التنشئة المسيحية - الفصح 24-27 أذار 2016
I –خميس الأسرار
1. ليلة آلام المسيح وموته، أسّس الربّ الكاهن الأسمى سرّ القربان، لكي بواسطة ذبيحة جسده ودمه وتناولهما نحقّق فصحنا: "خذوا كلوا منه جميعكم هذا هو جسدي. واشربوا من هذه الكأس كلّكم، هذا هو دمي لمغفرة الخطايا" (1كور11: 24-25). وأسّس سرّ الكهنوت بقوله "إصنعوا هذا لذكري حتى مجيئي" (المرجع نفسه)، لكي باسم المسيح وبشخصه تستمرّ، بواسطة خدمة الكاهن، ذبيحة الفداء بشكل غير دموي، ووليمة جسد الربّ ودمه لحياة العالم.
2. يُدعى هذا الخميس، السابق لموت المسيح وقيامته، "خميس الأسرار"، لأنّ الربّ يسوع بتأسيس سرّ القربان، أسّس ضمنًا الأسرار الخمسة الأخرى وهي المعمودية والميرون والتوبة ومسحة المرضى والزواج، لأنّها تنبع من سرّ القربان، وتجري كينابيع حياة إلهية من المسيح الحمل المذبوح والممجّد (راجع رؤيا 22: 1-5). ويومها أسّس سرّ الكهنوت كصانع لهذه الأسرار باسم المسيح وبشخصه، وبفعل الروح القدس. فاكتملت هكذا أسرار الخلاص السبعة.
3. في هذا الخميس نحتفل بعيد تأسيس سرّ القربان والكهنوت. فيُصمد القربان في الكنائس ويتقاطر المؤمنون للسجود له، والسّهر معه، متذكِّرين صلاة الرب يسوع وسهره مع تلاميذه في بستان الزيتون، بعد العشاء الأخير وخيانة يوضاس وتصميمه على تسليمه بين أيدي اليهود أعدائه.
4. تحتفل الكنيسة أيضًا في قداس هذا العيد برتبة غسل أرجل التلاميذ، تذكارًا للربّ يسوع الكاهن الأزلي، إذ قام عن العشاء التأسيسي وغسل أرجل تلاميذه، للدلالة أنّ الكهنوت هو لخدمة المتواضعة، وأنّ سرّ القربان هو مدرسة العطاء والتضحية والبذل: "تدعوني معلّمًا وسيّدًا، وحسنًا تقولون، لأنّي كذلك. فإذا كنتُ أنا السيّد والمعلّم غسلتُ أرجلكم، فيجب عليكم أنتم أيضًا أن يغسل بعضكم أرجل بعض. وأعطيتُكم بهذا قدوةً، لتعملوا ما عملتُه أنا" (يو13: 13-15).
5. في هذه الليلة يزور المؤمنون والمؤمنات سبع كنائس كمرافقة روحية للمسيح في مراحل آلامه السبع التي نجدها في الأناجيل الأربعة ونُشرك فيها آلامنا على أنواعها، والمراحل هي:
1. من العلّية التي أقام فيها الاحتفال الإفخارستي، إلى بستان الزيتون: مرحلة الآلام الأولى.
2. من البستان إلى جلسة التحقيق الأولى عند حنّان: مرحلة الآلام الثانية.
3. من عند حنّان إلى جلسة التحقيق الثانية عند صهره قيافا، رئيس الكهنة:مرحلة الآلام الثالثة.
4. من عند قيافا إلى جلسة التحقيق الثالثة مع مجلس السنهدريم: مرحلة الآلام الرابعة.
5. من مجلس السنهدريم إلى جلسة التحقيق الرابعة عند بيلاطس: مرحلة الآلام الخامسة.
6. من عند بيلاطسإلى جلسة التحقيق الخامسة عند هيرودس: مرحلة الآلام السادسة.
7. من عند هيرودسإلى جلسة التحقيق السادسة عند بيلاطس من جديد:مرحلة الآلام السابعة.
