادر أن تطهّرني" (الآية 40).

جميل هذا الجمع بين الإيمان بأنّ يسوع قادر على شفائه من برصه، والتسليم لمشيئته الإلهيّة. وهو بذلك يقبل من الله كلّ شيء. وكأنّه يقول: "انا أريد، يا ربّ، ما تريده أنت، لأنّك تريده. فلتكن مشيئتك". إنّها أجمل صلاة نرفعها إلى الله بخاصّة في أوقات الضيق. لقد علّمنا الربّ يسوع في صلاة الأبانا أن نقول: "لتكن مشيئتك كما في السماء، كذلك على الأرض".

 أمام هاتَين الفضيلتَين: "الإيمان والتسليم"، لم يستطع يسوع إلّا أن تحنّن عليه، ومدّ يده، ولمسه، قال: لقد شئتُ فاطهر" (الآية 41). حنان الله ورحمته أقوى من حرف الشريعة القاسية وتلطيف لها. ألسنا نناديه في صلاتنا: "يا حنون يا رحوم يا محبًّا للبشر؟" كانت الشريعة تمنع الأبرص من أن يلمس أحدًا أو شيئًا أو أن يلمسه أحد، لئلّا يعديه مرضه، أما يسوع فلمسه بيده، كما خالط الخطأة والعشّارين فاجتذبهم إليه برحمته وشفاهم. كذلك صار إنسانًا مثلنا وشابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، بل محاها بدمه المُراق على الصليب وشفانا منها برحمته. لم ينتقل إليه مرض البرص بل شفاه، مستعملًا كلمات توسّل الأبرص: "لقد شئتُ، فاطهر". استعمل يسوع  فعل الماضي "قد شئتُ" للدلالة أنّ الربّ شاء خلاص البشر منذ خلقهم وفجر التاريخ. وشاء يسوع خلاصه وشفاءه عندما كان يصلّي قبل الفجر في مكان قفر، وعندما قصد منطقة الأبرص. فهذا كان في بال يسوع. نفهم من ذلك أنّ المسيح يشاء خلاص كلّ واحد منّا.

 البرص هو رمز الخطيئة التي يريد الفادي أن يشفيَنا منها. كم كلّ واحد منّا بحاجة لأن يعي برص الخطيئة الذي يتآكل قلبه ونفسه وروحه، ويقتل فيه القيم الروحيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، فيجثو أمام الربّ، مثل ذاك الأبرص، ويتوسّل: "إن شئتَ، يا ربّ، أنتَ قادرٌ أن تطهِّرَني".

عندما أزال الربّ يسوع برص الأبرص أصبح طاهرًا منه بالكلّية، وكأنّه خلقه من جديد بلمسة يد وكلمة. هكذا عندما يمنحنا الحلَّ من خطايانا، بواسطة الكاهن، الذي نسمع منه ونحن تائبون حقًّا: "انا بالسلطان المعطى لي أحلّكَ (أحلّكِ) من جميع خطاياك (كِ)، باسم الآب والابن والروح القدس"، يعطينا قلبًا جديدًا وروحًا جديدًا.

 وعاد يسوع بالأبرص الذي شُفي إلى حفظ ما تقتضيه شريعة الشفاء من هذا المرض، إذ قال له حالًا: "أُنظرْ، لا تخبرْ أحدًا بشيء، بل أرِ نفسك للكاهن وقدِّمْ عن طهركَ ما أمرَ به موسى، شهادةً لهم" (الآية 44). نبّهه "ألّا يخبرَ أحدًا" لكي يخلد أوّلًا إلى صلاة الشكر لله الذي أنعم عليه بالشفاء. كلّ نعمة ننالها تتقتضي منّا التواضع وتغيير مجرى الحياة إكرامًا لله الذي وهبنا إيّاها. كما تقتضي تجنّب الكبرياء والادّعاء بالنفس، فإنّها تجربة يقول سفر التكوين: "رابضة عند الباب، وإليك تنقاد أشواقها. فعليك أن تسودها" (تك4: 7).

فالكاهن الذي توليه شريعة العهد القديم الحقّ الشرعي بأن يتحرّى عن حقيقة البرص ويأمر الأبرص بالعيش خارج الجماعة، إليه نفسه يعود الأبرص، إذا شفي، لكي يعلن شفاءه، ويسمح بعودته إلى الحياة وسط الجماعة. في العهد الجديد، الكاهن مؤتمن على سلطان إلهي يقضي كقاضٍ، بوجود الخطيئة ودرجتها وحقيقتها وأهميّتها، وكوسيط مقام بين الله والناس، يمنح الغفران من الخطايا للتائبِ الحقيقي. وكما أنّ الخطيئة تفصل الخاطي بذات الفعل عن الشّركة الروحيّة مع الله والجماعة المؤمنة، وبالتالي حرمانه من تناول جسد الربّ ودمه، كذلك عندما ينال غفران الخطايا، يعود إلى حياة الشّركة ويتقدّم من المناولة القربانيّة.

 وأمره يسوع أن يقدِّم عن طهره ما أمرت به شريعة موسى. في العهد الجديد، ذبيحة الربّ يسوع في القداس هي التي يقدّمها المؤمنون صلاة شكرٍ لله على رحمته وحنانه وشفائه لنا وعلى سائر نعمه. يوم الأحد، المعروف بيوم الربّ، هو الذي تجتمع فيه جماعة المؤمنين لهذه الغاية، ويوطّدون رباط المحبة والوحدة والتضامن. ولذا تُسمَّى الذبيحة الإلهيّة باليونانيّة "إفخارستيا" أي صلاة الشكر.

