SQLSTATE[08004] [1040] Too many connections (Connection: mysql, SQL: select * from `categories` where `categories`.`id` = 151 limit 1)
لبنان
01 نيسان 2025, 10:20

البيان الختاميّ للمجمع الأنطاكيّ السّريانيّ الأرثوذكسيّ المقدّس

تيلي لوميار/ نورسات
بعد انعقاد المجمع الأنطاكيّ السّريانيّ الأرثوذكسيّ المقدّس، من 26 إلى 28 آذار/ مارس في العطشانة، صدر البيان التّالي:

"بدعوة من صاحب القداسة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثّاني، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والرّئيس الأعلى للكنيسة السّريانيّة الأرثوذكسيّة في العالم أجمع الكلّيّ الطّوبى، انعقد المجمع المقدّس في دورته العاديّة بمشاركة غبطة المفريان مار باسيليوس جوزيف وأصحاب النّيافة المطارنة الأجلّاء، أعضاء المجمع المقدّس، خلال الفترة الممتدّة من تاريخ 26 ولغاية 28 آذار 2025، في المقرّ البطريركيّ في العطشانة، بكفيّا– لبنان، حيث تناولت الجلسات أبرز القضايا والمواضيع المدرجة على جدول الأعمال.

إفتتح صاحب القداسة البطريرك المجمع المقدّس بالصّلاة، ومن ثم ألقى كلمة عبّر فيها عن ترحيبه بغبطة المفريان الجديد وبالسّادة المطارنة أعضاء المجمع المقدّس. بعد ذلك، استعرض قداسته الأعمال الّتي قامت بها البطريركيّة الجليلة ودوائرها المختلفة خلال العامين المنصرمين، منذ انعقاد المجمع المقدّس السّابق في شهر حزيران من العام 2023.

كما استفاض قداسته في شرح أحوال الكنيسة عامّةً، وفي الشّرق الأوسط خاصّةً، مع التّركيز على الوضع في سوريا في ظلّ التّغيّرات السّياسيّة الكبيرة الّتي طرأت، واستعرض جهود الأبرشيّات السّريانيّة في الشّرق وأثنى على تضحيات رعاتها وكهنتها والعاملين في مؤسّساتها، في خدمة أبنائها وسط الظّروف الحياتيّة الصّعبة الّتي نجمت عن الأزمات المتكرّرة.

إذ يتابع آباء المجمع المقدّس بقلق الأوضاع في سوريا، يعبّرون عن ألمهم العميق إزاء استمرار زهق الأرواح البريئة وتهميش فئات من أبناء الوطن، الّتي كانت عبر التّاريخ جزءًا لا يتجزّأ من النّسيج السّوريّ وساهمت في بناء حضارته. وإذ يؤكّد آباء المجمع المقدّس على قدسيّة الحياة الإنسانيّة، يدعون إلى وقف جميع أشكال العنف والانتهاكات، والعمل على ترسيخ مبادئ العدالة، والمساواة، والمواطنة الحقيقيّة، بحيث يتمتّع كلّ فرد في المجتمع بالحقّ الكامل في العيش بحرّيّة وكرامة، دون تمييز أو إقصاء.

وإنطلاقًا من مسؤوليّتها الرّوحيّة والوطنيّة، تشّدد الكنيسة على أهمّيّة وضع دستور يرقى إلى تطلّعات جميع أبناء سوريا، دون أن يكون موجّهًا لخدمة فئة معيّنة على حساب الآخرين، أو قائمًا على التّمييز الدّينيّ أو العرقيّ. يجب أن تكون الدّولة الحديثة مدنيّة ديمقراطيّة، تعتمد على سيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان، فتكون حاضنةً لجميع مواطنيها، بغضّ النّظر عن انتماءاتهم الدّينيّة أو الطّائفيّة أو الإثنيّة.

كما يؤكّد آباء المجمع على أنّ العدالة الانتقاليّة تمثّل خطوة أساسيّة في بناء مستقبل مستقرّ، إذ لا يمكن تحقيق المصالحة الوطنيّة دون كشف الحقيقة، وإنصاف الضّحايا، وردّ الحقوق إلى أصحابها، ومعرفة مصير المخطوفين والمفقودين والمغيّبين قسرًا على رأسهم مطراني حلب مار غريغوريوس يوحنّا إبراهيم وبولس يازجي. إنّ غيابهما القسريّ عن كنيستيهما وشعبيهما يبقى جرحًا نازفًا في قلب الكنيسة بل وفي الشّرق كلّه. إنّ العدالة ليست انتقامًا، بل هي تأسيس لسلام دائم، مبنيّ على الحقيقة، والمساءلة، والمسامحة.

