العراق
10 تشرين الأول 2023, 11:15

البطريرك ساكو: الكنيسة الكاثوليكيّة نحو السّينوداليّة

تيلي لوميار/ نورسات
في مقال جديد، يتناول بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو الكتاب المقدّس بقراءة لاهوتيّة وروحيّة، بخاصّة ما يتعلّق بالكنيسة النّاشئة بعد موت يسوع.

وفي هذا السّياق، كتب ساكو بحسب إعلام البطريركيّة الرّسميّ: "في هذه المقالة لا أقدّم بحثًا تاريخيًّا وقانونيًّا للكنيسة كما هي اليوم، بل أحاول قراءة الكتاب المقدّس قراءة لاهوتيّة وروحيّة، خصوصًا ما يتعلّق بالكنيسة النّاشئة بعد موت يسوع. كنيسة الرّسل هي عائلة الله إخوة وأخوات متساوون. كنيسة تتكوّن في بدايتها من جماعة الرّسل الاثني عشر، والتّلاميذ 70، والشّمامسة السّبعة، ومن اتّبعوا يسوع بشكل تلقائيّ كمتياس، ويوسف الرّامي، والمجدليّة وحنّة امرأة كوزي والنّسوة الباقيات، وعائلات صديقة له مثل مريم ومرتا ولعازر، وأشخاص قد شفاهم مثل المولود أعمى، فضلاً عن أمّه مريم. كنيسة تجمعها الصّداقة والمحبّة والتّضامن والاحترام. كنيسة مُصغية إلى همسات الرّوح القدس النّابعة من داخلها. كنيسة قادرة على حمل مسؤوليّة رسالة المسيح. جماعة لا يوجد فيها شخص محتاج أو معزول أو غير مهمّ "وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، يَبيعونَ أَملاكَهم وأَمْوالَهم، ويَتَقاسَمونَ الثَّمَنَ على قَدْرِ احتِياجِ كُلٍّ مِنْهُم" (أعمال الرّسل 2/ 44-45). كنيسة يهمّها الكلّ وكلّ شيء.

من الواضح أنّ الكلّ ربطوا حياتهم بيسوع، وببعضهم البعض لخدمة رسالته، ووزّعوا الأدوار والمسؤوليّات بينهم. ترابط أعضاء الكنيسة قوّة الجسد (الجماعة) ووحدته وسط المعارضة والاضطهاد "وكما أَنَّ الجَسَدَ واحِدٌ ولَه أَعضاءٌ كَثيرَة وأَنَّ أَعضاءَ الجَسَدِ كُلَّها على كَثرَتِها لَيسَت إِلّا جَسَدًا واحِدًا، فكذلكَ المسيح" (1قورنثية 4/ 12).

ثمّة فرق كبير بين الكنيسة الأولى والكنيسة في زمن قسطنطين وخلفائه (كنيسة الإمبراطوريّة)، ثمّ كنيسة الإمبراطوريّة في العصور الوسطى. كنيسة هيمنت عليها البُنى والقوانين والنُّظم، والعقليّة الإكليروسانيّة، وهمَّشَت شعب الله.

هذه الدّراسة مهمّة اليوم، خصوصًا ونحن نستعدّ خلال أسبوعين لاستقبال زمن تقديس الكنيسة في اللّيتورجيا الكلدانيّة الّذي يتزامن مع انعقاد الجمعيّة الأولى للسّينوداليّة من أجل البحث عن مساحة أكبر للسّينوداليّة كما أكّد البابا فرنسيس، من خلال الإصغاء إلى "الرّوح القدس" والصّلاة والتّفكير معًا، والحوار لتحديد الأولويّات والتّصميم لوضع كلّ الإمكانيّات لتنتقل الشّركة والرّسالة والمشاركة إلى حياة الكنيسة (الجماعة) وتمارسها يوميًّا.

