لبنان
21 أيلول 2019, 14:00

البيان الختاميّ لمؤتمر التّراث المسيحيّ المشترك

قدّمت أمانة الإعلام في رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث، منظّمة مؤتمر التّراث المسيحيّ المشترك في الوادي المقدّس، بيانه الختاميّ الآتي:

 

"بعناية سيّدة قنّوبين وبإصغاء كلّيّ عميق إلى شعار المؤتمر المأخوذ من كلام السّيّد المسيح في إنجيل يوحنّا (17/22) " ليكونوا واحدًا " شارك أصحاب الغبطة والنّيافة البطاركة الكردينال بشارة الرّاعي بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للموارنة، ويوحنّا العاشر اليازجيّ بطريرك أنطاكيّة وسائر المشرق للرّوم الأورثوذكس، والكاثوليكوس آرام الأوّل كيشيشيان بطريرك الأرمن الأورثوذكس، وأغناطيوس إفرام الثّاني بطريرك السّريان الأورثوذكس، ويوسف الثّالث يونان بطريرك السّريان الكاثوليك، وغريغوار بدروس العشرين بطريرك الأرمن الكاثوليك، ورئيس هيئة المجالس الأسقفيّة الكاثوليكيّة في أوروبا الكردينال أنجيلو بانياسكو، والمتروبوليت تايوكليتوس، متروبوليت ستاغون وميتيورا في اليونان، شاركوا في المؤتمر الأوّل حول التّراث المسيحيّ المشترك في الوادي المقدّس، الّذي نظّمته رابطة قنّوبين البطريركيّة للرّسالة والتّراث يوميّ الأربعاء 18 أيلول/سبتمبر والخميس 19 أيلول/سبتمبر 2019، بحضور ممثّل رئيس الجمهوريّة اللّبنانيّة العماد ميشال عون، النّائب نعمة إفرام، الى حشد من الأساقفة والآباء وخبراء التّاريخ والجغرافية والآثار والأنتروبولوجيا والهندسة والكتاب المقدّس والدّراسات المقارنة ، الّذين توافدوا من مختلف الكنائس في بلدان عدّة. لقد استلهم رعاة المؤتمر وسائر المشاركين فيه صلاة المخلّص الرّبّ يسوع، الّتي أدّاها ليلة إقباله على الموت، لكي يكون تلاميذه بأجمعهم واحدًا كما أنّ الآب فيه وهو فيه. وسألوه أن يمنحهم نعمة الإجتماع فيه، ونعمة المحافظة على تراثنا المسيحيّ المشترك في الوادي المقدّس، حيث الإيمان الثّمين المشترك لكنائسنا المشرقيّة الأنطاكيّة السّريانيّة والبيزنطيّة الأورثوذكسيّة والقبطيّة والأرمنيّة. وحيث الآثار العمرانيّة لهذه الكنائس تنتشر في أديار الوادي وكنائسه ومحابسه. واستشفعوا سيّدة قنّوبين لإنجاح الجهد المتعلّق بإحياء هذا التّراث وعيش روحانيّته، وبتجديد بناء الكنائس والأديار المهدّمة لتجديد ما تهدّم في نفوسنا، وفي نسيجنا الإجتماعيّ والوطنيّ، وبإعلاء العمارة الرّوحيّة، الّتي تحتضن شبابنا، حرّاس الفجر الآتي، بروحانيّة قوامها الفقر والصّلاة، تقودنا من جذورنا المشتركة إلى مستقبل مشترك يثمر إيمانًا ورجاء ومحبّة.
لقد استحضر رعاة المؤتمر وسائر المشاركين واقع أبناء جميع الكنائس الشّرقيّة في لبنان والشّرق الأوسط الّذين يتعرّضون لآلام المخاض من ويلات الحروب ومآسيها، ويعيشون تداعيات التّوتّرات السّياسيّة وعدم الاستقرار والضّائقة الاقتصاديّة والتّطرّف الدّينيّ، ويواجهون تحدّيات مصيريّة وتحوّلات تتّصل مباشرة بوجودهم وحضورهم ودورهم. فرفعوا الصّلاة لإحلال السّلام. وناشدوا المجتمع الدّولي إخماد نار الحروب، والمحافظة على التّعدّديّة الحضاريّة في هذا الشّرق، متجسّدة في تجربة العيش الأخويّ الواحد، ومشكلة النّموذج المعيوش في مواجهة الآحادية، وما أصاب العالم من مقولة صراع الحضارات.
لقد استعاد رعاة المؤتمر والمشاركون، وهم يفتتحون بيت الذّاكرة والإعلام حيث انعقد المؤتمر، صفحات مشرقة تبرز أصالة المسيحيّين في الشّرق، وإسهامات أعلامهم في النّهضة العربيّة، وفي إرساء التّبادل الثّقافيّ بين الشّرق والغرب، وفي إحياء شراكة إنسانيّة حضاريّة مسيحيّة إسلاميّة تحتضنها الوحدة في التّنوّع والمحبّة رغم الصّعوبات والتّحدّيات. وتبقى من علاماتها الفارقة معطيات العقل والحرّيّة والعدالة والاكتفاء والمواطنة.