فيما تدعو كنيسة أنطاكية السّريانيّة الأرثوذكسيّة، المتجذّرة في هذه الأرض منذ ألفي سنة، جميع أبناء سوريا إلى الالتفاف حول قيم العدل والتّآخي، والعمل معًا من أجل بناء وطنٍ يحتضن جميع أبنائه دون تمييز، ترفع الصّلوات كي يحمي الله سوريا وشعبها وينعم عليها بمستقبلٍ يسوده السّلام والحرّيّة والكرامة.

أمّا لبنان فإنّه يعاني في السّنوات الأخيرة من أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة خانقة تركت أثرها العميق على جميع المواطنين. إنّ الظّروف المعيشيّة الصّعبة وندرة الموارد دفعت بالكثيرين إلى الهجرة طلبًا لحياة كريمة، ما يهدّد بتناقص الوجود المسيحيّ التّاريخيّ في هذا البلد الّذي لطالما كان موئلًا للتّعدّديّة والازدهار الثّقافيّ. ومع شعورنا بالألم الكبير لما حلّ في لبنان من قتل ودمار بسبب العدوان الإسرائيليّ عليه، نستبشر خيرًا بالتّطوّرات السّياسيّة الأخيرة من انتخاب رئيس للجمهويّة وتشكيل حكومة جديدة تعمل على النّهوض بلبنان من خلال الاستفادة من مواهب وإمكانيّات كلّ أبنائه. نصلّي من أجل استقرار لبنان وانفراج أزمته، واثقين بأنّ العناية الإلهيّة قادرة أن تنتشل الوطن من ضيقته ليعود بلد الرّسالة كما كان.

ثمّ استمع الآباء إلى تقرير الأمانة العامّة للمجمع المقدّس، بالإضافة إلى تقارير اللّجان المجمعيّة، وعلى رأسها لجنة الدّستور والقوانين الكنسيّة واللّجنة الطّقسيّة وأثنوا على عملها.

إستذكر قداسته مع آباء المجمع المقدّس المجمع المسكونيّ الأوّل في مدينة نيقية عام 325 م بمناسبة مرور 1700 عام على انعقاده. ودور كنيستنا السّريانيّة الّتي شاركت في ذلك الإرث المسكونيّ المجيد وبقيت أمينة لتعاليم ذلك المجمع ولقانون إيمانه. إنّ روح مجمع نيقية، بروحانيّته وتركيزه على نقاء العقيدة، يجب أن يظلّ منارة تهتدي بها كنائسنا اليوم في مجابهة تيّارات التّشكيك والتّشويه للعقيدة المسيحيّة. وبهذه المناسبة يدعو الآباء إلى تعميق فهم الإيمان وتعليمه بصورة أصيلة في رعايانا، وإلى العمل الحثيث لأجل وحدة المسيحيّين المستندة إلى الحقائق الإيمانيّة الّتي أُعلنت في نيقية واستمرّت الكنيسة جمعاء تحفظها عبر الأجيال.

تناول الآباء مشروع(رؤية عيروثو 2050 Eiroutho Syriac Vision 2050)، مشدّدين على أهمّيّة دراسة واقع الكنيسة السّريانيّة عالميًّا، لاسيّما في دول المهجر، والبحث في سبل الحفاظ على هويّتها ورسالتها، ووضع استراتيجيّات مستقبليّة تسهم في صون هذه الكنيسة العريقة في مواجهة التّحدّيات الثّقافيّة والأيديولوجيّة المتزايدة.

وافق الآباء على ترشيح قداسة البطريرك للأب الرّبّان برصوم كيوركيس ليرسم مطرانًا لأبرشيّة أستراليا ونيوزيلاندا وسنغافورة وماليزيا السّريانيّة الأرثوذكسيّة الملنكاريّة المستحدثة مؤخّرًا بعد أن انتخب من قبل هيئات الأبرشيّة وكهنتها، وسيحتفل برسامته في وقت لاحق يحدّده قداسة سيّدنا البطريرك.

في الختام رفع آباء المجمع صلواتهم إلى الرّبّ الإله أن يبارك كنيسته لتواصل رسالتها الإنجيليّة في كلّ زمان ومكان وأن يفيض بسلامه على شرقنا الأوسط المعذّب والعالم أجمع، وإذ نقترب من الاحتفال بأسبوع الآلآم الخلاصيّة وعيد القيامة المجيد يرفع آباء المجمع المقدّس التّهاني القلبيّة إلى أبناء الكنيسة كافّة، سائلين الرّبّ يسوع المسيح القائم من بين الأموات والّذي وعدنا بأنّه سيكون معنا بقوله: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلْأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ" (متّى 28: 20) أن يملأ قلوب الجميع من نوره وينير ظلمات هذا العالم برجاء القيامة، ويعيده على الجميع بالخير والبركات."