التّحذير والتّغيير كلمتان شدّد عليهما البابا فرنسيس في ختام أسبوع الصّلاة من أجل وحدة المسيحيّين
"لقد أصغينا إلى كلمة الله الّتي ميّزت أسبوع الصّلاة هذا من أجل وَحدة المسيحيّين. إنّها كلمات قويّة، وقويّة جدًّا لدرجة أنّها قد تبدو غير لائقة بينما نفرح في لقائِنا مع بعضنا البعض، كإخوة وأخواتٍ في المسيح لكي نحتفل بليتورجيا احتفاليّة لتسبيحهِ. لا تغيب اليوم الأخبار المُحزنة والمُقلقة، لهذا قد نَستغنِي بسرور عن "التّنديدات الاجتماعيّة" للكتاب المقدّس! ومع ذلك، إن أصغينا بانتباه إلى قلق الزّمن الّذي نعيش فيه، وبأولى حجّة، علينا أن نهتمَّ بما يجعل الرّبّ الّذي نعيش من أجله يتألّم. وإذا كنّا قد اجتمعنا باسمه، لا يمكننا إلّا أن نَضَعَ كلمته في المحور. إنّها كلمة نبويّة: في الواقع، يحذّرنا الله، بصوت أشعيا، ويدعونا إلى التّغيير. التّحذير والتّغيير هما الكلمتان اللّتان أريد أن أقدّم لكم حولهما بعض الأفكار هذا المساء.
التّحذير. لنصغِ مجدّدًا إلى بعض الكلمات الإلهيّة: "حينَ تَأتونَ لِتَحضُروا أَمامي، [...] لا تَعودوا تأتوني بِتَقدِمَةٍ باطِلَة، [...] فحينَ تَبسُطونَ أَيدِيَكم أَحجُبُ عَينَيَّ عنكم، وإِن أَكثَرتُم مِنَ الصَّلاةِ لا أَستَمِعُ لَكم". ما الّذي أثار سخط الله، لدرجة أنّه دعا الشّعب الّذي يحبّه كثيرًا بلهجة السّخط هذه؟ يُظهر لنا النّصّ سببَين. أوّلاً، يدين الله واقع أن لا يتمَّ في هيكله، وباسمه ما هو يريده: فهو لا يريد بخورًا ولا تقدِمات، بل أن يُقوَّمَ الظّالم، ويُنصَفَ اليتيم، وتُحمى الأرملة. ففي مجتمع زمن النّبيّ، كان قد انتشر المَيل- الّذي للأسف لا يزال آنيًّا أيضًا- لاعتبار الأغنياء والّذين يقدّمون التّقدمات الكثيرة، مباركين من الله، فيما كان يتمُّ احتقار الفقراء. ولكن هذا الأمر هو سوءُ فهمٍ كاملٍ للرّبّ. لقد أعلن يسوع الطّوبى للفقراء، وفي مَثَل الدّينونة العُظمى تماهى مع الجائعين والعِطَاش والغُرباء والمعوزين والمرضى والسّجناء. هذا هو السّبب الأوّل لسخطه: فالله يتألّم عندما نقدِّم رؤيتنا على رؤيته، نحن الّذين نقول إنّنا نؤمن به، ونتبع أحكام الأرض بدل أحكام السّماء، ونكتفي بالطّقوس الخارجيّة ونقف غير مبالين إزاء الّذين يحبّهم. لذلك، يمكننا أن نقول، إنّ الله يتألَّم بسبب سوءِ فهمنا اللّامبالي.
بالإضافة إلى ذلك، هناك سببٌ ثانٍ وأكثر خُطورة، الّذي يُسيءُ إلى العَلِيّ، وهو: العنف المُدنِّس للمقدّسات. ويقول: "لا أُطيقُ الإِثمَ والاحتِفال. […] لأَنَّ أَيدِيَكم مَمْلوءَةٌ مِنَ الدِّماء. [...] أَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم مِن أَمامِ عَينَيَّ". لقد "استاء" الرّبّ من العنف الّذي تعرّض له هيكل الله، الّذي هو الإنسان، بينما يتمُّ تكريمه في هياكل بناها الإنسان! يمكننا أن نتصوّر بكم من الألم يجب على الله أن يشهد على حروب وأعمال عنف يقوم بها الّذين يقولون بأنّهم مسيحيّين. تبادر إلى ذهني تلك الحادثة الّتي احتجّ فيها أحد القدّيسين على وحشيّة الملك عندما ذهب إليه في زمن الصّوم وقدّمَ له لحمًا ليأكل، وعندما رفض الملك بسخط، باسم تديّنه، سأله رجل الله لماذا تتردّد في أكل لحوم الحيوانات بينما لم يتردّد في أن يقتل أبناء الله.