ذاكرة الكنيسة الحيَّة

الذّاكرة الجماعيّة توضح الرّؤية والخطّة، وتساعدنا لنكون مع الجماعة (الكنيسة): الأشخاص والأحداث والأماكن وكأنّنا كنّا هناك عبر هذا التّاريخ المقدّس الّذي له معنى ويجب العودة إليه بما يعزّز الشّركة. للكنيسة ذاكرة حيّة وخلّاقة creative موجّهة نحو المستقبل بالرّجاء. كلّ مرّة تحتفل الكنيسة بالمعموديّة والإفخارستيّا (عشاء الرّبّ) تحتفل بتاريخ تأسيسها. لهذا السّبب نقرأ نصوصًا من العهد القديم والجديد، ويتوزّع الاحتفال اللّيتورجيّ على محطّات حياة يسوع والكنيسة أيّ على تدبير الخلاص. هذه العودة إلى الذّاكرة "ليس استبدالاً"، إنّما اكتمالاً لمسيرتها، لتشخيص الأخطاء والثّغرات وتصحيحها. أذكر على سبيل المثال الانشقاقات المستمرّة إلى اليوم، وخروج البعض من الكنيسة الأمّ لينتموا إلى كنائس جديدة.

الكنيسة تسير، ولا تتوقّف كما ذكر البابا فرنسيس مرّات عديدة. من المؤسف أنّ الكنيسة النّبويّة في القرون الأولى غدَت كنيسة الإمبراطوريّة في زمن قسطنطين وخلفائه، وكنيسة إمبراطوريّة في القرون الوسطى. أراد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني والسّينوداليّة اليوم العودة إلى كنيسة نبويّة، كنيسة مواهب تبني الجماعة بكامل أعضائها.

الكنيسة جسد المسيح الحيّ

الكنيسة ليست اتّحادًا ما أو رابطة ثقافيّة أو قوميّة أو جمعيّة خيريّة، الكنيسة (ܟܢܘܫܬܐEcclesia) هي جماعة متماسكة من خلال الإيمان "والمواظبة على الصّلاة بقلب واحد". هكذا الصّلاة– اللّيتورجيا ليست احتفالاً فرديًّا، بل احتفال الجماعة.

للكنيسة قضيّة هي حمل الرّسالة، أيّ مواصلة ما بدأه يسوع بنفس القوّة والحماسة والتّضحية. وقد بناها على أشخاص مؤمنين بتعليمه رجالاً ونساءً (لوقا 8/ 1-3). يقول بولس الرّسول: "سمعتم كيف كنتُ أضطهد كنيسة الله بلا رحمة" (غلاطية1/ 13). ومثلما كان يجب أن يكون شعب الله المختار علامة إيمان ورجاء للعالم، هكذا شعب الله الجديد عليه أن يكون شاهدًا للإيمان بالله والمحبّة والصّداقة والرّحمة والسّلام والفرح والرّجاء.

تأسيس الكنيسة بعد موت يسوع شهادة لقيامته الّتي تتواصل في حياة المسيحيّين إلى يومنا هذا. بما أنّ صورة المسيح القائم لم تعد منظورة في العالم، لذا يتحتّم على الكنيسة المنظورة، أن تعكس صورته حتّى يراها الكلّ "حينَ تَعَمَّدْنا لِنَتَّحِدَ بالمسيحِ يَسوعَ إعتمدنا لنَموتَ معَهُ، فدُفِنـا معَهُ بالمعمودِيَّةِ وشاركْناهُ في موتِهِ، حتّى كما أقامَهُ الآبُ بقُدرَتِهِ المجيدَةِ مِنْ بَينِ الأمواتِ، نَسْلُكُ نَحنُ أيضًا في حياةٍ جديدَةٍ" (رومية 6/ 3-4).

العماد المسيحيّ يعني انتماء إلى شعب جديد، شِركة جديدة. من يؤمن ينضمّ إلى الكنيسة للسّير على خطى المسيح المُخلّص بعزم وقوّة.