في هذه الجلسة، يُطلِق بيلاطس سراح برأبّا ويُصدر الحكم على يسوع بالصلب، واليهود يصيحون: "اصلبه، دمه علَينا وعلى أولادنا".
بالإضافة إلى ما ترويه الأناجيل، هناك تقليد قديم يقول أنّ العذراء مريم، دارت على هذه الأماكن السبعة، متنقِّلة من مكان إلى مكان، تبحث عن ابنها، عندما بلغها خبر اعتقاله؛ والمؤمنون، على غرار مريم يرافقون يسوع في ليلة آلامه. (راجع: زيارة سبع كنائس، تاريخ وصلوات، للخوري نبيه الترس، صوم 2014).
II –الجمعة العظيمة
1. في صباح الجمعة، تُختتم صمدة القربان بالقداس السابق تقديسه. تُقام رتبة القداس بليتورجيا الكلمة وليتورجيا المناولة، أما ليتورجيا التقديس فتقتصر على التذكارات، من دون الكلام الجوهري. فالقربان هو الذي تمّ تقديسه في قداس الخميس، المعروف بعشاء الربّ، وكان مصمودًا لعبادة المؤمنين. هذا القربان يُنقل إلى المذبح ويتناوله المؤمنون. ولم يحفظ أي قربان في الكنيسة حتى قداس القيامة.
2. حوالي الظهر أو في أوّل الظهيرة تجري رتبة السجود ليسوع المصلوب، المعروفة بالعامّية "رتبة جنازة المسيح". تتأمّل الكنيسة في حدث آلام المسيح وموته هو الذي "أسلم ذاته إلى الموت من أجل خطايانا" (روم 4: 25). إنّه حدث تاريخي دوّنه الإنجيليّون الأربعة (متى 27: 33-54؛ مرقس 15: 22-29)؛ لوقا 23: 33-47؛ يوحنا 19: 17-30).
في هذه الرتبة تُقرأ النصوص الإنجيلية الأربعة.
3. في وقفة التأمّل والسجود، يقول كلّ واحد منّا مع بولس الرسول: "أحبّني وجاد بنفسه من أجلي. فلا أبطل نعمة الله. فما أنا أحيا بعد ذلك، بل المسيح يحيا فيّ" . (غلا2: 20-21). ومعًا عندما نسير في زياح نعش المسيح، نأخذ القصد بأن "نسير في المحبة سيرة المسيح الذي أحبّنا وجاد بنفسه لأجلنا قربانًا وذبيحة لله طيّبة الرائحة" (افسس5: 2). وكلّنا يقرّ، فيما يقبّل الصليب، بأنّه هو أيضًا خان الربّ وأساء إليه، وطعن حبّه بخطيئته وشرّه، ويسقط ساجدًا أمام الربّ ويقول مثل شاول - بولس: "ماذا تريد أن أصنع؟" (أنظر أعمال 9: 6).
4. إنّنا نتتلمذ في مدرسة المسيح الفاديالذي علّمنا من عرش الصليب شرعة العهد الجديد بسبع كلمات:
1. الله الغنيّ بالرحمة أمين لذاته: يا أبتِ، إغفر لهم، لأنّهم لا يدرون ما يفعلون" (لو23: 34).
2. في "نعم" البشارة مريم أصبحت أمّ يسوع التاريخي، وفي "نعم" الصليب، أصبحت أمّ المسيح السرّي: "يا امرأة هذا ابنُكِ، يا يوحنا هذه أمُّك" (يو19: 26-27).
3. ابتهال التوبة باب الخلاص الإلهي: "أذكرني، يا سيّدي، متى أتيت في ملكوتك!اليوم تكون معي في الفردوس" (لو23: 42-43).
4. حاجتنا إلى الله في ساعة الضيق: "إلهي إلهي، لماذا تركتني؟!" (متى 27: 46).
5. في قلب المرارة عطش دائم إلى الخير: "أنا عطشان" (يو19: 30).
6. كل يوم في حياتنا إنجاز لتصميم الله الخلاصي: لقد تمّ كلّ شيء" (يو 19: 30).
