البيان الختاميّ للمجمع الأنطاكيّ المقدس
الياس (أبرشيّة بيروت وتوابعها)، الياس (أبرشيّة صيدا وصور وتوابعهما)، سرجيوس (أبرشية سانتياغو وتشيلي)، دمسكينوس (أبرشية ساو باولو وسائر البرازيل)، سابا (أبرشيّة حوران وجبل العرب)، جورج (أبرشيّة حمص وتوابعها)، سلوان (أبرشيّة بوينس آيرس وسائر الأرجنتين)، باسيليوس (أبرشية عكّار وتوابعها)، أفرام (أبرشيّة طرابلس والكورة وتوابعهما)، إغناطيوس (أبرشية فرنسا وأوروبا الغربية والجنوبية)، اسحق (أبرشية ألمانيا وأوروبا الوسطى)، جوزيف (أبرشية نيويورك وسائر أميركا الشمالية)، غطاس (أبرشية بغداد والكويت وتوابعهما)، أنطونيوس (أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما) ونقولا (أبرشية حماه وتوابعها).
وحضر الأسقف أفرام معلولي أمين سر المجمع المقدس وكاتب المجمع الإيكونوموس جورج ديماس.
واعتذر عن الحضور صاحبا السيادة يوحنا (أبرشية اللاذقية وتوابعها)، سلوان (أبرشية الجزر البريطانية وإيرلندا). وتغيب المطران جورج (أبرشية جبيل والبترون ما يليهما). وقد حضر المطران بولس (أبرشيّة حلب والإسكندرون وتوابعهما)، المغيّب بفعل الأسر، في صلوات آباء المجمع وأدعيتهم.
وبعد الصلاة واستدعاء الروح القدس، لفت آباء المجمع الأنظار من جديد إلى قضية المخطوفِين، وناشدوا الخَيِّرين في هذا العالم، العملَ على كشف مصير المفقودين والمخطوفين وتحريرهم، ومن بينهم مطرانا حلب بولس (يازجي) ويوحنا (ابراهيم) اللذان يستمر اختطافهما منذ أكثر من أربع سنوات لغزاً محيراً ومعيباً ووصمة عار في ظل الصمت الدولي المطبق، واللذان يبقى حضورهما في أذهان المشرقيين والأنطاكيين في كل بلاد العالم أشدّ وأقوى من تغييبهما مهما تناساه البعض.
استمطر الآباء رحمات الله تعالى على نفوس المثلثِيِّ الرحمة المطران أنطونيوس شدراوي (المكسيك)، والمطران بولس صليبا (أستراليا) والأسقف أنطون الخوري من أبرشية أمريكا الشمالية سائلين الرب القدير أن يرتب نفوسهم في مظال القديسين. وبعد افتتاح أعمال المجمع انتخب الآباء الأرشمندريت باسيليوس قدسية متروبوليتاً لأبرشية أستراليا ونيوزيلاندا والفيلبين والأسقف إغناطيوس سمعان متروبوليتاً لأبرشية المكسيك وفنزويلا وأمريكا الوسطى وجزر الكاريبي. كما انتخب الآباء الأرشمندريتين يوحنا بطش وتيودور الغندور أسقفين معاونين لغبطة البطريرك.
واطلع الآباء على الزيارة الأخيرة التي قام بها غبطة البطريرك إلى ألمانيا وثمنوا الجهود المبذولة في سبيل شد أواصر الأُخوَّة والإيمان في كل الأبرشيات، وأكدوا أن دور وواجب كنيسة أنطاكية يبقى في تقديم الرعاية والعون الممكن لكل أبنائها أينما حلوا، مع التشديد الدائم على الالتصاق بالأرض الأولى وتوفير كل السبل الممكنة لترسيخ وجود المسيحيين في الشرق.
