العراق
21 حزيران 2024, 08:30

البطريرك ساكو في قدّاس يوبيل دار بيبليا: "ينبغي إعلان كلمة الله بطريقة جديدة، ونبرة نبويّة"

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفلت دار بيبليا للترجمة والنشر بيوبيلها الفضّيّ برعاية البطريرك الكردينال لويس روفائيل ساكو بقدّاسٍ احتفاليّ في كنيسة المعهد الكهنوتيّ في عينكاوا، تحت شعار "أُرسل الجوع إلى الاستماع إلى كلمة الله" (عاموس 8/ 11). عاونه الأب بيوس عفّاص الذي اختار بعناية قراءات كتابيّة لهذه المناسبة، تتمحور حول أهمّيّة إعلان "كلمة الله" التي يتحتّم على الكنيسة والمسيحيّين عمومًا إعلانها بطريقة جديدة وبنبرة نبويّة، وهذه الكلمة لا تزال فاعلة وفعّالة، في عالم يختلف عن عالم الكتاب المقدّس، عالم تراجعت فيه القِيم والأخلاق. وهذا ما سعت إليه دار بيبليا للترجمة والنشر على مدى 25 سنة، وفق موقع البطريركيّة الكلدانيّة الرسميّ.

 

قبْل كلمة البطريرك في هذه المناسبة ننوّه إلى ما أشار إليه الأب بيوس عفّاص حول اختيار القراءات التي ضمّت:  

1- قراءة من سفرعاموس (8/ 11-12) تعبّر عن العطش الى إعلان كلمة الله أمام التهافت على المال، اليوم نسميه الفساد، وعاموس يسميّه "العدالة الفاسدة".

2- قراءة من 2تيموثاوس (3/ 15-16، 4/ 1-6) تشدّد على أهمّيّة إعلان كلمة الله بشكل دائم: "في وقتها وفي غير وقتها".  

3- قراءة من إنجيل متّى (28/ 16-20) تروي صعود يسوع، أي دخوله حالته الجديدة من الوجود "ممجّدًا". لمكان الصعود "الجبل"، ديناميكيّة خاصّة تشير إلى الارتقاء بفعل نِعَم الله وإرشادات الروح القدس.

قال الأب عفّاص عن صعود الربّ: "حضور التلاميذ مهمّ جدًّا، فهم شهودٌ على تعليم يسوع ومجده. هذا الصعود يجعلهم يدركون تمامًا مسؤوليّاتهم لمواصلة رسالة يسوع، للإرسال والكرازة "عَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِه" (متى 28/ 20). يسوع يقول لهم احملوا مهام التعليم والتقديس، شاركوا الآخرين بإيمانكم، وأصغوا إلى حاجات الإخوة ولبّوها بمحبّة".

تابع الأب عفّاص: "كلّ مسيحيّ مدعوّ إلى أن يبشّر بكلمة الله، يقول مار بولس "ويل لي إلّم ّبشّر"، ولكي يقوم بهذا ينبغي أن تسكنَه الكلمة لأنّ قوّته فيها.  

أشكال التبشير عديدة، شرح الأب عفّاص: "التعليم، التربية، الوعظ، الكتابة، الصلاة، الاحتفال بالأسرار، شهادة الحياة. يدعو إقليمس الإسكندريّ، أحد آباء الكنيسة الأوائل، إلى التشبّه بالكلمة قائلًا: "لنتشبّه بالـ]كلمة[ في أعمالنا وتصرّفاتِنا كلّها، فهو لنا القدوةُ والمثال، ومشوراتُه طرقٌ وأنظمةٌ موجزة لإنماء بذور الأبديّة في نفوسنا، والمسيح يهدف من خلالها إلى تربيتنا وتربية البشر جميعًا" (كتاب المربِّي).

ثم كانت كلمة البطريرك ساكو شكر فيها أوّلًا القائمين على دار بيبليا للترجمة والنشر، بمناسبة الاحتفال بمرور 25 سنة على انطلاقها، على الجهد الفكريّ والكتابيّ والتعليميّ، خاصًّا بالشكر مدير الدار الأب بيوس عفّاص.

