البطريرك يونان عاد إلى الكنيسة الّتي أسّسها وخدمها في أنجلوس، والتّفاصيل؟
يونان الّذي أبدى فرحته بتواجده بين أبناء هذه الكنيسة، هنّأ في عظته المطران برنابا يوسف حبش بمناسبة يوبيله الكهنوتيّ الذّهبيّ، ذكرى مرور 15 سنة على سيامته الأسقفيّة، ورحّب بجميع الحاضرين من إكليروس ومؤمنين، ثمّ قال: "منذ 32 سنة، عام 1993، أعطانا الرّبّ النّعمة أن نفتتح ونكرّس هذه الكنيسة، كنيسة قلب يسوع الأقدس، البعض منكم يعرفون المسيرة، مسيرة البناء والتّأسيس، أكان من الإكليروس أو من المؤمنين النّزيهين والشّرفاء والهمامين، وبيننا البعض منهم الّذين كانوا معنا دائمًا، ومنذ ذلك التّاريخ، وقد ساعدوني أنا ككاهن، وساعدوا بعدئذٍ أبونا يوسف حبش، وهو اليوم المطران راعي الأبرشيّة، حتّى تبقى هذه الكنيسة بيت الله للجميع من حيثما أتى أولادنا من الشّرق المعذَّب، إذ كانت هذه الكنيسة تستقبلهم وتعطيهم الخدمة الرّوحيّة المطلوبة. نشكر الله على هذا كلّه.
سمعنا من الرّسالة إلى أهل تسالونيكي، حيث يذكّر مار بولس المؤمنين أنّ رسالته لم تكن سهلة، بل كان يلاقي صعوبات كثيرة، وكانت هناك جماعات لا تقبل محبّة الحقّ، بل تريد تطبيق أفكارها ومشاريعها الّتي لا تتّفق دائمًا مع تعاليم الإنجيل والكنيسة. وسمعنا من الإنجيل المقدّس بحسب لوقا، ولوقا كان طبيبًا من أنطاكية، وقد كتب الإنجيل الثّالث وسفر أعمال الرّسل، وهو ينبّه إلى أنّه، إذا انقسمت مملكة، فمن الطّبيعيّ أنّ مصيرها هو الهلاك، بمعنى أنّ يسوع يذكّرنا أنّ علينا أن نعيش الوحدة بالمحبّة على اختلاف أفكارنا ومواقفنا وملاحظاتنا وأمورنا وهمومنا. علينا أن نسبّق وحدة الكنيسة حتّى يؤمن العالم بالمسيح، ونعرف أنّه في أنطاكية كان المسيحيّون يشهدون للرّبّ يسوع، ليس بأقوالهم، بل بحياتهم الواقعيّة. كانوا يحبّون بعضهم بعضًا، والنّاس كانوا يقولون عنهم: أنظروا كيف يحبّون بعضهم بعضًا. لا نحتاج إلى الكثير من الشّهادات كي نقنع الآخرين.
إنّ كنيستنا الشّرقيّة ضحّت وعانت كثيرًا لقرون وقرون بسبب الظّروف الّتي ألمّت بنا، وبسبب الاضطهاد والضّغوطات الكثيرة، واليوم نحن مهدَّدون بعدم الوجود. أنظروا اليوم تركيا الّتي كانت البلد حيث بشّر الرّسل، وفيها عُقِدَت المجامع المسكونيّة، ونحن نحتفل هذا العام بذكرى مرور 1700 سنة على انعقاد مجمع نيقية المسكونيّ الأوّل الّذي سنّ قانون إيماننا عام 325، حيث اجتمع الآباء الأساقفة وقرّروا مبادئ إيماننا. كم بقي اليوم من المسيحيّين في هذه البلاد الّتي يزيد عدد سكّانها على ثمانين مليونًا، ليس هناك ربّما أكثر من ستّين ألف مسيحيّ، أيّ قرابة واحد بالألف. أمّا في الهند مثلًا، والّتي سنزورها قريبًا، فالمسيحيّة، والحمد لله، من القرون الأولى بقيت ثابتة، لأنّ الرّبّ سمح أن يعيش المسيحيّون هناك في بيئة تتميّز بنوع من الاعتدال والتّناغم واحترام باقي الدّيانات الّتي كانت معروفة لدى الهندوس في ذلك الزّمان.