لقد أعاد رعاة المؤتمر، بحضورهم، صورة الوادي المقدّس بمختلف أطياف كنائسنا الّتي انقضى عليها أكثر من خمسة قرون، حين كانت الجماعات المسيحيّة مقيمة كلّها في الوادي ومتواجدة تواجد الحياة الرّوحيّة بوجهيها الرّسوليّ والنّسكيّ. لقد انقضت خمسة قرون على تلك الصّورة المستعادة اليوم من ذاكرة التّاريخ، اتّخذ الوادي خلالها صورة ثنائيّة، مارونيّة في غالبيّتها في أديار مار ليشع وسيّدة قنّوبين ومار أنطونيوس قزحيّا والجماعة البشريّة الّتي تحلّقت حولها، وأورثوذكسيّة في دير سيّدة حماطورة التّابع لكنيسة الرّوم الأورثوذكس.
في صميم هذه الاستعادة لصورة الوادي المقدّس التّاريخيّة، صاغ رعاة المؤتمر مداخلاتهم بمثابة الدّعوة الملحّة إلى أبناء كنائسهم للتّعلّق أكثر بهذه الصّورة كأنّه وجه من أوجه تعلّقهم بمحبّة الأرض الّتي شهدت ولادة المسيح ونموّ المسيحيّة، وكأنّه دعوة ملحّة أيضًا للشّباب للرّسوخ أكثر في الإيمان وفي التّراث الرّوحيّ العريق، ومنهما تكون التّنشئة على القيم الرّوحيّة وثقافة المصالحة والسّلام والحرّيّة وقبول الآخر المختلف. وكلّها دروب تستقي من ينابيع هذا التّراث المشترك في الوادي المقدّس.
لقد تناول رعاة المؤتمر في كلماتهم ماضي الوادي المقدّس وواقعه الحاليّ حاضرًا ورؤيتهم المستقبليّة له. فأكّدوا توق كنائسهم إلى إحياء ذلك الماضي المشترك، واستعدادها لتبنّي آليات تطبيقيّة وخطوات عمليّة لترجمة توقها هذا. وتوقّفوا عند غياب الدّولة عن الوادي، وتخلّفها عن أبسط واجباتها تجاه مواطنيها سكّان الوادي الأصليّين، الّذين صنعوا مع آباء كنائسهم تراثه العظيم، فصنّف في لائحة التّراث العالميّ سنة 1998، وتجاه زوّاره من مختلف دول العالم. وأسفوا لحال الإهمال والحرمان الّتي تشوب الوادي، ما عدا مبادرات أهليّة محليّة مقدّرة تبقى قاصرة عن الاضّطلاع الوافي بواجب العناية بالوادي المقدّس بشرًا وحجرًا.
أكّد رعاة المؤتمر أنّ على جميع المسؤولين ترجمة هذا اللّقاء في مخطّط استراتيجيّ طويل المدى يهدف إلى المحافظة على إرث الوادي المقدّس الرّوحيّ والثّقافيّ الثّمين، يجسّده عيش قيمتنا المسيحيّة. ولفتوا إلى أنّه في زمن تصارعت فيه كنائسنا حول أمور لاهوتيّة فلسفيّة نرى في هذا الوادي رهبانًا نسّاكًا يواصلون مسيرة القداسة المشتركة. وإذا فكّرنا بكيفيّة التّقارب علينا النّظر إلى ماضينا لنتعلّم فيه كيف وصلنا إلى يومنا هذا، فنحيّد عن الأخطاء الّتي ارتكبناها ونعمّق ما يجمعنا. ودعوا إلى وعي حقيقة قنّوبين بأنّها خير مكان أنعش المسيحيّة، وتبقى ميراثًا مسيحيًّا جامعًا ورسالة إنسانيّة تذكّر الإنسان المعاصر أنّ  "الحاجة إلى واحد"، وتذكّرنا بالحاجة الماسّة إلى التّلاقيّ، الّذي يشهد له التّراث المسيحيّ الغنيّ المشترك كإرث حضاريّ لا يختصّ بكنيسة دون سواها.
ومثلما كانت كلمات أصحاب الغبطة والنّيافة، بمثابة خارطة طريق العودة إلى جذورنا الرّوحيّة المشتركة، عودة تعكس تضامن كنائسنا الفعليّ في مواجهة التّحدّيات الّتي تواجهها، وتلمّست آليات عمليّة تطبيقيّة لهذه العودة المتّصلة اتّصالًا مباشرًا بوجودها وبدورها وبرسالتها المستقبليّة، كانت كلمتا كلّ من متروبوليت ميتيورا في اليونان، تيوكليتوس والكردينال بانياسكو بمثابة رسالة تحسّس أخويّ صادق مع معاناة كنائسنا الشّرقيّة، وبمثابة رسالة تضامن حقيقيّ معها، وتشجيع لها على اعتماد خيارات السّعي إلى تعميق موروثها الرّوحيّ والثّقافيّ المشترك جاهدة إلى بهاء الوحدة المنشودة، كونها خيارات تشكّل أبرز علاج لما تواجهه هذه الكنائس.

