لبنان
25 نيسان 2017, 08:58

التنشئة المسيحية - الأحد الثالث بعد القيامة

ألقى البطريرك الماروني، الكرينال مار بشارة بطرس الرّاعي التنشئة الرّوحيّة للأحد الثالث بعد القيامة شارحًا إنجيل لوقا عن تلميذيّ عمّاوس ومواصلًا نقل مضمون سنة الشّهادة والشهداء كما وواصل ختامًا نقل مضمون رسالته العامّة "خدمة المحبّة الإجتماعيّة"، جاء فيها:

 

نحن في الأحد الثالث من زمن القيامة. لكن ظهور الربّ لتلميذَي عمّاوس، الذي يرويه إنجيل لوقا، جرى في مساء أحد قيامة الربّ يسوع. إنّه ظهور قرباني، بل نستطيع القول انّه قداس يسوع الأوّل بعد عشائه السّرّي. وبه كرّس يوم الأحد يومًا للربّ، تلتقي فيه الجماعة المؤمنة حول المائدة المثلَّثة: الكلمة والذبيحة والمناولة.

 

أولاً، شرح نص الانجيل

 

من إنجيل القديس لوقا 24: 13-35

 

في اليَوْمِ عَينِهِ، كانَ اثْنَانِ مِنَ التَلاميذِ ذَاهِبَيْنِ إِلَى قَرْيَةٍ تُدْعَى عِمَّاوُس، تَبْعُدُ نَحْوَ سَبْعَةِ أَمْيَالٍ عَنْ أُورَشَلِيم. وَكانَا يَتَحَادَثَانِ بِكُلِّ تِلْكَ الأُمُورِ الَّتِي حَدَثَتْ. وفيمَا هُمَا يَتَحَادَثَانِ وَيَتَسَاءَلان، إِذَا يَسُوعُ نَفْسُهُ قَدِ اقْتَرَبَ مِنْهُمَا، وَرَاحَ يَسِيرُ مَعَهُمَا. ولكِنَّ أَعْيُنَهُمَا أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ. أَمَّا هُوَ فَقَالَ لَهُمَا: «مَا  هذَا الكَلامُ الَّذي تَتَحَادَثَانِ بِهِ، وَأَنْتُمَا تَسِيرَان؟». فَوَقَفَا عَابِسَين. وَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، واسْمُهُ كِلْيُوبَاس، فَقَالَ لَهُ: «هَلْ أَنْتَ وَحْدَكَ غَرِيبٌ عَنْ أُورَشَلِيم، فَلا تَعْلَمَ مَا حَدَثَ فِيهَا  هذِهِ الأَيَّام؟». فَقَالَ لَهُمَا: «ومَا هِيَ؟». فَقَالا لَهُ: «مَا يَتَعَلَّقُ بِيَسُوعَ النَاصِرِيّ، الَّذي كَانَ رَجُلاً نَبِيًّا قَوِيًّا بِالقَوْلِ وَالفِعْل، قُدَّامَ اللهِ وَالشَعْبِ كُلِّهِ. وكَيْفَ أَسْلَمَهُ أَحْبَارُنا وَرُؤَسَاؤُنَا لِيُحْكَمَ عَلَيْهِ بِالمَوْت، وَكَيْفَ صَلَبُوه! وكُنَّا نَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذي سَيَفْدِي إِسْرَائِيل. وَلكِنْ مَعَ هذَا كُلِّهِ،  فَهذَا هُوَ اليَوْمُ الثَالِثُ بَعْدَ تِلْكَ الأَحْدَاث. لكِنَّ بَعْضَ النِسَاءِ مِنْ جَمَاعَتِنَا أَدْهَشْنَنَا، لأَنَّهُنَّ ذَهَبْنَ إِلَى القَبْرِ عِنْدَ الفَجْر، وَلَمْ يَجِدْنَ جَسَدَ يَسُوع، فَرَجَعْنَ وَقُلْنَ إِنَّهُنَّ شَاهَدْنَ مَلائِكَةً تَرَاءَوْا لَهُنَّ وَقَالُوا إِنَّهُ حَيّ! ومَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَنَا إِلى القَبْر، فَوَجَدُوهُ هكذَا كَمَا قَالَتِ النِسَاء، وَأَمَّا يَسُوعُ فَلَمْ يَرَوْه». فقَالَ لَهُمَا يَسُوع: «يَا عَدِيمَيِ الفَهْم، وَبَطيئَيِ القَلْبِ في الإِيْمَانِ بِكُلِّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاء! أَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى المَسِيحِ أَنْ يُعَانِيَ تِلْكَ الآلام، ثُمَّ يَدْخُلَ في مَجْدِهِ؟». وَفَسَّرَ لَهُمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ في كُلِّ الكُتُبِ المُقَدَّسَة، مُبْتَدِئًا بِمُوسَى وَجَمِيعِ الأَنْبِيَاء. واقْتَرَبَا مِنَ القَرْيَةِ الَّتي كَانَا ذَاهِبَيْنِ إِلَيْهَا، فتَظَاهَرَ يَسُوعُ بِأَنَّهُ ذَاهِبٌ إِلى مَكَانٍ أَبْعَد. فَتَمَسَّكَا بِهِ قَائِلَين: «أُمْكُثْ مَعَنَا، فَقَدْ حَانَ المَسَاء، وَمَالَ النَهَار». فَدَخَلَ لِيَمْكُثَ مَعَهُمَا. وفِيمَا كَانَ مُتَّكِئًا مَعَهُمَا، أَخَذَ الخُبْزَ، وبَارَكَ، وَكَسَرَ، ونَاوَلَهُمَا. فانْفَتَحَتْ أَعْيُنُهُمَا، وَعَرَفَاهُ، فَإِذَا هُوَ قَدْ تَوَارَى عَنْهُمَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: «أَمَا كَانَ قَلْبُنَا مُضْطَرِمًا فِينَا، حِينَ كَانَ يُكَلِّمُنَا في الطَرِيق، وَيَشْرَحُ لَنَا الكُتُب؟». وقَامَا في تِلْكَ السَاعَةِ عَيْنِهَا، وَرَجَعَا إِلَى أُورَشَلِيم، فَوَجَدَا الأَحَدَ عَشَرَ وَالَّذِينَ مَعَهُم مُجْتَمِعِين، وَهُم يَقُولُون: «حَقًّا إِنَّ الرَبَّ قَام، وتَرَاءَى لِسِمْعَان!». أَمَّا هُمَا فَكانَا يُخْبِرانِ بِمَا حَدَثَ في الطَرِيق، وَكَيْفَ عَرَفَا يَسُوعَ عِنْدَ كَسْرِ الخُبْز.

