العراق
29 كانون الأول 2020, 13:30

البطريرك ساكو: المسيحيّ العلمانيّ ليس من فئة ثانية

تيلي لوميار/ نورسات
العلمانيّ هو "تلميذ المسيح" و"يحمل رسالة داخل الكنيسة وخارجها"، هذا ما أراد بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو الإضاءة عليه في مقال جديد نشره إعلام البطريركيّة، جاء فيه:

كتبتُ عن الأسقف، أيُّ أسقفٍ نحتاج في القرن الواحد والعشرين، وعن الكاهن الأيقونة، وأوَدُّ أن أكمِل الحلقة عن العلمانيّ، تلميذ المسيح الّذي يتمتّع بنفس كرامة أعضاء الكنيسة الآخرين، والّذي يحمل رسالة داخل الكنيسة وخارجها (في العالم).

المصطلح "علمانيّ" مصطلح سياسيّlaic ، أيّ لا دينيّ، والعلمانيّة أيدولوجيّة دولة، أيّ فصل الكنيسة عن الدّولة، مع التّأكيد على حرّيّة ممارسة الشّعائر الدّينيّة. يطلق عامّة الشّعب كلمة "العلمانيّ" على المؤمنين الّذين ليسوا من صنف رجال الدّين، بينما في الكنيسة يسمّونهم عمومًا بالمؤمنين– ܡܗܝܡܢ̈ܐ.

ثمّة تحجيم لدور العلمانيّين بسبب احتكار الإكليروس في كلّ مراتبهم، لكلّ ما هو كنسيّ، في حين أنّ الكنيسة "شركة عضويّة"، فيها دعوات متنوّعة، ومواهب وخدمات تتكامل وتتوازى. العلمانيّ ليس ديكورًا، بل شخص له كرامته ومواهبه وفكره ودوره. لنتذكّر كلام مار بولس: "فاعتبروا أيُّها الأخوة دعوتكم" (1 قورنثية 1/ 26). في الكنيسة علاماتٌ مضيئة من العلمانيّين وشهادات حيَّة، والعديد منهم استشهد وفاءً لإيمانه. ونجد في مريم العذراء مثالاً للمؤمنة العلمانيّة الّتي ليس لها رتبة كهنوتيّة بالمعنى الحصريّ!

هناك وثائق كنسيّة تُظهر دور العلمانيّين من كلي الجنسين في الكنيسة، بخاصّة وثائق المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني الّتي فتحت آفاقًا رائعة أمام رسالتهم. أذكر منها: الدّستور العقائديّ سرّ الكنيسة، والدّستور الرّاعويّ، والقرار في رسالة العلمانيّين، والإرشاد الرّسوليّ (المؤمنون العلمانيّون)، واستحداث البابا بولس السّادس سنة 1967 المجلس البابويّ للعلمانيّين ثم غيَّر اسمه البابا فرنسيس سنة 2016 إلى "المجلس البابويّ للعلمانيّين والعائلة والحياة" وقد عيَّن فيه سيّدتين. كلّ هذا يُعبّر عن الحسّ الكنسيّ تجاه العلمانيّين واحترام كرامتهم وكفاءتهم وأهمّيّة دورهم ومنظّماتهم وبرامجهم وقيامهم بتنشئة الأطفال والشّباب تنشئة مسيحيّة من خلال التّعليم المسيحيّ، ولا يمكن التّفريط بقدراتهم. إذًا الأمر لا يتعلّق بامتياز الأدوار، بل بمشاركة كافّة أعضاء الكنيسة في حياتها ورسالتها.