أيّها الإخوة والأخوات، إنَّ تحذير الله هذا يجعلنا نفكّر كثيرًا، كمسيحيّين وكطوائف مسيحيّة. أودّ أن أعيد التّأكيد على أنّنا مع تطوّر الرّوحانيّة واللّاهوت اليوم، نحن لا نملك أعذارًا. ومع ذلك، لا يزال هناك أشخاص يعتقدون أنّ دينهم يدفعهم أو يسمح لهم بأن يعضدوا أشكالًا مختلفة من القوميّات المغلقة والعنيفة، ومواقفَ معادية للغرباء، والازدراءَ وكذلك سوء المعاملة تجاه الّذين يختلفون عنهم. على الإيمان، مع الأنسنة الّتي يلهمها، أن يحافظ على حسّ نقديّ حيّ إزاء هذه النّزعات، وأن يساعد على ردّة فعل سريعة عندما تبدأ بالظّهور. إذا أردنا، على مثال القدّيس بولس الرّسول، ألّا تذهب نعمة الله فينا سُدًى، علينا أن نعارض الحرب، والعنف والظّلم أينما تسلّلوا. لقد اختَارَ موضوع أسبوع الصّلاة هذا، مجموعة من المؤمنين من مينيسوتا، في اليقين لأعمال الظّلم الّتي ارتُكِبَت في الماضي في حقّ الشّعوب الأصليّة، والأميركيّين الأفارقة في أيّامنا هذه. وبالتّالي إزاء أشكال الازدراء والعنصريّة المختلفة، وإزاء سوء الفهم اللّامُبالي والعنف المُدنِّس للمقدّسات، تحذّرنا كلمة الله: "تَعَلَّموا الإِحسانَ والتَمِسوا الحَقّ". في الواقع، لا يكفي أن ننَدِّد، بل علينا أيضًا أن نتخلّى عن الشّرّ، وننتقل من الشّرّ إلى الخير. وبالتّالي فالتّحذير موجّه لكي نتغيَّر.
التّغيير. بعد تشخيص الأخطاء، يطلب الرّبّ أن نصلحها، وعلى لسان النّبيّ يقول: "اغتَسِلوا وتَطَهَّروا [...]. وكُفُّوا عنِ الإِساءَة". وإذ يعرف أنَّ خطايانا الكثيرة تضغط علينا، وتشلُّنا، هو يَعِدُنا بأنّه هو الّذي سيغسلها ويقول: "تَعالَوا نَتَناقَش، يَقولُ الرَّبّ، لَو كانَت خَطاياكم كالقِرمِزِ تَبيَضُّ كالثَّلْج، ولو كانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان تَصيرُ كالصُّوف". أيّها الأعزّاء، بسبب سوء فهمِنا لله والعنف المتربِّص في داخلنا، لا يمكننا أن نتحرّر وحدنا. بدون الله وبدون نعمته لن نشفى من خطايانا. نعمته هي مصدر تغييرنا. وتُذكّرنا بذلك حياة القدّيس بولس الرّسول، الّذي نُحيي اليوم ذكراه. لا يمكننا أن نعمل شيئًا وحدنا، ولكن كلّ شيء ممكن مع الله. لا يمكننا أن نعمل شيئًا وحدنا، ولكنَّ ذلك ممكن معًا. في الواقع، طلب الرّبّ من تلاميذه أن يتوبوا معًا. فالتّوبة تُطلب من الشّعب، ولها ديناميكيّة جماعيّة وكنسيّة. لذلك نحن نؤمن أيضًا أنّ توبتنا المسكونيّة تتقدّم بقدر ما نعترف بأنّنا مُعوزون للنّعمة ومُعوزون للرّحمة: وإذ نعترف بأنّنا نعتمد على الله في كلّ شيء، سنشعر وسنكون حقًّا، وبمساعدته، "واحِدًا".