 

 التلميذان يعودان إلى عمّاوس بلدتهما كئيبَين مصدومَين من حادثة صلب يسوع، إذ سقطت كلّ آمالهم. وهذا سبّب لهما وجعًا نفسيًّا كبيرًا. في هذا الوقت الصعب تراءى لهم يسوع بمنظر إنسان عادي يسير معهما في الطريق فلم يعرفاه. المسيح يعلّمنا بذلك أنّه رفيق دربنا أفرادًا وجماعة، ولاسيّما في ساعات الشدّة والألم. "فحيث الصليب هناك المصلوب". ويعلّمنا دائمًا عدم التسرّع والانفعال وردّات الفعل، بل العودة إليه والإصغاء إلى كلامه والتأمّل في مواقفه وأفعاله وآياته. من الضرورة "الخروج" من المشكلة، وأخذ مسافة منها، والدخول في خلوة تفكير وتأمّل، من أجل معالجتها. هذه الحالة تنطبق على حياة الزوجَين، وعلاقتهما بالأولاد، وعلاقة هؤلاء بوالديهم؛ وتنطبق أيضًا على الحياة الاجتماعيّة والوطنيّة.

 

كما سند الربّ يسوع ضعف التلميذَين في حالتهما الخاصّة، يسند كذلك كلّ واحد وواحدة منا في ضعف حالته. إنّه لكلّ إنسان بمفرده، وقد أتى ليقطع الطريق معه في الحياة؛ وهو لكلّ جماعة مؤمنة تمشي في مسيرة حجّ نحو الله.