إنّ قداسة البابا لاون الرابع عشر أعلن اليوم قداسة شابّ يبلغ من العمر 15 سنة، هو كارلو أكوتيس، والّذي توفّي قبل حوالي 19 سنة، وهو من عائلة إيطاليّة، وقد اشتُهِرَ هذا الشّابّ بمحبّته للرّبّ وتقواه ونشْره الإيمان للشّبيبة بما يُسمَّى وسائل التّواصل الاجتماعيّ، حتّى أنّه سُمِّيَ اليوم قدّيس الإنترنت. هذا الشّابّ كان ولا يزال مثالًا للشّباب، والحاجة ماسّة في هذه الأيّام إلى أن تهتمّوا بالشّباب، نعم، فالعيش والدّرس والحضور في المجتمع، كلّها مهمّة جدًّا، لكن لا تنسوا أنّ الّذي يملأ قلب الشّابّ والشّابّة هو الرّبّ يسوع، فهو يمنحهم الأمل والرّجاء، ويعطيهم بنِعَمِه وحنانه أن يتابعوا حياتهم، وألّا يستسلموا إلى الشّرّ الّذي يحيط بهم وحولهم. واليوم تنتشر هذه العقليّة، ما يُسمَّى ثقافة الموت، بحجّة العلم والتّقنيّة والذّكاء الاصطناعيّ، فعلينا أن ندرك أنّ الرّبّ يبقى مصدر عزائنا وقوّتنا، مهما بلغْنا من النّجاحات في المادّة والعلم والمجتمع، سواء كنّا سياسيّين أم لا، علينا أن نتذكّر أنّ المسيحيّ يستمدّ سعادته وقوّته من الرّبّ وحده.
شبابنا الأعزّاء، نسألكم أن تعزّزوا التزامكم في رعيّتكم وفي روح هذه الرّعيّة، رعيّة قلب يسوع الأقدس، وهي الكنيسة الّتي أسّسها آباؤكم وأجدادكم من أجل جمع شمل جماعة المؤمنين، إذ أنّنا جميعًا بشر ومؤقَّتون في وجودنا على هذه الأرض، وسنغادرها عاجلًا أم آجلًا، وعلينا أن نعمل من أجل سعادتنا في الحياة الأبديّة. كونوا فخورين بأنّ آباءكم وأجدادكم تعبوا في تأسيس هذه الرّعيّة. لذا نرجوكم وندعوكم أن تحبّوا كنيستكم وتلتزموا فيها، لأنّ كنيستكم تحبّكم وتفتخر بكم."
وفي الختام، حثّ يونان المؤمنين "أن يبقوا على الدّوام حول كاهن رعيّتهم الّذي يخدمهم، المونسنيور طلعت، وحول جميع المعنيّين بخدمة الكنيسة، مجلس الرّعيّة، لجنة السّيّدات، الأخويّات. ويا حبّذا لو يكون هناك اهتمام بشبابنا أكثر فأكثر، صحيح أنّ الأهل منشغلون بأمور الحياة، لكن نستطيع أن نلتقي، إن لم نتمكّن كلّنا يوم الأحد، فبالإمكان ذلك في أحد أيّام الأسبوع، أو مرّة أو مرّتين في الشّهر مساءً، حيث تجتمع العائلات حول الكاهن، حتّى تعيش دعوتها المسيحيّة. هذا الأمر مهمّ جدًّا كي نقدر أن نجابه كلّ صعوبات الحياة وتحدّياتها، لاسيّما تحدّيات الاختلافات الّتي يتمّ نشرها على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، متأكّدين أنّ الرّبّ هو حامي الكنيسة، وأنّ أمّنا مريم العذراء هي شفيعتنا".