عضوية العلمانيّ في الكنيسة

عقائديًّا: يشارك المؤمنون العلمانيّون عن طريق معموديّتهم ووسم الميرون، بوظيفة المسيح الكهنوتيّة والنّبويّة والملكيّة (1 بطرس 5/ 2). إنّهم يتقدّسون في الحياة الزّوجيّة والعائليّة ومزاولة عملهم. هم روّادٌ في عدّة مجالات، يوظّفون مواهبهم وطاقاتهم في خدمة الكنيسة بهدي روحانيّة الإنجيل. إذًا علينا أن ننتقل إلى مفهوم الكنيسة الحقيقيّ الشّامل وليس "الإكليروسانيّ" الضّيّق. نحن جميعًا مؤمنون بالمسيح، وأعضاء في جسده الواحد (الكنيسة)، مكمّلين لبعضنا البعض كما يتجلّى ذلك في لاهوت بولس الرّسول: "كما أنّ الجسد هو واحد، وله أعضاء كثيرة، وكلّ أعضاء الجسد الواحد إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضًا" (1 قورنثية 12/ 12). مع تنوّعنا واختلاف رتبنا وأدوارنا فنحن جميعًا أعضاء في الكنيسة. والمسيح يكنّ محبّة خاصّة لكلّ واحدٍ، أسقفًا كان أو كاهنًا أو راهبًا أو مؤمنًا علمانيًّا. لا ننسى دور العلمانيّين في حوار الحياة اليوميّة مع مسيحيّين مختلفين ومسلمين وآخرين. الكثير من العلمانيّين درسوا في معاهد التّثقيف المسيحيّ، وكلّيّات اللّاهوت ونالوا شهادات ماجستير ودكتوراه في العلوم الكنسيّة، لذا يتعيّن أن يُفتح المجال أمامهم، ليعزّزوا الإيمان وينشّطوا الطّقوس ويُعطوا شهادتهم للإنجيل بعزيمة وحماسة تحت إشراف أساقفتهم. إنّهم شركاء لا غنى عنهم، ومؤهّلون لتحمُّل قسط من المسؤوليّات في الكنيسة (قرار في رسالة العلمانيّين رقم 1). المسيح يدعوهم للعمل في كرمه: "اذهبوا أنتم أيضًا إلى كرمي" (متّى 20/ 4).

وفي كلمته أمام المشاركين في الجمعيّة العامّة للمجلس الحبريّ للعلمانيّين بروما، الجمعة 21 نوفمبر 2008 قال البابا بندكنس السّادس عشر: "لقد أدّت المعرفة العميقة للبعد الكاريزماتيّ الكنسيّ العامّ إلى إعطاء أهمّيّة للمواهب الخاصّة الفرديّة الّتي تغدقها العناية الإلهيّة على الأشخاص، وهذا ما ولَّد خصوبة روحيّة عظيمة، تربويّة وإرساليّة. إنّه لم يكن صدفة أن يعترف ويشجّع الإرشاد المذكور "الموسم الجديد لجمعيّات المؤمنين العلمانيّين" علامة لـ"غنى وتنوّع طاقات الرّوح القدس، في النّسيج الكنسيّ" (الرّقم 29)، معدّدًا تلك "المعايير الكنسيّة" (الرّقم 30) الضّروريّة، من جهة لأجل عمليّة تمييز من قبل الرّعاة، ومن جهة أخرى من أجل نموّ حياة جمعيّات المؤمنين، والحركات الكنسيّة والجماعات الجديدة".

كيارا لوبيتش مؤسّسة فوكولاري

في تقليد كنائسنا الشّرقيّة كان للعلمانيّين تأثير فعّال حتّى في اختيار البطاركة والأساقفة والمساعدة في الإدارة من خلال المجلس الرّاعويّ- الملّي ܣܝܥܬܐ.

من هذا المنطلق اشترك معنا في سينودس عام 2019 أكثر من عشرين علمانيًّا (من كلّي الجنسين) وتشكّلت لجنة للمتابعة، إلّا أنّ جائحة كورونا عطّلت كلّ الفعاليّات الكنسيّة والرّاعويّة. نأمل أن يتخلَّص العالم منها وتعود الحياة إلى طبيعتها."