لبنان
12 آب 2020, 06:30

البطريرك لحّام للّبنانيّين: كونوا أنتم الحلّ... كونوا حرّاس الفجر!

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك الرّوم الملكيّين سابقًا غريغوريوس الثّالث لحّام نداء بعد مرور أسبوع على انفجار مرفأ بيروت، تحت عنوان: "كونوا أنتم الحلّ... كونوا حرّاس الفجر"، فقال بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام":

"أمام المآسي والويلات والنّكبات والزّلازل والحرائق والانهيارات على كلّ المستويات، والأزمات والثّورات، أختار الثّورة مع الثّوّار. والآن، مطلوب من جميع اللّبنانيّين أن يكونوا ثوّارًا. من صومعتي في مركز التّنمية والحوار، قرب دار العناية، أتابع برامج التّلفزيون باهتمام مميّز منذ ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، مرورًا بكورونا إلى زلزال المرفأ، فمظاهرات واعتصامات ما بعد الزّلزال. أمام كلّ ذلك، أتساءل أين الحلّ؟ تتألّف حكومة وتستقيل وتأتي حكومة أخرى، وتتعالى الصّرخات في وجه كلّ حكومة وكلّ وزير ونائب: كلّن كلّن فاسدين، سارقين، حراميّة. ولسان حالنا أغنية فيروز هالسّيّارة مش عم تمشي... بيجي مختار... بيروح مختار.

أمام هذا المشهد المأسويّ المدمّر أكثر من دمار الكورونا والاقتصاد وزلزال مرفأ بيروت، أجد نفسي أميل إلى صفوف الثّوّار والمتظاهرين، وأنا خبرت الثّورة في رهبانيّتي (دير المخلّص) عام 1973 مع أخوي المطرانين جورج كويتر وسليم غزال. وكنّا معًا أسّسنا عام 1966 مؤسّسة دار العناية: ميتم، مدرسة مهنيّة ومركز حوار ولقاء وتواصل مع النّاس كلّ النّاس. وأردنا المؤسّسة مركز رؤية جديدة في الرّهبانيّة، لا بل ثورة اجتماعيّة، ورفضنا استلام أيّ وظيفة إداريّة في الرّهبانيّة. وتفرّغنا للعمل في دار العناية وكنّا نسمّى أو نلقّب بالفرسان الثّلاثة.

أجل كنت ثائرًا في حياتي، في الرّهبانيّة، وفي المجتمع الكنسيّ، وفي الدّفاع عن حقوق وتاريخ وكرامة الكنائس الشّرقيّة ورسالتها. وحضورها وشهادتها أمام الغرب. واليوم، أقف إلى جانب الثّوّار كلّهم، والمنظّرين كلّهم، وأقول لهم: كونوا أنتم الحلّ وحرّاس الفجر. وكما سبق وقلت في كلمة عند بدء الثّورة أقول: انتخبوا أنتم في صفوفكم نخبة تلبّي مطالبكم ومطالب اللّبنانيّين من خبراء في كلّ الحقول. ولتكن هذه النّخبة دولة ثوريّة مقابل الدّولة الدّستوريّة. ولتكن دولة الثّورة رقيبًا للدّولة الدّستوريّة ومرشدًا وموجّها، وناظرًا ومحاسبًا ومشجّعًا ومحفّزًا، ليكن شعار ثورتكم في الظّروف الرّاهنة المأسويّة، ليس القبضة المرعبة، بل اليد الممدودة، لا تكونوا قبضة في وجه أحد، بل يدًا ممدودة لكلّ أحد، أجل بدل القبضة، اليد الممدودة للمساعدة، للتّضامن، للتّكافل، وللعطاء، فهذا ما نراه اليوم. الجميع يساعدون في تنظيف الشّوارع ورفع الأنقاض وإيواء وإطعام الجائعين وإكساء العراة. ونحن في هذا نستأهل طوبى يسوع، الّذي وضع نفسه مكان المحتاجين ويقول: "تعالوا، يا من باركهم أبي، فرثوا الملكوت المعدّ لكم منذ إنشاء العالم: لأنّي جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريبًا فآويتموني، وعريانًا فكسوتموني، ومريضًا فعدتموني، و... " (متّى 25: 34 - 37).

الآن، أتوجّه إلى الأحزاب وأقول لماذا كثرة الأحزاب في لبنان الصّغير؟ ألا يكفي حزبان أو ثلاثة؟ لا بل أدعو الأحزاب إلى إيقاف السّجالات والاتّهامات ووضع برنامج عمليّ للمساعدة والإعمار خاصّ بكلّ حزب. كما أدعو رجال الأعمال والمتموّلين الكبار من طائفتي وكنيستي وكلّ الكنائس لكي يضعوا برامج إعماريّة محدّدة مثلاً استلام حيّ أو شارع وإعادة إعماره.

المؤسّسات الخيريّة الكثيرة في لبنان- ذكر الإعلام أنّ عددها بلغ الألف- إلى اجتماع عامّ لكي ينسّقوا أعمال الإسعاف والإنقاذ والمساعدة والإعمار لكي تكون نشاطاتها الخيريّة أكثر فعاليّة في الظّروف الرّاهنة"، وقال: "كفانا مسبّات وشتائم واتّهامات وإهانات بين الزّعماء والأحزاب، فالعالم كلّه صار يفهم لغة اللّبنانيّين الوسخة. عيب، العالم في أسره يتضامن معكم أيّها اللّبنانيّون ويتسارع لمساعدتكم، وأنتم تتبادلون التّهم. العالم يساعدكم، فساعدوا بعضكم. العالم يتضامن معكم، فتضامنوا مع بعضكم. العالم يحبّكم، وأنتم أحبّوا بعضكم بعضًا، وأقول لكم ما قاله يسوع لتلاميذه: بهذا يعرف النّاس أنّكم تلاميذي... إذا كنتم تحبّون بعضكم بعضًا وأعطيها صيغة لبنانيّة: بهذا يعرف النّاس أنّكم لبنانيّون، إذا كنتم تحبّون بعضكم بعضًا.

بدل المناداة بإلغاء الطّائفية والطّلب من رجال الدّين أن يبقوا في كنائسهم وجوامعهم وقبل المطالبة بالدّولة المدنيّة وإجراء انتخابات مبكرة وتعديل الدّستور وتغيير حكومة وتأليف أخرى، محايدة أو تكنوقراط أو من اختصاصيّين، قبل ذلك علينا أن نطالب بمرحلة صمت سياسيّ، صمت السّجالات والإعلانات والشّعارات والمسبّات والشّتائم. وكما يقول السّيّد المسيح: أدخل مخدعك واغلق بابك، وأيضًا اطلبوا ملكوت الله! وأيضًا لنسمع المثل الفرنسيّ: الزّهرة هي المهمّ، المهمّ هو لبنان، هذا هو المستقبل، هذا هو لبنان الثّورة، هذا هو لبنان الشّباب، هذا هو لبنان الغد، هذا هو الحلّ. كونوا أنتم الحلّ وحرّاس الفجر، حرّاس الفجر للبنان الرّسالة، لبنان الشّباب، لبنان المستقبل، لبنان الطّائر الّذي يتجدّد شبابه، لبنان أرز الرّبّ، والله في وسطه فلن يتزعزع".