توصيات المؤتمر:
لقد استلهمت توصيات المؤتمر توجيهات رعاته وفق ما وردت في كلماتهم، وتعدّدت بتعدد مداخلات الخبراء في مواضيع المؤتمر. وجاءت كالتّالي:
 في وضع الوادي العام:
توفير الدّعم المادّيّ والمعنويّ للمحافظة على سكّان الوادي المحليّين، وتقديم الحوافز اللّازمة لهم للاستمرار في أنماط عيشهم الموروثة في الوادي.
تنفيذ مشروع تأهيل الطّريق التّرابيّة القائمة داخل الوادي وفق القرارات الرّسميّة المتّخذة سابقًا.
تنفيذ قرارات اللّجان المعنيّة بالوادي المتعاقبة منذ العامّ 1998 حتّى اليوم، المتعلّقة بتطوير المهن والمهارات الحرفيّة المهدّدة بالانقراض لدى السّكّان المحليّين.
معالجة مشاكل تلوّث المياه المنصبة على الوادي والبيئة الطّبيعيّة للوادي.
ترميم وتأهيل المعالم العمرانيّة المتّصلة بحياة الجماعة البشريّة المشتركة في الوادي كالطّواحين والمعاصر والينابيع وسواها...
 
في موضوع الحجّ الدّيني:
تطوير علاقات التّعاون مع مؤسّسات الحجّ الدّيني داخل لبنان وخارجه.
ترميم جدرانيّات الوادي المقدّس.
تأهيل وتجهيز دروب المشاة إلى الوادي المقدّس.
تنظيم دورة تدريبيّة للأدلّاء السّياحيّين..
تعزيز ثقافة التّعامل السّياحيّ.
إقامة بيوت الضّيافة بإدارة سكّان الوادي المحليّين لاستضافة الزّوّار والسّيّاح.
إجراء تبادل ثقافيّ بين قنّوبين وميتيورا في اليونان من خلال اعتماد لغّتيّ الموقّعين في المطبوعات الخاصّة بكلّ منهما، وتبادل هذه المطبوعات وتوزيعها في الموقّعين.
تنظيم زيارة عمل يقوم بها لاحقًا متروبوليت ميتيورا تايوكليتوس مع معاونيه لتحديد آليّات تطبيق ميثاق التّعاون المشترك بين قنّوبين وميتيورا في إطار المرجعيّتين الرّوحيّتين في الموقّعين، أيّ البطريركيّة المارونيّة ومطرانيّة ميتيورا.