 والحدث دعوة لنا لنسير معًا في مواجهة مشاكلنا. كان التلميذان يساندان الواحد الآخر من خلال تبادل مشاعر الألم والكلمات والاعتبارات. كلّ إنسان يحتاج إلى شخص يسمع همّه وألمه ويتحسّس بكآبته، ويوجِّه إليه كلمة تضامن، فيشعر أنّ هذا الشخص هو بقربه. هذا الأمر يخفّف نوعًا ما من حدّة الوجع، لكنّه لا يزيله. أما يسوع فعندما مشى مع التلميذَين أزال وجعهما عاطفيًّا بكلماته، إذ شعرا بارتياح داخلي عندما كان يحدّثهم في الطريق: "أما كان قلبنا مضطرمًا فينا، حين كان يكلّمنا في الطريق، ويشرح لنا الكتب؟" (لو24: 32).ثمّ أزال وجعهما بكلّيته عندما تناولا خبزه أي جسده، فعرفاه (لو24: 31).

 هذا الاختبار مهيَّأ لنا في كلّ يوم أحد، عندما نشارك في ليتورجيّا القدّاس الإلهي. حيث المسيح، كما مع التلميذَين على طريق عمّاوس، يخاطب قلبنا من خلال كلامه في الإنجيل والقراءات ومايسبقها من صلوات وأناشيد، في خدمة الكلمة. ويقدّمذاته ذبيحة فداء من خلال الخبز والخمر المحوَّلَين إلى جسده ودمه مع ما يسبقها من تبادل السلام كبركة مأخوذة من المذبح والقرابين، وما يليها من الصلوات التذكارية ورموز الموت على الصليب، في الخدمة القربانيّة. ويهبنا ذاته طعامًا روحيًّا يقيت نفوسنا بالحياة الأبديّة.

 

 على طريق عمّاوس خاطب الربّ يسوع التلميذَين، شارحًا لهما الكتب التي تكلّمت عنه قديمًا، وعن آلامه وموته. وفي الطريق كان هو إيَّاه الحمل المذبوح الممجَّد. وفي البيت بارك الخبز وكسره وناولهم. فكان خبز جسده، وحينئذٍ عرفاه. ما يعني أنّ المسيح نعرفه ونلتقيه في ليتورجيّا القداس. ونالا قوّة جسديّة ومعنويّة، فقاما وعادا إلى أورشليم بمسيرة ثلاث ساعات ليخبرا أنّه قام من الموت. القربان قوّة النفوس والأجساد.

 

 سرُّ القربان هو مصدر رسالة الكنيسة، وقلبُها النابض. عندما يختم الكاهن المحتفل القداس بقوله "أمضوا بسلام"، إنّما يقول لهم: إذهبوا واخبروا عن سرّ المسيح، واشهدوا له بنمط حياتكم وغيرتكم الرسوليّة، معتمدين نهج الإفخارستيا: كلمة تبني، وتضحية تساعد، وسعادة تعطي معنى للحياة.

 

القدّيس فيليب نيري الإيطالي، في ختام قدّاسه بحسب الصيغة الليتورجية: "إذهبوا، انتهى القداس"، كان يضيف: "وابتدأ قدّاسكم".

 

لم يعرف التلميذان يسوع بالرغم من المسافة التي قطعها معهما شارحًا الكتب، بل عرفاه عند كسر الخبز. فقد ظنّاه رجلًا غريبًا. كذلك مريم المجدليّة، في فجر أحد القيامة، ظنّته البستاني (يو20: 15). وأيضًا الرسل لم يعرفوه عندما تراءى لهم على شاطئ بحيرة طبريه. أما يوحنا فعرفه من صوته (راجع يو21: 4 و7). ذلك أنّه يظهر بجسده الممجّد، فلا يُعرف إلّا بالإيمان، وفي سرّ القربان حيث هو حاضر تحت شكلَي الخبز والخمر المحوَّلَين إلى جسده ودمه. إنّه مسيح الإيمان والمحبة. بهما نبني علاقتنا معه: نسمعه عندما يكلّمنا بالإنجيل ونصغي إليه في التأمّل، ونخاطبه بدورنا في صلاتنا المتنوّعة: تسبيحًا وتمجيدًا، التماسًا وشكرًا، استغفارًا وتشفّعًا.

 

 مشى يسوع مع التلميذَين بمبادرة منه (لو24: 15). إنّه دائمًا صاحب المبادرة الأولى. هذا هو نهج الله مع الإنسان، ويريد منّا أن ننتهجه نحن أيضًا تجاه بعضنا البعض، تجاه القريب والبعيد. لا نستطيع أن نعرف مسبقًا نتائج هذه المبادرة وثمارها، بل نعرفها من بعد اللّقاء، كما جرى في عمّاوس.