بدوره توجّه المطران برنابا يوسف حبش بكلمة قال فيها: "إنّه لفرح وسرور كبيرين أن أرحّب، وأكثر من أرحّب، لأنّ سيدنا البطريرك هو صاحب البيت. لا أقول أرحّب، بل أشكر صاحب البيت، أبانا الّذي عرف أن يعطي أبناءه العطايا الحسنة، كما سمعنا من الإنجيل. إذا تكلَّمنا عن سيّدنا صاحب الغبطة وأردنا أن نشكره، أقول بضمير صالح أمام الله الحقيقةَ في هذا الشّخص الّذي وهبه الله لكنيستنا السّريانيّة كأب ورئيس وراع.
نأتي إلى وجود السّريان الكاثوليك في بلاد الانتشار، وخصوصًا في الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا. فقد حضر السّريان الكاثوليك، إكليروسًا وشعبًا، إلى هذه البلاد المبارَكة قبل أن يأتي سيّدنا البطريرك، "أبونا جوزف يونان"، وكان لهم اشتياق ورغبة في أن يكون لهم وجود ملحوظ ورصين وقانونيّ، إنّما هذه الاشتياقات والرّغبات الشّريفة وجدت مآلها في قدوم أبونا جوزف يونان صاحب الغيرة، غيرة متّقدة، وجسّد هذه الإشتياقات والرّغبات بمعونة الله ومساعدة سيّدة النّجاة الّتي اختارها أن تكون أمًّا له وأمًّا للسّريان الكاثوليك في هذه البلاد المبارَكة، واحتمى بظلّها. فكانت رعيّة سيّدة النّجاة في نيوجرسي البذرة الصّغيرة، خدمها بدم قلبه وغيرته الرسوليّة وتفانيه.
ستقولون لي: إنّك تمدح كثيرًا يا سيّدنا، ويحقّ لي أن أمدح، ويُفرِحُني أن أمدح، لأنّ هذا الرّجل خدمنا وخدم الكنيسة وخدم أشواق الّذين سبقوه ورغباتهم، وأنعش طموحات الّذين معه والّذين يأتون من بعدنا. فكيف لا أشكر أبونا ثمّ سيّدنا جوزف يونان، من اللّبنة الأولى في سيّدة النّجاة في نيوجرسي، إلى كنيسة قلب يسوع الأقدس المبارَكة الّتي نحتمي ونفرح تحت سقفها. لن أطيل فأسرد قصص الغيرة الرّسوليّة وأعدّد الإنجازات، ومن طبيعة سيّدنا البطريرك، وأنا أعرفه منذ سنة 1972، فهو ينزعج من شخصٍ يمدحه، وينزعج منّي أنا حين أمدحه، ولاسيّما في منبر كهذا، لكنّ الحقّ يجب أن يقال.
سيّدنا صاحب الغبطة، أختصر كلامي: باسمي وباسم إخوتي الكهنة والشّمامسة وأبنائي الحاضرين جميعًا، شكرًا لحضوركم وبركتكم، أدامكم الرّبّ، بارخمور سيّدنا".
وقبل نهاية القدّاس، توجّه المونسنيور طلعت يازجي بكلمة شكر بإسم الجميع على حضور البطريرك يونان ومجيئه إلى بيته وكنيسته وبين أهله، متمنّيًا له الصّحّة والعافية. وهنّأ راعي الأبرشيّة بيوبيله مقدّمًا أطيب التّمنّيات، شاكرًا كذلك الجميع على حضورهم.
بعد القدّاس، التقى يونان الجميع في قاعة الكنيسة.
هذا والتقى البطريرك يونان مساء الإثنين مجلس رعيّة قلب يسوع الأقدس ولجنة السّيّدات وأعضاء اللّجان الرّاعوية- شمال هوليوود- لوس أنجلوس، في قاعة الكنيسة.