لبنان
08 آب 2016, 05:00

البطريرك غريغوريوس الثّالث في ذكرى شهداء الإبادة الأرمنيّة: المحبّة هي الشّهادة الكبرى!

وجّه البطريرك مار غريغوريوس الثّالث لحّام كلمة في مناسبة ذكرى الشّهداء وضحايا الإبادة الأرمنيّة كلمة، جاء فيها:

 

"الشكر لغبطة أخينا البطريرك غبوريان الكلي الطوبى الذي جمعنا اليوم في هذا الاحتفال الروحي الكنسي الأرمني التاريخي المبارك حول الأسقف الشهيد مانوليان!
يندرج هذا الاحتفال في سلسلة الاحتفالات لعيد الأرمن التاريخي الكبير، عيد 150 سنة على ما يسمَّى الإبادة التي مُورِسَت على الشعب الأرمني  الأبي العظيم.
لا ليس هذا التاريخُ تاريخَ الإبادة! بل تاريخ الشهادة المسيحية الأرمنية! إنه تاريخ الكنيسة الأرمنية الشهيدة! لا بل تاريخ كل كنيسة مسيحية عبر التاريخ!  إذ كل كنيسة هي كنيسة الشهداء!
في الطقوس المسيحية، لكلّ يوم عيد. والكتاب الطقسي الذي يحتوي على الأعياد والتذكارات على مدار السنة يسمّى كتاب الشهداء، أو سفر الشهداء!Martyrologe))  كلّ يوم في تاريخ الكنيسة هو عيد شهيد، بل عيد الشهداء! 
علامات الكنيسة أربعة: إنها كنيسة واحدة، جامعة، مقدسة، رسولية. أحبُّ أن أضيف علامةً خامسة: إنها كنيسة شاهدة وشهيدة! لا بل العلامات الأربعة مرتبطة بهذه العلامة! 
- الوحدة شهادة: فقد قال يسوع: يا أبتاه ليكونوا واحداً، لكي يؤمن العالم. 
- جامعية وشمولية الكنيسة شهادة ودعوة إلى العالم أجمع لقبول الإنجيل. 
- قداسة الكنيسة: هي الشهادة الكبرى، كما قال يسوع: كونوا كاملين لأن أباكم السماوي كامل.
- رسولية الكنيسة: مؤسسة على شهادة ودماء الرسل والقديسين على مدى التاريخ.
وهكذا نقول بحقّ: 
- كنيسة بلا شهداء ليست كنيسة!

- وكنيسة بلا شهادة ليست كنيسة!
شهداؤنا هم آباؤنا في الأيمان! شهداؤنا هم معلمونا ومرشدونا! وقادتنا في مسيرة الإيمان المقدس. ولهذا فإننا نفخر بشهدائنا! وذكراهم هي عيد روحي لنا جميعاً. وشهداء الأرمن وضحايا الإبادة هم إكليل فخار للكنيسة! ولا ننسى الكلام المأثور: دم الشهداء هو بذار المسيحيين! 
علينا أن لا نخاف من الشهادة! بل بالحري علينا أن نتربّى على الشهادة، ونربّي أجيالنا على الشهادة! إلى هذا يدعونا الكتاب المقدس: "أنتم شهودي" (أشعيا 43) ويقول يسوع لتلاميذه: وستكونون لي شهوداً إلى أقصى الأرض". 
الشهادة اليوم هي مشاركة في الإيمان! مشاركة بين جميع المؤمنين من جميع الأديان. مشاركة وعيش مشترك. ورسالة لبنانية – مسيحية -  إسلامية مشتركة، ورسالة عربية مسيحية – إسلامية مشتركة. 
أمام عالم يهز أركان قيمه الإيمانية ما يسميّه بولس الرسول:"إنه سرّ الإثم الذي يعمل في العالم"، وهو في أساس الحركات التكفيرية والإجرامية الدموية، التي ترعّب مجتمعاتنا شرقاً وغرباً، وتحاول أن تزعزع أسس عيشنا المشترك وتعدُّديَّتنا، وقبولنا الواحد الآخر، وتهدّد مستقبل أجيالنا الطالعة التي يمكن أن تقع فريسة الأصولية والتكفيرية والتطرّف والعنف والإرهاب... 
أمام هذه الأخطار التي تنتشر كالوباء في عالمنا، نحتاج إلى شهود للإيمان المقدس، نحتاج إلى شهداء، لا يخافون أن يعيشوا قيم إيمانهم المقدس، وحتى شهادة الدم بالإضافة إلى شهادة الحياة الإيمانية على مثال شهيدنا المطران مانوليان. 
العبرة في ذكرى الشهداء وذكرى ضحايا الإبادة الأرمنية وسواها من مجازر ومظالم التاريخ، أن نعمل لكي تكون قوى المحبة في المجتمع أقوى من قوى البغض والكراهية والتعصّب والأصولية. 
إيماننا المسيحي مؤسس على المحبة! المحبة هي الشهادة الكبرى! هكذا كانت شهادة يسوع: هكذا أحب الله العالم حتى ابنه بزل  الوحيد لكي لا يموت كل من يؤمن به بل تكون له الحياة! 
إذا أحببتَ فأنت شهيد وشاهد! وأنت ابن القيامة! لأن من آمن بي وإن مات فإنه سيحيا. 
لغبطة أخينا البطريرك غوبوريان جزيل الشكر على هذا اللقاء الذي أتيحت لنا جميعاً من خلاله فرصة تذاكر قيم الشهادة عبر الحياة وفي الموت. 
واسمحوا لي أن أُعرب عن عاطفة فخار تجاه الكنيسة الأرمنية فأقول: إن الكنيسة الأرمنية هي نموذج الانتماء الكنسي! الأرمن شعبُ تراث وانتماء! الكنيسة الأرمنية هي مدرسة الانتماء الكنسي! 
إننا نترحم على أرواح شهدائنا! إنهم أبناء القيامة والحياة! ونطلب شفاعتهم لأجل رعايانا المتألمة التائهة المشردة، المحبطة، المهاجرة في كلّ أقطار العالم... لكي يثبّت المخلص في قلوبهم الإيمان القويم المقدس ويقويهم لكي يبقوا في هذه البلاد مهد المسيحية ويتابعوا رسالتهم وشهادتهم، أن يكونوا ونكون كلنا كما قال لنا يسوع مخلصنا الإلهي: أنتم نور العالم! انتم ملح الأرض! أنتم الخميرة في العجين.عاش شهداءنا الأبرار!"