وتدارس الآباء التقرير المقدم من اللجنة المجمعية لشؤون القداسة والقديسين. ولما كانت القداسة شأناً يخصّ كل المؤمنين ولا يعني فئة دون أخرى، ولما كان التعرف على القديسين وسيلةً ضروريةً للاقتداء بسيرتهم وطلب شفاعتهم، ذلك أن السعي إلى القداسة يروي عطش الإنسان المعاصر إلى اللامحدود ويفتح له باب الرجاء، قرر الآباء أولاً: إطلاق برنامج سنوي خاص بشؤون القداسة والقديسين على مستوى أبرشيات الكرسي الأنطاكي كافة في الوطن والانتشار، للتعريف بقديسين أنطاكيين وغير أنطاكيين، من العصرين الحديث والقديم، يتم من خلاله الإضاءة على شهادتهم عبر نشر سيرتهم وتعاليمهم بشتى وسائل النشر والتواصل وتنظيم محاضرات وندوات تدرس خصائصهم، كما وتعميم الخدم الطقسية العائدة لهم عبر إقامة احتفالات ليتورجية ونشاطات تعليمية متنوعة تهدف إلى تقريب المؤمنين من مفهوم القداسة، فيقيمون علاقة وطيدة مع أشخاص صارت حياتهم أيقونة وصلاة تُعلن مجد الله. ثانياً: إعداد دراسات من قبل "لجنة شؤون القداسة والقديسين" عن سيرة مؤمنين معاصرين رقدوا بعد أن تميزوا بشهادتهم للرب وسيرتهم النقية ومن ثم رفع هذه الدراسات إلى المجمع المقدس لبحثها تمهيداً لإعلان قداسة أصحابها. ثالثاً: تخصيص برنامج سنة 2018 للقديسَيْن يوسف الدمشقي وبورفيريوس الرائي.
واطلع الآباء على الدراسة المقدمة بشأن سر الزواج وأوقات إتمام هذا السر وشددوا على أهمية الرابط الزوجي وقدسيته كَسِرٍّ وكلُبنةٍ أولى وأساس في بناء العائلة المسيحية واتخذوا قراراً بالتشديد على التالي: أولاً: يُحتفل بالزواج في الكنيسة وليس في أماكن أخرى. ثانياً: تقام الخدمة وفقاً للمراسيم الليتورجية المحددة في كتاب الخدمة دون سواها. ثالثاً: تجيز الكنيسة إتمام سر الزواج في كل يوم على مدار السنة عدا الأيام التالية: يوم عيد الصليب في 14 أيلول، يوم عيد قطع رأس يوحنا المعمدان في 29 آب. من 20 إلى 25 كانون الأول ضمناً، يوم برامون الظهور الإلهي ويوم عيد الظهور الإلهي. من الأربعاء في أسبوع البياض (قبل الصوم الكبير) ولغاية السبت الجديد (بعد الفصح) ضمناً. يوم عيد العنصرةـ. أيام صوم السيدة من 1 إلى 15 آب (ضمناً).
وتطرق الآباء إلى واقع ومرتجى المحاكم الروحية وإلى قانون الأحوال الشخصية وعرضوا للجهود المبذولة في سبيل تحسينه من منطلق الخبرة في العمل به في السنين الأخيرة، وشددوا على الاستمرار في ترسيخ التوجه بالحفاظ على رباط الحياة الزوجية المقدس في كل المراحل. وتطرقوا أيضاً إلى واقع المجالس التأديبية الإكليريكية مشددين على ضرورة ترسيخ مبدأ المحاسبة الإكليريكية بحيث تشمل هذه المحاسبة كافة أنواع التجاوزات من قبل الإكليروس من ناحية التعاطي غير المسؤول مع السلطة الكنسية أو ازدراء الكرامة الإكليريكية بالظهور بمظاهر لا تليق بها أو سوء استعمال وسائل التواصل الاجتماعي سواء في تعاطي الشأن السياسي العام أو الكنسي أو غير ذلك من الأمور "لكي يكون كل شيء بلياقة وترتيب" (1 كو 14: 40).
تدارس الآباء مطولاً أوضاع الأبرشيات في الانتشار من خلال التقارير المرفوعة من المعتمدِيْن البطريركيّيْن في أبرشيتي المكسيك وأستراليا. كما عقد أحبار أبرشيات الانتشار اجتماعاً خاصاً برئاسة صاحب الغبطة تباحثوا فيه بالحاجات المشتركة وسبل التعاون بينها والشهادة معاً، وهذا ما فسح المجال لتقدير شهادة أبناء كرسينا الرسولي في تلك الديار ومباركة رباطهم الحيّ بكنيستهم وخدمتهم فيها وعطاءاتهم الكثيرة. وقد عبّر الآباء عن فخرهم بنموّ كنائس الانتشار ورعاياها، وسعي كهنتها ومؤمنيها المتواصل ليكون الحضور الأنطاكي فاعلاً ومفيداً في مجتمعاتهم، وصالحاً لأبنائهم، ومخلّصاً لنفوسهم.