قال البطريرك ساكو: "هذه الدراسات الكتابية، والملفّات والكتب هي بمثابة مكتبة متخصّصة بالعربيّة، نحن بأمسّ الحاجة إليها أمام التحوّلات الثقافيّة والاجتماعيّة والدينيّة المتسارعة التي نواجه. أحداث كثيرة مؤثّرة على حياتنا اليوميّة تستدعي قراءة جديدة للكتاب المقدّس لكي نعزّز إيماننا وروحانيّتنا".

قال البطريرك أيضًا: "أذكر باعتزاز أنّ بلادنا، كان لها الدور في أن تلهم الدراسات الكتابيّة، عندما قدّم أحد الآثاريّين في القرن التاسع عشر مقاربات مع الكتاب المقدّس اكتشفها في مكتبة أشّور بانيبال، فتأسّست في مطلع القرن العشرين مدرسة القدس للآباء الدومنيكان للدراسات الكتابيّة حين وُضعت المعطيات البيبليّة على المحكّ الآثاريّ والتاريخيّ. وانطلقت في المنطقة مراكز للدراسات الكتابيّة".

"هكذا"، تابع البطريرك ساكو "فإنّ هذه الدراسات أصدرها بالفرنسيّة أشخاص متخصّصون رصينون، يتحلّون بالعلميّة ويستخدمون أدوات حديثة بشكل أكثر فعاليّة. وما أعجبني هو إيمان هؤلاء المؤلّفين الواعي والعميق وحرصهم على اكتشافات المضمون الذي تحمله هذه الأسفار المقدّسة. هذه هي ديناميكيّة الكتاب المقدّس الذي هو، كما يحلو لمار أفرام أن يسمّيه "رسالة حبّ" لكلّ إنسان. المنبع هو "كلمة الله" التي تتدفّق كالنور وتُحيينا وتنعكس حولنا. لذا، أشجّع المؤمنين وبخاصّة الشباب على اقتنائها وقراءتها قراءة تأمليّة ثاقبة، على ضوء الروح "إنارةً لعيون قلبهم" (أفسس 1/ 18).

أردف البطريرك ساكو قائلًا: "إنّني أقرأ بعناية وشغف معظم ما تصدره دار بيبليا للنشر. وأقرّ بأنّي تعلّمت منها الكثير، وشدّتني الاختيارات وسلاسة الترجمة العربيّة والإخراج الأنيق. إنّها تمثّل قراءة مُؤَوَّنة للكتاب المقدّس، بتعابير وكلمات جديدة أمينة للأصل ومندمجة في الواقع الثقافيّ والاجتماعيّ الحالي. ولا بدّ من أن نعيَ أنّ قوّة المؤمن المسيحيّ هي في سعيه إلى أن تسكنه كلمة الله، فيعكسها حوله نورًا ورجاءً وتعزية.

في وسط العلمنة والسطحيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، لنا الأمل في أن يواصل الكهنة الشباب هذا العمل الرياديّ ويقوموا بمبادرات أخرى".

ختم البطريرك ساكو كلمته بالإشارة إلى خبرته الشخصيّة فقال:  

"يعود الفضل إلى كهنة يسوع الملك الذين شكّلوا المحاولة الأولى للكهنة في العيش معًا. أتذكّرهم فردًا فردًا ومن بينهم الأب بيوس عفّاص... كلّ منهم له كاريزماه الخاصّة مع انفراده بطريقته لتجسيد ذلك. عهدت التردّد إلى كنيسة مار توما حيث كانوا يقطنون، فألمس جوًّا من العمل، رحبًا مفعمًا بالدفء الإنسانيّ والروحيّ، وبالحسّ الكنسيّ والوطنيّ والثقافيّ...هؤلاء الآباء وضعوا حياتهم على المحكّ من أجل تثقيف المسيحيّين ثقافة منهجيّة مُؤَوَّنة ورصينة ومن أجل خلْق وعي لديهم على أهمّيّة الكتاب المقدّس وتحريك العمل المسكونيّ. هذه التجربة قد لا تتكرّر بسهولة، ولكن لنا الرجاء، أن تلقى مبادرة الحياة الجماعيّة للكهنة حافزًا لتحقيقها، بتشجيع من الرعاة، بعيدًا عن تجربة الفردانيّة في حياة الكاهن واعتبار الخورنة قلعته الخاصّة".