ونقدِّم معها قرابين أعمالنا الصالحة وأوجاعنا وآلامنا. ولهذا السبب تُحمل قرابين الخبز والخمر عند نقلها إلى المذبح الكبير في زياح وسط الجماعة، لكي يضمّ إليها كلّ مؤمن ومؤمنة قرابين حياته الشخصيّة، فتتقدّس مع تقديس الخبز والخمر وتحويله إلى جسد المسيح ودمه.

ومن بين القرابين التبرعات والنذور التي نقدّمها في صينيّة الأحد والعيد وفي صناديق النذورات. وكذلك تُدعى قرابين أيضًا أصوامنا وإماتاتنا وأعمال المحبة والرحمة والتصدّق على الفقراء والمعوزين، إمّا مباشرة، وإمّا بواسطة كاريتاس أو سواها من المؤسّسات الخيرية، وإما بواسطة نشاطات في الرعيّة لهذه الغاية.

10. لم يستطع الأبرص الذي شُفي أن يكتم "الخبر السّار"، بل "راح ينادي بأعلى بصوته ويذيع الخبر" (الآية 45). راح يعلن خبر حبّ الله ورحمته وقدرته الفائقة. هذا ما تفعله الكنيسة والجماعة المؤمنة في الصلوات الليتورجيّة وصلوات الساعات وفي سائر المناسبات الروحية. لم يبشّر هذا الرجل بنفسه بل بالربّ يسوع مخلّص الجميع.

أما يسوع "فعاد إلى الأماكن المقفرة" (الآية 45) لصلاة الشّكر للآب، والإصغاء لإرادته. "وكان الناس يأتون إليه من كلّ مكان". بفضل البشارة التي أعلنها الأبرص توافد الناس إلى يسوع لنيل الشفاء من معاناتهم.

إنّنا نجد في هذا الحدث مسيرة تربويّة على الإيمان: من أبرص يريد الشفاء، إلى شخص لمسته يد الحنان الإلهي وشفته، فإلى مبشِّر بالخبر السّار، وصولًا إلى لقاء مميّز بين الناس والربّ في البرية.

 

ثانيًا، سنة الشهادة والشهداء

نواصل نقل مضمون رسالتنا الراعوية التي صدرت في 9 شباط الماضي عيد أبينا القديس مارون، بمناسبة افتتاح سنة الشهادة والشهداء. فننقل اليوم "تعليم الكتب المقدسة" حول الشهادة والاستشهاد:

"الشهادة، في الكتب المقدّسة، تكتمل في الإستشهاد. فالشَّهيد هو الذي أدّى شهادة الإيمان بالمسيح في أعماله وأقواله وتصرّفاته، وتوَّجها بشهادة الدّم. ليس كلّ شاهد شهيدًا، بل كلّ شهيد شاهد. فلفظتا "martyrion" و"martyria" اليونانيّتان تعنيان "الشّهيد" و"الشّهادة" المنفتحة على إمكانيَّة شهادة الدّم. عندما أقامَ الربّ يسوع رُسله شهودًا موصوفين لتعليمه وقيامته، فتح أمامهم إحتمال الإضطهادات حتّى الموت: "هاءنذا أرسلُكم كالخراف بين الذئاب...إحذروا من النّاس: فإنّهم سيُسلمونكم إلى مجالس القضاء، ويجلدونكم في مجامعهم... وسيبغضكم الجميع من أجل اسمي... لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا قدرة لهم على قتل الرّوح، بل خافوا بالحريّ مَن يقدرُ أن يُهلِكَ الرّوح والجسد كِليهما في جهنّم" (متى10: 16، 17، 22، 28). إنّهم بذلك يؤدّون لله وللمسيح شهادة "الحبّ الأعظم"، على ما أكّدَ الربّ في الإنجيل: "ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذلَ نفسه عن أحبّائه" (يو15: 13).

الرّسالة إلى العبرانيّين تتكلَّم عن شهود وشهداء الإيمان في العهد القديم. وقد تحمّلوا الآلام والموت، من أجل أمانتهم للمواعيد الإلهيّة (راجع الفصل 11). كما يكلّمنا سفر المكابيِّين الثاني عن شهود وشهداء الأمانة للشريعة الإلهيّة (راجع الفصلَين السادس والسابع). ونجد في سفر رؤيا يوحنا إسم "شهود" يطلقه يوحنا الرّسول على الذين شهدوا للكلمة حتَّى بذل الذات: "رأيتُ تحت المذبح نفوس المقتولين من أجل كلمة الله، ومن أجل الشّهادة التي أدوّها" (رؤيا 6: 9).

 

صلاة

أيّها الربّ يسوع، لقد شفيتَ الأبرص بلمسة يد حنانك وبكلمتك الشافية، لأنه توسّل إليك بإيمان وثقة وتواضع. نسألك أن تشفي بكثرة رحمتك كلّ مؤمن ومؤمنة ممّا يعاني في جسده ونفسه وروحه. أعطِ كلّ واحد وواحدة منّا نعمة الوعي لخطاياه، والتواضع للإقرار بها، والثقة لالتماس مغفرتها من رحمة الله الفائقة، بتوبة صادقة. باركْ صيامنا وصلاتنا وصدقتنا في هذا الزمن المقدّس، لكي نبلغ إلى توبة داخليّة عميقة، وإلى تغيير في المسلك والحياة، فنرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدّوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.