البطريرك ساكو يجدّد وعده للعراقيّين
"أعودُ الى العراق بسرورٍ، حاملاً معي الكثيرَ من المشاعر. لقد كنتُ في حضرة البابا فرنسيس بمناسبة الاحتفال بمنحي القبّعة الكارديناليّة، وكذلك في اجتماع البطاركة الشّرقيّين في مدينة باري، وحمّلني أن أنقلَ إلى كلِّ العراقيّين تحيّاتِه، وتضامنَه معهم، مؤكّدًا صلاتَه من أجل أن يعمّ بلدَنا السّلام والاستقرار والازدهار.
المجد لله وحده على نعمه الكثيرة، وعلى رعايته لنا، والشّكر لقداسة البابا فرنسيس على تسميته مواطنًا عراقيًّا "كاردينالاً" وتحميله إيّاه رسالةً كبيرة.
هذه الرّسالة بالنّسبة لي، هي أن أكون في خدمة بلدي المنكوب، إنّها في خدمة الجميع من دون استثناء، كما يفعل البابا فرنسيس على الصّعيد العالميّ. أدرك تمامًا أنّ تسميتي كاردينالاً، إذ تضع على عاتقي المزيد من المسؤوليّة في الكنيسة الجامعة، ستمنحني دعمًا وزخمًا، ومساحةً أوسع لهذه الخدمة، بحيثُ أعمل مع كلِّ المخلصين لتحقيق العناوين الكبرى الّتي نتطلّع جميعًا إليها.
إنّ الثّوب الأحمر والقبّعة الحمراء اللّذين يرتديهما الكاردينال يرمزان إلى الشّهادة، وفي بلدنا المُمتَحن أكثر من مرّة يرمزان واقعيًّا إلى دماء الشّهداء العديدين الّتي سُفِكتْ على تربتنا، ومن كلّ المكوّنات. اللّون الأحمر يرمز أيضًا إلى الحبّ، الّذي ينبغي أن يُلهبَ قلبَ من يرتديه، لكي يبذل ذاته حتّى النّهاية من أجل الّذين يحبّهم.
إنّي بهذه المناسبة، أجدّد للعراقيّين عهدي كما فعلتُ في بطريركيّتي، بتعامل مباشر وصريح، بأن أكون أخًا وخادمًا للجميع، وأن أبذلَ قُصارى جهدي، متّكلاً على بركة الله، ومتعاونًا مع كلّ الطّيّبين، من أجل تمتين الوحدة الوطنيّة، والشّركة بين العراقيّين، وتعزيز العيش المشترك، وإشاعة ثقافة الحوار والتّفاهم، وإيجاد بيئة أفضل مبنيّة على المحبّة والعدالة والمساواة، والحرّيّة والكرامة والسّلام. إذ لا مستقبل لنا من دون السّلام والعيش المشترك، معًا نكون أو لا نكون.
وبهذه المناسبة أدعو المرجعيّات الدّينيّة المسلمة والمسيحيّة ومن الدّيانات الأخرى إلى أن نكون رموزًا وطنيًّة ندعم المصالحة المجتمعيّة، والسّلام والاستقرار، ومكافحة التّطرّف والعنف، فالدّين والعنف يتعارضان.
كما اأهيب بالسّياسيّين العراقيّين إلى المصالحة الحقيقيّة وطيّ صفحة الماضي، لتكفّ هذه الحروب "بالوكالة" على أرضنا الّتي دمّرت البشر والحجر، علينا أن نحافظ على بلدنا ووحدتنا، فالوطن لا يبنى بالمحاصصة والطّائفيّة والمصالح الذّاتيّة، إنّما على المواطنة المتساوية والكاملة. لذلك أدعو كلّ الأطراف إلى الإسراع في تشكيل الحكومة المنتظرة القويّة وفق الدّستور، حكومة تضع استراتيجيّة عامّة للتّنمية تنهض بالخدمات والاقتصاد وتحارب الفساد. وإنّ تأخير تشكيلها يضعف عمل المؤسّسات ويؤثّر سلبًا على الأوضاع الأمنيّة والخدميّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة.
كذلك أدعو المتظاهرين إلى الحفاظ على سلميّة التّظاهر، والالتزام بمطالبهم المشروعة، وعدم الانجرار إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصّة ومؤسّسات الدّولة، ممّا يعقّد الأمور.
عسى أن تتغلّب علامات الرّجاء على قسوة ظروفنا وتعبنا وقلقنا، ونبقى نفتخر بالانتماء إلى وطننا.
وفي الختام أودّ أن أتقدّم بالشّكر الجزيل إلى جميع المهنّئين والمستقبلين والأصدقاء.
عشتم وعاش العراق!".