 

الرسالة، التي نلناها بالمعمودية والميرون والزواج والكهنوت، هي الذهاب نحو الآخر، السَّير معه، اتّخاذ المبادرة، بدء الخطوة الأولى. كان تلميذا عمّاوس يبحثان عن الحقيقة، فكشفها لهما يسوع بسيره معهما. كلّ إنسان يرغب أن يعرف الحقيقة، وبالتالي يحتاج إلى مَن يسير معه، يصغي إليه، يسمع وجهة نظره، ثمّ يفكّر معه بشأن الحقيقة حتى اكتشافها. هكذا فعل يسوع مع التلميذَين (راجع لو 24: 17-24).

*   *   *

 

ثانيًا، سنة الشهادة والشهداء

نواصل نقل مضمون رسالتي "سنة الشهاهدة والشهداء" (9شباط 2017)، من أجل تعزيز المشاركة في عيشها. فننقل اليوم أهمّ النشاطات المقترحة في القسم الرابع (الفقرتان 16 و17).

 

" إنّنا ندعوكم في لبنان والنطاق البطريركي وبلدان الانتشار إلى الاحتفال بسنة الشهادة والشّهداء عبر المشاركة في النشاطات التي تحييها الأبرشيّات والرعايا والرهبانيّات والأديار والأخويّات والحركات الرسوليّة والمؤسّسات الكنسيّة والمدارس والجامعات والأندية الثقافيّة والمفكِّرون والمؤرِّخون والفنَّانون والعائلات ووسائل الاتّصال والتواصل...

 

من أجل حسن الاحتفال بسنة الشهادة والشهداء، نقترح من بين أهمّ المبادرات ما يلي:

 

      - تنظيم حملة هادفة إلى التعريف بالشهادة والاستشهاد في كنيستنا؛

 

      - إقامة رياضات روحيّة وخلوات وندوات تشدِّد على دور الشهادة والشهداء في حياتنا اليوم؛

 

      - إحياء احتفالات ومسيرات وزيارات حجّ إلى الأماكن المقدّسة وإلى كنائس وأديار الشهداء؛

 

       - تنشيط حركة أبحاث علميّة تأريخيّة، وبخاصّة في الجامعات، حول تاريخ الشهادة والشّهداء في كنيستنا، تهدف إلى إغناء السنكسار الماروني الذي يورد تذكار قدِّيسي كلّ يوم على مدار السنة.

 

       - اعتناء الجامعات والمعاهد بتنظيم سلسلة من المؤتمرات تتناول مسألة الشهداء المسيحيِّين في مراحل الاضطهادات المتنوِّعة.

 

       - اهتمام كلِّيات الهندسة والفنّ الكنسي بالكشف عن معالم التاريخ في كنيستنا، في هندسة الكنائس وفي رسم الأيقونات وفي الموسيقى، وغيرها.

 

       - تعاون اللَّجنة البطريركيّة للشؤون الطقسيّة مع كلّيات العلوم الدينيّة الكنسيّة، اللاهوتيّة والليتورجيّة، لوضع صلوات وتساعيّات وابتهالات وزياحات للشّهداء في كنيستنا. والعمل على ربط مفهوم الشّهادة والاستشهاد بمحطّات السنة الطقسيّة ووضع الاحتفالات في إطار الزمن الطقسي.

 

      - التعاون مع وسائل الاتّصال والتواصل والإعلام من أجل إبراز الشهداء ودورهم في مسيرة الكنيسة وازدهارها وانتشارها".

  *   *   *

 

ثالثًا، خدمة المحبة الاجتماعية

نواصل أيضًا نقل مضمون رسالتي العامّة الخامسة تحت عنوان: "خدمة المحبة الاجتماعية" (25 أذار 2017)، من أجل التزام الجميع بهذه الخدمة. فننقل اليوم التحديات التي تواجهها خدمة المحبة (الفقرة 12).