وبخصوص استقالة المطارنة، تقرر تعديل المادة 59 من النظام الداخلي للكرسي الأنطاكي للعام 1983 لتصبح كالتالي: "في حال العجز يُعيِّن البطريرك وبموافقة المجمع المقدس وكيلاً مؤقتاً لإدارة الأبرشية. وفي حال الموانع الدائمة يقيم المطران في أبرشيته أو في أحد الأديرة وتتولى أبرشيته العناية به بما يليق بمقامه".
وفي الشأن السوري، يرحب آباء المجمع الأنطاكي المقدس بالجهود المبذولة من أجل استئصال الإرهاب من سوريا وإيجاد حل سياسي للحرب التي يعاني هذا البلد من ويلاتها منذ سنوات. ويتطلعون بأمل كبير إلى اليوم الذي تنتهي فيه محنة الشعب السوري ويستعيد فيه هذا البلد أمنه وأمانه وموقعه ودوره في المجتمع الدولي. ويشدد الآباء على أهمية إيجاد حل سلمي للأزمة السورية يرتكز على أسس الحرية والعدالة والديمقراطية ويضمن وحدة البلد ويقوم على العيش المشترك بين مختلف مكوناته الحضارية والدينية.
يحذر الآباء من المحاولات الرامية إلى إطالة أمد الحرب وتفكيك المجتمع من خلال تأجيج الصراعات الداخلية بين مكونات الوطن الواحد على أسس دينية أو عرقية أو طائفية. ويدعون أبناءهم إلى التشبث بالوحدة القائمة على المواطنة التي لطالما طبعت الشعب السوري، وإلى التجذر في ثقافة العيش المشترك والحوار والانفتاح المحب الذي لم تقو الحرب العاتية عليها بل زادتها متانة. ويكرر الآباء مطالبتهم حكومات الدول المعنية العملَ من أجل رفع الحصار الاقتصادي الخانق عن الشعب السوري، الذي يطال الفقير بلقمة عيشه، والمريض بدوائه، ويخلف كوارثَ إنسانيّةً لا تحصى، ويدفع بالكثيرين إلى الهجرة وتعريض حياتهم للخطر.
لبنانياً، يرحب آباء المجمع الأنطاكي المقدس بالاستقرار السياسي الذي يعيشه لبنان بعد انتظام عمل المؤسسات الدستورية فيه، وبعودة هذا البلد للعب دوره المحوري في المجتمع الدولي، ويضمُّون صوتهم إلى الصرخة التي أطلقها فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال عون في الأمم المتحدة من أجل أن يكون لبنان مركزاً دائماً للحوار بين مختلف الحضارات والديانات والأعراق. كذلك يثمن آباء المجمع التضحيات الوطنية المبذولة من أجل تحرير الحدود الشرقية للبنان من الوجود الإرهابي، ويتقدمون بالتعزية الحارة من عوائل الشهداء الذين قَضَوا في سبيل حماية الوطن ولاسيما العسكريين المخطوفين لدى داعش. كما ويعبّر آباء المجمع عن قلقهم نتيجة الغبن الذي لحق بالطائفة الأرثوذكسية في التعيينات الأخيرة ويكررون مناشدتهم للمسؤولين بضرورة العمل الجاد على تأمين المشاركة العادلة والفاعلة للجميع في الحكم والإدارة والوظيفة من دون أي إقصاء أو تهميش لأحد. كما ويشدد الآباء على ضرورة الحفاظ على الثقة المتبادلة بين الشعب وممثليه عبر إقامة الانتخابات النيابية في موعدها.
