التنشئة المسيحية الأحد الثالث بعد القيامة - الاحد 10 نيسان 2016
أولاً، شرح نص الانجيل
من إنجيل القديس لوقا 24: 13-35
في اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ اثْنَانِ مِنَ التَلاميذِ ذَاهِبَيْنِ إِلَى قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ عَنْ أُورَشَلِيم. وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ. وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا. ولكِنَّ أَعْيُنَهُمَا أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ. أَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: «مَا هذَا الكَلامُ الَّذي تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟». فَوَقَفَا عَابِسَين. وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، واسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ مَا حَدَثَ فِيهَا هذِهِ الأَيَّام؟». فَقَالَ لَهُمَا: «ومَا هِيَ؟». فَقَالا لَهُ: «مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ وَالشَعْبِ كُلِّهِ. وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه! وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي إِسْرَائِيل. وَلكِنْ مَعَ هذَا كُلِّهِ، فَهذَا هُوَ اليَوْمُ الثَالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث. لكِنَّ بَعْضَ النِسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ الفَجْر، وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا لَهُنَّ وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ! ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ هكذَا كَمَا قَالَتِ النِسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَرَوْه». فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: «يَا عَدِيمَيِ الفَهْم، وَبَطيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء! أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى المَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟». وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ الكُتُبِ المُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاء. واقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلى مَكَانٍ أَبْعَد. فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: «أُمْكُثْ مَعَنَا، فَقَدْ حَانَ المَسَاء، وَمَالَ النَهَار». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ الخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا. فانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: «أَمَا كَانَ قَلْبُنَا مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَرِيق، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟». وقَامَا في تِلْكَ السَاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين، وَهُم يَقُولُون: «حَقًّا إِنَّ الرَبَّ قَام، وتَرَاءَى لِسِمْعَان!». أَمَّا هُمَا فَكانَا يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ عِنْدَ كَسْرِ الخُبْز.
1. يتراءى الرب يسوع للتلميذين السائرين إلى بلدتهما عمًاوس، وهما في حالة كآبة، وسقوط للآمال، واستنكار لصلب يسوع، وحيرة بشأن خبر قيامته (راجع لو 24: 17-24). إنه جوّهم النفساني الملائم لظهور يسوع. فهو بتجسّده وبالفداء أصبح متضامنًا مع كل انسان، ولاسيما مع المتألم حسّيًا وروحيًا ومعنويًا. فهو إلى جانبه ليقطع معه الطريق، ويصل به إلى نهايته السعيدة.
في الواقع، أعرب التلميذان عن حالتهما هذه ليسوع، وهو بالنسبة إليهما رجل غريب، لكونهما لم يعرفاه بعين الجسد، بل عرفاه عند كسر الخبز، ما يعني أن يسوع أصبح "مسيح الايمان" الحاضر في سرّ القربان. ويسوع من جهته شرح لهما ما جاء عنه، وعن آلامه قبل الدخول في مجده، في جميع الكتب المقدسة من موسى إلى سائر الانبياء (راجع الآيات 25-27).
2. حوار رائع مطمئن أثمر في قلبي التلميذين الانشراح والرجاء (راجع الاية 32). هذا الاختبار يعيشه كل شخص يخلد للصلاة والتأمل والاصغاء لصوت المسيح في داخله. فكم نحن بحاجة إلى مثل هذا الحوار من جهتنا ومن جهة المسيح! هذا ما عنينا به أن يسوع أصبح متّحدًا، نوعًا ما، بكل انسان، لكي يقطع معه الطريق، ويكون إلى جانبه لاخراجه من معاناته وحيرته وتردده وضياعه. ويحتاج أيضًا إلى هذا الاختبار الاشخاص الذين يعيشون في البحبوحة والسعادة ورغد العيش، لكي يُعطى معنىً لحالتهم ولحياتهم، ولكي ينفتحوا بروح التضامن والمحبة والرحمة، نحو من هم في حاجة مادية أو روحية أو معنوية أو ثقافية. أما المعنى الذي يكتسبونه لحياتهم، من اللقاء مع المسيح والاصغاء له، فهو أنهم يكونون رفاق الطريق لهؤلاء على مثال الرب يسوع مع التلميذين على طريق عمّاوس.