 

"يشير "فرح الإنجيل" إلى تحدّيات أخرى تنبع من ثقافات سلبيّة متفشّية لها تداعياتها الاجتماعيّة والإنسانيّة. فمن واجب الكنيسة أن تواجهها بكرازتها الإنجيليّة وبأعمالها الرعويّة. نذكر من بين  هذه التحدّيات:

 

أ - التهجّم ضدّ الحرية الدينيّة، وأنواع جديدة من اضطهاد المسيحيِّين في بعض البلدان حتى الحقد والعنف. ما يتسبّب بالإحباط  والهجرة والمنع من المساهمة في بناء المجتمع والدولة.

 

ب - الإفساد المتسارع للجذور الثقافيّة، والميل إلى ثقافات أخرى مناقضة، بفعل العولمة. وذلك بترويج من وسائل الاتّصال الاجتماعي وتقنيّاتها الجديدة المتطوّرة، حيث لا رقيب لها ولا حسيب.

 

ج - تكاثر الحركات الدينيّة التي يجنح بعضها إلى الأصوليّة، والبعض الآخر يعرض روحانيّة بدون الله، كردّات فعل على المجتمع الاستهلاكي المادّي الفرداني، وعلى حرمان الشعب العائش في الضواحي والمناطق الفقيرة. وتستفيد هذه الحركات من التقصير السائد في بعض الرعايا والجماعات الدينيّة والمؤسّسات حيث لا يتوفّر حسن الاستقبال، وحيث يغلب الطابع الإداري على الواجب الراعوي، وحيث تُهمل زيارة العائلات في بيوتها التي من شأنها أن تكشف حاجاتها المتنوّعة.

 

د - تعاظم تيّار العلمنة الذي يقلّص الإيمان، ويهمل عبادة الله وتعليم الكنيسة، ويحصر الشَّأن الروحي في داخل الإنسان، ويتنكّر لكلّ تسامٍ روحي، فيُنتج انحرافًا أخلاقيًّا متناميًا، ويلاشي معنى الخطيئة الشخصيّة والاجتماعيّة، وينمّي تيّار النسبيّة. هذا كلّه يؤدّي إلى تضليل شامل يقع ضحيّته بنوع خاصّ الشباب وأجيالنا الطالعة. فمن واجب الكنيسة أن توفّر تربية تساعد على النضوج في القيم الروحيّة والأخلاقيّة، وفي التربية على حسن الحكم النقدي على الأمور.

 

ه. هشاشة الرباط الزوجي التي تُنتج أزمة هوية، فيلجأ الأزواج بسهولة إلى فسخ هذا الرباط الذي شدّ الله أواصره بنعمة السّر المقدّس، وبعهد الحبّ الذي قطعوه فيما بينهم ومع الله. من واجب الكنيسة أن تكون بجانب الأزواج المتعثّرين وتساعدهم على المصالحة والتفاهم، وتعيدهم إلى حياة الصلاة وممارسة سرَّي التوبة والقربان. فالعائلة هي خليّة المجتمع الحيّة، فتكون سلامته من سلامتها. وهي المدرسة الطبيعيّة للتربية على القيم الإنسانيّة والأخلاقيّة، كما هي الكنيسة البيتيّة التي يتربّى فيها الأولاد على الإيمان والصلاة والقيم الروحيّة[1]".

*   *   *

 

صلاة

أيُّها الربّ يسوع،أنت حاضر في سرّ القربان، لكي تكون رفيق الدرب لكلّ إنسان. لقد علّمتنا في مبادرتك مع تلميذَي عمّاوس أن نترك لك مكانًا في حياتنا: نستحضرك، نشكي لك همّنا، نطرح عليك معاناتنا. ثمّ نصغي إلى ما تقول لنا في الإنجيل، وصوتك الداخلي، وتعليم الكنيسة، وتوجيه المرشد الروحي. ودعوتَنا لنلتقيك ونعرفك في سرّ القداس، حيث أنت حاضر بكلمتك الهادية، وذبيحتك الخلاصيّة، ووليمة جسدك ودمك المحيية. وتعلّمنا أيضًا أنّ اللقاء الإفخارستي معك مصدر قوّة واندفاع في الرسالة التي أوكلتَها لكلّ واحد منّا بالمعمودية والميرون والزواج والكهنوت، وهي الرسالة الموكولة منك إلى الكنيسة. إنّنا نشكرك ونسبّحك ونمجّدك مع أبيك وروحك القدّوس، الآن وإلى الأبد، آمين.