في موضوع روحانيّة الوادي المقدّس:
إستكمال ترميم وتأهيل أديار مار أبون وسيّدة الكرم وبيوت الأنشطة الرّوحيّة والثّقافيّة.
إحياء رسيتالات دوريّة مشتركة لمختلف الكنائس في الوادي.
تنظيم لقاءات رهبانيّة مشتركة في الوادي.
تطوير خبرة الحياة النّسكيّة في مختلف أديار الوادي.
تعزيز تعلّم اللّغة السّريانيّة.
تنظيم زيارة إلى دير مار أبون في عمق الوادي، بمشاركة البطريركين بشارة الرّاعي وأغناطيوس إفرام الثّاني مع هيئة المؤتمر من أساقفة وكهنة وعلمانيّين للاطّلاع على الموقع الجاري ترميمه وتأهيله لإقامة جماعة مكرّسة للصّلاة.


في موضوع تاريخ وجغرافيّة الوادي:
السّعي للحصول على نسخ من إنجيل ربولا، وحفظها لدى البطريركيّات المعنيّة.
تحصين مواقع الوادي وحمايتها بحراسة.
إستكمال الدّراسات الأركيولوجيّة في مجمل معالم الوادي.
متابعة الأبحاث التّاريخيّة وجمع الأوراق والوثائق والمخطوطات ذات الصّلة بالوادي والإصدارات الكتابيّة بشأنه.

لجنة المتابعة:
تشكّلت لجنة متابعة لتوصيات المؤتمر من ممثّلي البطاركة المشاركين في المؤتمر وعدد من مسؤولي رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث والخبراء المختصّين بجلسات المؤتمر. وسوف تستكمل بممثّلين عن الكنائس القبطيّة والكلدانيّة والأشوريّة. وسوف تعقد اللّجنة خلوة عمل أولى لها نهار السّبت في 26 تشرين الأوّل/أوكتوبر المقبل في الدّيمان ، لوضع خارطة طريق للعمل المستقبليّ لجهّة تحقيق التّوصيات ووضع منهجيّة الدّورات اللّاحقة للمؤتمر. وترّحب اللّجنة سلفًا بأيّة أفكار واقتراحات تردها من أيّة جهّة مهتمّة إغناء لعملها وتطويرًا له. وتضع خطّة عملها، الّتي أثمرها المؤتمر، في موقع التّعاون الأخويّ والعلميّ مع مختلف الهيئات واللّجان المعنيّة، وبخاصّة جمعيّة الحفاظ على تراث الوادي المقدّس، الّتي تضمّ الهيئات الرّوحيّة المعنيّة بالوادي واتّحاديّ بلديّات قضاءيّ بشرّي وزغرتا، مقدّرة جهود كلّ الأفراد والهيئات الّتي عملت في السّابق أو لا تزال تعمل في تراث الوادي المقدّس..
تشكر رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث كلّ الّذين عملوا على تنظيم هذا المؤتمر. وتحيّي الخبراء أصحاب المداخلات العلميّة القيّمة، والجيش اللّبنانيّ لتدابيره، وسائر القوى الأمنيّة والصّليب الأحمر والدّفاع المدنيّ وشركة كهرباء قاديشا ووسائل الإعلام. وتسأل الله لكلّ الّذين دعموا جهودها أن يعوّضهم بالصّحّة والتّوفيق . وتخصّ رابطة قنّوبين السّيّد نجيب ساويروس بالشّكر على مبادرته إلى إقامة بيت الذّاكرة والأعلام، بناء وتجهيزًا ، وفاء منه للأعلام المسيحيّين أركان النّهضة العربيّة ، ودعمًا للدّور الأساسيّ المعدّ له البيت، وكانت أولى ثمار هذا الدّور استضافة المؤتمر الأوّل حول التّراث المشترك في الوادي المقدّس".