7. الحياة نقبلها من الله ونسلمها إليه في ختام رحلة الدنيا: "يا أبتِ، بين يديك أستودع روحي" (لو23: 46).
* * *
3- سبت النّور
1. لا تُقام ذبيحة القدّاس الصباحية، لأنّ الربّ في مثوى الأموات ولم يقمْ بعد. فالقدّاس ذبيحة موت،وقيامة حياة، ووليمة عيد. بها كلها تفيض علينا الحياة الجديدة النابعة من المسيح المائت والقائم من الموت.
2. تُقام ظهراً صلاة الغفران مع إعلان قيامة الربّ وانبثاق نوره الجديد. فهو، بإشعاع قيامته، الشمس الروحيّة لحياة البشريّة المفتداة بدمه. لقد سطعَ بنورهفي ذلك السبت على "الأنفس التي كانت في حوزة سجن الجحيم وبشّرها" (1بطرس 3: 19). هؤلاء جميعاً، من آدم إلى آخر ميت قبل ذاك السبت، من الذين عاشوا في خوف الله ومرضاته، وصولاً إلى لصّ اليمين، بشّرهم ببشرى الخلاص بمشاهدة وجه الله السّعيدة: "اليوم أنتم معي في الفردوس"(لو23: 43).
هذا السّبت هو "سبت الإستراحة" من الخلق الثاني بالفداء الذي رمّم صورة الله في الإنسان، مثل ذاك "سبت الإستراحة من الخلق الأوّل" بإعطاء الوجود لجميع الكائنات المخلوقة، كما يورده سفر التّكوين.
* * *
4- أحد القيامة
"قام المسيح من الموت لتقديسنا نحن البشر" (روم 4: 25)، تمامُا كما مات فداء عن جميعنا، كما تنبأ أشعيا: "كلنا ضللنا كالغنم، كل واحد مال إلى طريقه، فألقى الرب عليه إثم كلنا. عومل بقسوة، فتواضع ولم يفتح فاه" (أشعيا 53: 6-7).
موت المسيح وقيامته هما جوهر الايمان المسيحي. وهما حدثان تاريخيانمتكاملان. فالمسيح قام لأنه مات.
كثيرون هم شهود القيامة:
شهادة الملاك للنسوة: "أتطلبن يسوع الناصري الذي صلب؟ إنه ليس هنا. لقد قاموليس هو هنا. اذهبن وقلن لبطرس وللتلاميذ: إنه يسبقكم إلى الجليل، وهناك ترونه" (مر 16: 6-7).
شهادة المرأتين: وقد تراى لهما في طريق العودة: "لا تخافا، اذهبا وقولا لإخوتي ليمضوا إلى الجليل وهناك يرونني" (متى 28: 10).
شهادة حرّاس القبر: الذين ارتعدوا عند الزلزلة ودحرجة الحجر وجلوس ملاك الرب عليه وكان منظره كالبرق وثوبه أبيض كالثلج، ثم أخبروا الأحبار والشيوخ، فرشوهم بالمال الكثير وقالوا لهم: "أشيعوا أن تلاميذه جاؤوا ليلاً فسرقوه ونحن نيام. فاخذوا المال وانفذوا ما لقّنوهم، فانتشرت هذه الرواية بين اليهود إلى الآن (متى28: 2-4، 11-15). لكن حبل الكذب قصير إذ كيف رأوا تلاميذه يسرقونه وهم نيام؟
شهادة بطرس ويوحنا اللذين رأيا في القبر الفارغ اللفائف والمنديل، فآمنا بأنه قام (يو 20: 3-8).
شهادة تلميذي عماوس اللذين رافقهما في الطريق وتراءى لهما عند كسر الخبز (لو 24: 13-35).
أخيرًا شهادة الأحد عشر، وقد تراءى لهم في مساء ذلك الأحد (يو 20: 22-29).
هذه الشهادة بلغت إلى كل واحد منا، فيشهد لها باعتراف الايمان، وبقيامة القلب كثمرة لنعمة الفداء الفاعلة فينا.
هذا ما تعنيه التحية الفصحية: المسيح قام! حقًا قام!