دينيّة
09 شباط 2025, 14:00

التريوديون... تهيئة للدّخول في الصّوم الكبير

تيلي لوميار/ نورسات
مع بداية التّهيئة للصّوم الكبير، يتوقّف خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض عند "التريوديون" وهو كتاب كنسيّ يحتوي على خدمات كنيسته خلال تلك الفترة، فيكتب شارحًا:

"اليوم تبدأ كنيستي باستخدام التريوديون في صلواتها وهو كتاب كنسيّ يحتوي على خدمات كنيستنا الّتي تُقام خلال الفترة الّتي تبدأ بأحد العشّار والفرّيسيّ وتنتهي في سبت النّور.

يغطّي كتاب التريودي: 

أ) الأسابيع الثّلاثة الّتي تسبق الصّوم الكبير.

(ب) الصّوم الكبير بالكامل وتحديدًا الفترة من الاثنين النّظيف إلى أحد الشّعانين.

(ج) أسبوع الآلام العظيم، ولأنّه مليء بالتّرانيم المهيبة، فيُطلق عليه أيضًا اسم التريودي المهيب.

ولكن التريودي ليس اسم الكتاب فحسب، بل إنّه أيضًا الفترة الزّمنيّة الّتي يغطّيها هذا الكتاب. لذا فإنّ التريودي هو كتاب طقسيّ وجزء من السّنة الكنسيّة. وتهدف فترة التريودي بأكملها إلى إعدادنا، من خلال الصّوم والصّلاة والتّوبة، لقبول مخلّصنا وهو "يستعدّ لآلامه"، وأن نصبح شركاء في آلامه وقيامته.

بدأت الكنيسة المقدّسة منذ زمن بعيد في إعداد المؤمنين للصّوم الكبير كوقت خلاصيّ للتّطهير والتّقديس الرّوحيّ الشّامل. ولا يمكن تحقيق هذا التّطهير والتّقديس إلّا بشرط الصّفح الكامل عن الخطايا، والتّغيير الكامل لنظرة الحياة في الأفكار والمشاعر والأفعال، والتّجديد الكامل والنّهضة الرّوحيّة. لهذا السّبب تعدّنا الكنيسة المقدّسة مسبقًا لدخولنا إلى أيّام الصّوم والتّوبة المقدّسة والفداء، وتبذل مسبقًا جهدًا لإزالة كلّ ما يعيق وصولنا إلى التّوبة الحقيقيّة، وتبذل مسبقًا جهدًا لتعليمنا أنّ روح التّواضع والنّدم الصّادقة الّتي يجب اكتسابها مطلوبة منّا.

إنّ فترة التريودي الّتي ندخلها ترفع معايير حياتنا، وتعيد الأمور إلى مسارها الطّبيعيّ. أوّلًا، يفصلنا عن المطالب الملحّة للجسد، والّتي تتجاوز ما هو ضروريّ، ولكن أيضًا الضّغوط النّاجمة عن عيوبه. ثانيًا، يظهر لنا الجمال الرّوحيّ للعقل المتواضع والبريء، والقلب البسيط والنّقيّ. ثالثًا، يجذبنا إلى البحث عن الله، وبذل الجهد لنكون مثل المسيح، الأمر الّذي يخلق لنا "معايير جماليّة" أخرى.

لذا ينتظر مؤمنو الكنيسة الأرثوذكسيّة كلّ عام بفرح وحنين كبيرين عيد التريودي المجيد. فالصّوم والاعتدال والتّوبة والحزن الرّوحيّ هي خبرات الأرثوذكس الّذين تنعشهم وتجدّدهم الدّورة اللّيتورجيّة لأعياد التريودي. ونشعر بجذور تقاليدنا تغذّينا وتروينا بالتّقوى والقداسة، وبخاصّة في فترة التريودي. ربّما لا نجد طريقًا أفضل للمسيحيّ للوصول إلى الفصح من التريودي، ليس فقط كمسافر عبر الزّمن، بل كحاجّ تقيّ لآلام المسيح والقيامة. إنّ التريودي هو سلّم للمؤمن، حيث توصلنا الدّرجة الأخيرة منه إلى الجوّ المشرق لقيامة الرّبّ المضيئة. إنّ فترة التريودي تدعونا جميعًا إلى ترك حياتنا الكسولة والخاطئة وخوض معركة الاعتدال الصّالحة كما أظهرتها كنيستنا، بالصّوم والصّلاة، الّتي تطهّر نفوسنا وتقدّمنا أمام المسيح. هذا هو الفصح الّذي هو غاية المؤمنين في التريودي. "فلنصبح أبيضين كالثّلج بصوم النّفس، وكعرائس نقيّات للمسيح، فلنشترك في الفصح السّرّيّ والقيامة الإلهيّة المشرقة".