العماد مسيرة جذريّة للاندماج في المسيح، ليس كأفراد فحسب، إنّما "أكثر" كشعب الله الجديد كجسم واحد. بالعماد يرتبط الشّخص بالمسيح وبالكنيسة معًا. هذه الوحدة التّامّة وغير المنقسمة ممكن تشبيهها بعهد الزّواج "أنت زوجتي وأنا زوجك منذ السّاعة وإلى الأبد" هذا العهد ينبغي أن نعلنه في كلّ لقاء كقانون الإيمان.

في العماد يصير كلّ واحد منّا إبنًا أو إبنة لله على حدّ سواء من دون خلق طبقات. والأدوار في الكنيسة خدمة بتواضع وإخلاء الذّات، وليست تسلّطًا، بل اهتداء متواصل وتدريب يوميّ: "وَلْيَكُنْ أَكبرُكُم خادِمًا لَكم" (متّى 23/ 11). "على كُلٍّ مِنكم أَن يَتواضَعَ ويَعُدَّ غَيرَه أَفضَلَ مِنه" (فيليبي 2/ 3). جماعة واحدة قلب واحد يعكس حضور المسيح.

ترابط الإيمان والحياة

شعور جماعيّ قويّ مشترك كأخوات وإخوة في أسرة جديدة تسمّى الكنيسة. الكنيسة هي مؤمنوها. كلّ واحد له ضعفه وقوّته. الكنيسة الّتي تعيش هذه الرّوحيّة بأمانة، لا تخاف من مواجهة المستقبل.

كان مؤمنو الكنيسة النّاشئة متّحدون يحتفلون "بعشاء الرّبّ" اللّيتورجيا، ويحملون أثقال بعضهم البعض بمحبّة "وكانَ جَماعَةُ الَّذينَ آمَنوا قَلبًا واحِدًا ونَفْسًا واحِدة، لا يَقولُ أَحدٌ مِنهم إِنَّه يَملِكُ شَيئًا مِن أَموالِه، بل كانَ كُلُّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم" (أعمال الرّسل 4/ 32)، لأنّ من أحبَّ إخوته قد انتقل إلى الحياة" (1يوحنا 3/ 14) وهنا الإشارة ليست إلى الموت أو الحياة الجسديّة، وإنّما المعنويّة. هذا الانتعاش في الشّركة أصابه الفتور وتغيَّر لأسباب عديدة منها انتشار المسيحيّة في أماكن أخرى وانضمام جماعات جديدة إلى الكنيسة مختلفة الثّقافة والجغرافيّة وحاجات التّنظيم، في حين أنّ الجماعة الأولى كانت من اليهود، (وعمومًا من الجليل) وكانت ملتفّة حول الاثني عشر، وكان عددهم قليلاً والكلّ كان مبشّرًا. هذا النّمط من الكنيسة العائلة نجده لدى الجماعات الرّهبانيّة كأسرة ديريّة بنفس زخم التّرابط بين الإيمان والحياة. المسارَ واحدٌ بالرّغم من تنوّعِ الأشكالِ والأنماط. كلّ الدّعوات الخاصّة والعامّة يجب أن ترتبط بالكنيسة كجماعة واحدة، أسرة واحدة، جسد واحد حيّ!

إجتماعات الكنيسة بقيادة الرّسل (السّينودس) لم تكن شكليّة، بل كان يطرح على بساط النّقاش كلّ ما يخصّ الجماعة: مشاكل داخليّة والنّصح الأخويّ والمصالحة، الانفتاح على الأمم وتمكين الوثنيّين من الانضمام إليها، والاعتناء بالفقراء، ومهمّة الرّسالة، وإيجاد خِدَم جديدة تلبّي حاجة الجماعة الّتي أخذت تنتشر في أماكن أخرى غير القدس، والشّركة بين الكنائس ثمّ مواجهة المعارضة والخوف. الكنيسة بقراءتها الكتاب المقدّس والإصغاء إليه.

وبصلاتها تضع نفسها إلى جانب يسوع وتربط مصيرها بمصيره،

وتُعرِب عن الخضوع الكامل لمشيئة الله."