يناشد آباء المجمع المقدس المسؤولين اللبنانيين إيلاء الشأن الاقتصادي الأهمية القصوى من أجل وضع حد لمعاناة المواطنين الذين يكدحون من أجل تحصيل لقمة عيشهم وتأمين أبسط مقومات الحياة لهم ولأبنائهم. وفِي هذا المجال يدعو الآباء إلى صحوة لدى المسؤولين لفتح ورشة إصلاحية تقود إلى وقف الهدر، وتحد من الممارسات التي تسيء إلى استخدام المال العام، وتوقف الصفقات التي ترهق كاهل الدولة وتمعن في تفقير الشعب لفائدة طبقة رأسماليةِ المحسوبيات التي باتت تتركز كلُّ مقدرات الوطن بين أيديها فتزيد من سوء الواقع المعيشي للمواطنين.
في الشأن العراقي، يعبر الآباء عن سعادتهم باستمرار تحرير أراضي العراق من تنظيم داعش الإرهابي ويتمنون للشعب العراقي العيش بسلام وطمأنينة وازدهار في ظل دولة مدنية حديثة تضمن المواطنة الكاملة للجميع.
في الشأن الفلسطيني، يعبر الآباء عن تعاطفهم الشديد مع أبناء الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لاضطهاد قاس مبرمج، ولمصادرة أراضيه. وفِي هذا المجال يُعلِي آباء المجمع الأنطاكي الصوت، ويطالبون المراجع الدولية المختصة، المحافظة على الأوقاف المسيحية ومنع بيعها أو تأجيرها إلى سلطات الاحتلال، لأن استثمارها الرشيد من شأنه أن يخدم أبناء الأرض ويثبتهم في ديارهم ويحول دون تفريغ الأراضي المقدسة من أبنائها.
لم يجد آباء المجمع خيراً من قول القديس يوحنا المعمدان: "له ينبغي أن ينمو ولي أن أنقص" (يو 3، 13) ليتوجّهوا به إلى ملء كنيستنا الأنطاكية بخطابٍ من القلب إلى القلب في الظروف الكنسية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها في غير مكان، والتحديات العديدة التي تواجهها كجسد واحد على غير صعيد، وبقلبٍ واحدٍ قائلين:
"نحن ندرك جميعاً أن عضويتنا في الكنيسة وغيرتنا وخدمتنا فيها إنّما ترنو تماماً إلى "أن يظهر يسوع المسيح فينا" (1 تي 1: 16)، على صعيد شهادتنا الشخصية والرعوية-الكنسية، وأن تكون تضحياتُنا خادمةً لهذه الخبرة، بحيث ننتبه ألاّ تنقلب غيرتنا ومحبتنا علينا، على حساب شهادتنا لمسيحنا ولوحدتنا فيه. كلنا واعون أن تلك الخبرة المزدوجة، نُموُّ المسيح فينا ونقصانُنا نحن من أجله، إنّما تضعنا في طريق سعيٍ أفضلَ "لنحمل أثقال بعضنا بعضاً" (غلا 6: 2)، بصبر وطول أناة، ونسعى لتحكيم الإيمان والتعقّل والمحبّة، ونستدعيَ معاً نعمة الروح القدس لتشفيَ جراحنا وتنير أذهاننا وتبنيَ لقاءنا في المعيّة والخدمة التي تميّز أبناء جسدنا الكنسيّ الواحد. فكلنا واعون أن مسيرتنا الروحية إنّما تهدف إلى النهوض بضعفاتنا البشريّة نحو "قامة ملء المسيح" (أف 4: 13)، في مسيرة لا يريد أحد منّا أن "نَجْعَلَ عثرةً في شيء لئلا تُلام الخدمة" (2 كو 6: 3)، متّبعين "البرّ والتقوى... والوداعة" (1 تي 6: 11) في شهادتنا الظاهرة كما وفي مخدع قلبنا الخفيّ. والآن إذ تَجمعُنا هذه الثقة في المسيح، يحملنا الرجاء الحيّ أنه لا بدّ مُناصرٌ ومُعينٌ لنا جميعاً في جهادنا لنبلغ إليه، "مكمّلين نقائص شدائده في جسمنا لأجل جسده، الذي هو الكنيسة" (كول 1: 24)".
وختم الآباء مرسلين البركة الرسولية إلى كافة أبنائهم في الوطن وبلاد الانتشار وسائلين الرب القدير أن يهب العالم روح سلامه الحق.