3. نجد في هذا الظهور عناصر واقسام القداس الإلهي الثلاثة: خدمة الكلمة، التقدمة القربانية، المناولة.
أ- خدمة الكلمة(لو 24: 15-27)
في قداسنا، نبدأ خدمة الكلمة بالحضور أمام الله في بيته، الذي هو الكنيسة، مع جماعة المؤمنين. نستحضره، أبًا وابنًا وروحَا قدسًا، ونبدأ مناجاتنا له بصلاة البدء وصلاة الغفران المعروفة بالحساية وصلاة العطر. في هذه الصلوات الثلاث وتقديم البخور، نحن نخاطب الله: نسبّحه ونمجّده، ونعرض عليه حالتنا، ونلتمس نوره، ونعمته لمساعدتنا، ومغفرة خطايانا، وشفاء مرضانا، وراحة نفوس موتانا؛ ثم نعترف به ثلاث مرات إلهًا قدوسًا قديرًا وغير مائت.
في القراءتين: الرسالة والانجيل، المسيح يكلمنا ونحن نصغي له. وتساعدنا عظة الكاهن أو الأسقف للتأمل في كلامه ومقتضياته لكي نعيشه ونجسّده بالاعمال والمبادرات والمواقف.
في قداس المسيح على طريق عمّاوس نجد ليتورجيا الكلمة، حيث التلميذان كلّما يسوع في الآيات 18-24. لكن الرب نفسه حرّك كلاهما، آخذًا هو المبادرة الأولى: دنا منهما، ومشى معهما وسألهما: بماذا تتحادثان وانتما تسيران، وتظاهر بأنه يجهل ما جرى في أورشليم، ليعطيهما مجالاً أكبر للتعبير (راجع الآيات 15-19).
ثمّ كلّمهما هو، فأخرجهما من حزنهما وحيرتهما وزرع في قلبَيهما الانشراح، متمسّكًا به (الآيات 25-29 و32).
ب- التقدمة القربانية(لو 24: 15، 27، 30)
في قداسنا، تبدأ التقدمة القربانية بتبادل السلام الآتينا من مذبح المسيح بركة ونعمة، وتتواصل باستحضار عمل الله الواحد والثالوث الخلاصي: الآب الذي أحبّنا فأرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح الذي تجسّد وافتدانا وخلّصنا، والروح القدس الذي بحلوله يحوّل جوهر الخبز إلى جسد المسيح، وجوهر الخمر إلى دم المسيح، ويفيض علينا ثمار الفداء. في كل ذلك تتحقق الآن وهنا، بشكل غير دموي، ذبيحة المسيح إياها على الجلجلة، وتصبح ذبيحتنا القربانية البنوية التي نرفعها لله تكفيرًا وتعويضًا عن خطايانا وخطايا البشرية جمعاء، وتُسمّى "صلاة الشكر" - إفخارستيا.
في قداس المسيح، هو نفسه "الحمل المذبوح الممجّد" دنا من التلميذين ومشى معهما. وهو في هذه الحالة الحاضرة كتب عنه موسى والانبياء وسائر الكتب المقدسة. وهو نفسه "أخذ الخبز بيديه وبارك وكسر".
ج- المناولة (لو 24: 30)
في قداسنا، نتناول جسد الرب ودمه، تحت الشكلين، طعامًا سماويًا: "هذا هو الخبز النازل من السماء. وهو جسدي. من يأكل منه لا يموت. من أكل جسدي وشرب دمي فله الحياة الأبدية. وأنا أقيمه في اليوم الآخِر" (راجع يوحنا 6).
