العراق
23 تموز 2018, 05:00

البطريرك ساكو: آن الأوان للتّخلّي عن الأطماع

ألقى بطريرك بابل للكلدان الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو كلمة أثناء مشاركته في أمسية تراتيل أقيم على المسرح الوطنيّ في بغداد، قال فيها بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

 

"أودّ أن أعبّر عن فرحتي بهذه الأمسية الّتي جمعتنا مسيحيّين ومسلمين وصابئة وإيزيديين في هذا المسرح الوطنيّ الّذي هو معلم عراقيّ ثقافيّ وفنّيّ بارز.  أتمنّى ألّا ينسى أحد أنّنا نحن المسيحيّين والأقلّيّات الأخرى ورثة حضارة ما بين النّهرين العريقة.  نحن أحفاد السّلالات الّتي أبدعت وأعطت للإنسانيّة الكثير من كلكماش إلى حمورابي. وإنّ كنائسنا هي أقدم الكنائس.

كنّا الغالبيّة عند قدوم المسلمين ومددنا أيدينا لهم وعشنا معهم. ولكن يحزننا أن نرى هذا التّراث المسيحيّ العراقيّ مهملاً. كنّا روّادًا في تكوين الحضارة العبّاسيّة من أطبّاء ومتكلّمين ومترجمين الّذين نقلوا العلوم اليونانيّة إلى العربيّة ويشهد على ذلك بيت الحكمة. وقد عشنا معًا قرونًا في السّرّاء والضّرّاء. وهكذا في العراق الحديث، لكن لا يوجد سطر واحد في مناهج التّعليم يذكر إسهام المسيحيّين في حضارة العراق وثقافته.

إنّ واقع المسيحيّين والأقلّيّات الأخرى ازداد سوءًا منذ سقوط النّظام. وبسبب الإجحاف بحقّهم في الممارسات اليوميّة واستهدافهم في حياتهم وممتلكاتهم وتراثهم، وعدم تعامل الحكومات المتعاقبة مع أوضاعهم بقوّة وحمايتهم، هاجر مليون مسيحيّ وغدوا أقلّيّة مهدّدة وضعت معاناتهم أمامهم صورة ضبابيّة عن "القادم المجهول".

إنّ الوضع  العامّ المتأزّم الّذي يمرّ به العراق لأمر محزن حقًّا ويعود ذلك إلى الانتخابات غير الشّفّافة، والفساد، وتردّي الخدمات، والبطالة والفقر وانتشار الامراض وتأخير تشكيل الحكومة ممّا دفع النّاس إلى القيام بمظاهرات واحتجاجات. كلّ هذه الأمور مقلقة. أتمنّى أن يحافظ المتظاهرون فيها على سلميّة احتجاجاتهم المشروعة ولا ينجرّوا إلى الاعتداء على الممتلكات الخاصّة ومؤسّسات الدّولة. إنّه خطأ كبير وسيعقّد الأمور أكثر.

لذا أدعو الحكومة إلى أن تتدارك الأمور قبل أن تُدخل العراق في نفق مظلم قد لا تُحمد عقباه، فتحمي  المتظاهرين وتتحاور معهم حوارًا حضاريًّا مسؤولاً لتلبية مطالبهم قدر الإمكان ولئلّا يضيع النّصر الّذي تحقّق على داعش وألّا تستثمر موجة الاحتجاجات لصالح الفاسدين وإغراق البلاد في فوضى لا سامح الله.

آن الأوان للتّخلّي عن الأطماع والطّموحات الفرديّة والفئويّة للعودة إلى صوت العقل والمسؤوليّة وتعميق الانتماء إلى الوطن والتّفكير بالمواطنين وهمومهم المعاشيّة. آن الأوان ليكون رجال الدّين من كافّة الدّيانات والمذاهب رموزًا وطنيّة حقّة تدعم المصالحة المجتمعيّة، والسّلام والاستقرار، وتكافح  التّطرّف والعنف، فالدّين والعنف يتعارضان.

آن الأوان لقيام حكومة وطنيّة عراقيّة مدنيّة تتّحد فيها القلوب والعقول وتجمع كافّة الأطياف وتحميها على أساس الوطن الواحد، فتقطع الطّريق على  من وما يهدّد "العراق" من مشاريع شرّيرة. نسأل الله أن ينوّر العقول ويحفظ العراق".