ما أجمل أن ننفتح معًا، تحت شعار نعمة الرّوح القدس، على تغيير وجهة النّظر هذا، ونكتشف مُجدّدًا أنّ جميع المؤمنين المنتشرين في العالم يشتركون مع الآخرين في الرّوح القدس. وهكذا- كما كتب القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ- فالّذي يقيم في روما يعرف أنّ الهنود هم أعضاؤه. في مسيرة الشّركة هذه، أنا مُمتنٌّ لأنَّ العديد من المسيحيّين من مختلف الجماعات والتّقاليد يرافقون بمشاركة واهتمام المسيرة السّينودسيّة للكنيسة الكاثوليكيّة، الّتي أتمنّى أن تصبح أكثر مسكونيّة. لا ننسينًّ أنّ السّير معًا والاعتراف بأنّنا في شركة مع بعضنا البعض في الرّوح القدس يتطلّب تغييرًا ونموًّا يمكنهما أن يحدثا فقط، كما كتب بندكتس السّادس عشر، انطلاقًا من لقاء حميم مع الله، لقاء يصبح شركة في الإرادة، وصل به الأمر إلى لمس الإحساس. عندها أتعلّم أن أنظر إلى هذا الشّخص الآخر لا بعينيّ وأحاسيسي وحسب، وإنّما بحسب وجهة نظر يسوع المسيح؛ صديقه وصديقي.
ليساعدنا القدّيس بولس الرّسول لكي نتغيّر ونتوب، وليَنَل لنا القليل من شجاعته الّتي لا تُقهر. لأنّه من السّهل في مسيرتنا، أن نعمل من أجل مجموعتنا الخاصّة بدل أن نعمل من أجل ملكوت الله، وأن نفقد صبرنا، ونفقد الرّجاء في ذلك اليوم الّذي فيه سيجد جميع المسيحيّين أنفسهم مُجتمعين، لإقامة الإفخارستيّا الواحدة، في وَحدةِ الكنيسة الواحدة، بالوَحدة الّتي منحها المسيح منذ البدء لكَنيسته. وبانتظار ذلك اليوم، لنضع مجدّدًا ثقتنا في يسوع، فِصحُنَا وسلامُنا: الّذي يعمل بينما نرفع له صلاتنا ونسجد له. يُعزّينا ما قاله لبولس والّذي يمكننا أن نسمعه موجّهًا إلى كلّ واحدٍ منّا: "حَسبُكَ نِعمَتِي".
أيّها الأعزّاء، أردتُ أن أُشارككم بروحٍ أخويّة هذه الأفكار الّتي أثارتها الكلمة فِيَّ، لكي إذ حذّرنا الله، نتغيّر وننمو بنعمته في الصّلاة، والخدمة، والحوار والعمل معًا نحو تلك الوَحدة الكاملة الّتي يريدها المسيح. أريد الآن أن أشكركم من كلّ قلبي: أعبّر عن امتناني لصاحب السّيادة المتروبوليت بوليكاربوس، ممثّل البطريركيّة المسكونيّة، ولصاحب السّيادة إيان إرنست، الممثّل الشّخصيّ في روما لرئيس أساقفة كانتربري، ولممثّلي الجماعات المسيحيّة الأخرى الحاضرين معنا. أعبّر عن تضامني العميق مع أعضاء مجلس الكنائس والمنظّمات الدّينيّة في عموم أوكرانيا. أحيّي بشكل خاصّ الطّلّاب الأرثوذكس والأرثوذكس الشّرقيّين، الّذين يدرسون بمِنَح دراسيّة من تقديم لجنة التّعاون الثّقافيّ مع الكنائس الأرثوذكسيّة لدى دائرة تعزيز وَحدة المسيحيّين، وطُلّاب المعهد المسكونيّ في بوسّيه (Bossey) التّابع لمجلس الكنائس المسكونيّ. تحيّة حارّة أيضًا للأخ ألوييز والإخوة في جماعة تيزيه (Taizé)، الملتزمين في التّحضير لعشيّة الصّلاة المسكونيّة الّتي ستسبق افتتاح الجمعيّة المُقبلة لسينودس الأساقفة. لِنَسِرْ معًا جميعًا على الدّرب الّذي وضعه الرّبّ أمامنا، درب الوحدة."