عندما نتناول جسد الرب ودمه ونثبت فيه، نقوى ونثمر: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه" (يو 6: 56). "من يثبت فيّ وأنا فيه يعطي ثمرًا كثيرًا، لأنكم بدوني لا تستطيعون أن تفعلوا شيئًا" (يو 15: 5).
بالمناولة نكسب مناعة ضد الخطيئة والشر، وقوة حسّية للصمود، وثباتًا في عمل الخير ونشر العدالة والسلام،وغيرة رسولية لإعلان سرّ المسيح.
في قداس المسيح، الرب نفسه "ناول" التلميذين بيده، فانفتحت أعين إيمانهما وعرفاه، وشعرا بسلام داخلي كبير، واكتسبا قوة حسّية أعادتهما تلك الليلة إلى أورشليم بالرغم من طول المسافة، بغيرة رسولية لينقلا خبر القيامة، هما اللذان شفقا على ذاك "الغريب"، وبعمل رحمة ودعياه لقضاء ليلته في بيتهما: "امكث معنا، لأن المساء اقترب ومال النهار" (لو 24: 29).
* * *
ثانياً: يوبيل سنة الرّحمة
عندما ظهرَ الربّ يسوع للراهبة القديسة ماري – فوستينا وكشفَ لها رسالتها لخدمة الرحمة الإلهيّة، طلبَ أن تمارس الرحمة تجاه الآخرين بثلاث طُرُق: الكلام والأعمال والصّلاة.
هذه الطُّرُق مارسَها يسوع، مع التلميذَين على طريق عمّاوس: كلّمهما بكلمات مُطمئنة في الطّريق، لبّى دعوتهمابالدخول إلى بيتهما، صلّى معهما على المائدة.
في براءة يوبيل سنة الرحمة، وعنوانها "وجه الرّحمة"، يدعو قداسة البابا فرنسيس إلى ممارسة الرحمة بأفعال جسدية وروحيّة: من بين الأفعال الجسديّة: "إيواء الغريب" (الفقرة 12) هذا ما فعلَه التلميذان تجاه ذاك الغريب: "أمكثْ معنا، فقد حان المساء ومالَ النّهار" (لوقا24: 29). بفضل عمل الرحمة هذا إستحقّ التلميذان أن يُقيمَ يسوع قداسه الأوّل في بيتهما بعد قيامته، وينعما بمعرفته. إنّ كلّ عمل رحمة تجاه إنسان يعتبره الربّ يسوع مصنوعًا له شخصيًّا: "كلّ ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي تفعلونه" (متى 25: 40). أفعال الرّحمة التي نقوم بها تُحرّك مشاعر الله فيبادلنا إيّاها بطرقه الخاصّة وبسخاء.
من بين الأفعال الرّوحيّة: "تنوير مَن هُم في حالة شكّ، وتعزية الحزين" (الفقرة 15). يسوع مارسَ مع التّلميذين هذَين الفعلَين فأخرجهما من حالة الشكّ والكآبة (راجع لو 24: 25-27).
* * *
صلاة
أيّها الربّ يسوع، لقد جعلتَ الرحمة الإلهيّة حاضرة في حياتنا اليوميّة من خلال سرّ القربان، فأنتَ فيه ذبيحة فداءٍ وغفران، وطعام سماويّ لنفوسنا. إفتَحْ قلوبنا لرحمتك كما فعلتَ مع تلميذَي عمّاوس، وحرِّكْ فينا مشاعر الرحمة لنمارسَها بالكلمة والعمل والصّلاة، تجاه مَن هم في حاجة جسديّة أو روحيّة. إمنح العالم هذه الرحمة لكي يعيش الناس في سلام وطمأنينة، وينعموا بالعدالة والإنصاف، ويبنوا مجتمعًا أكثرَ إنسانيّة. لك المجدُ والتسبيح أيّها الآب والإبن والرّوح القدس ، الآن وإلى الأبد. آمين.