أوروبا
26 شباط 2018, 09:27

البطريرك الرّاعي يصلّي من أجل السّلام من فيينا

ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، بعد وصوله إلى العاصمة النّمساويّة فيينا، قدّاس الأحد في كاتدرائيّة مار إسطفان في وسط المدينة، عاونه فيه ممثّل رئيس أساقفة فيينا الكاردينال كريستوف شونبور، والمطران فرانس شارل، ورئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر، ورئيس عامّ جمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الموارنة الأب مالك بو طانوس ورئيس الرّسالة المارونيّة الأب ميشال حرب ولفيف من الأساقفة والكهنة وممثّلين عن الكنائس الشّرقيّة، بحضور سفير لبنان في فيينا ابراهيم عسّاف وطاقم السّفارة ورئيس الرّابطة السّريانيّة حبيب افرام والأمينة العامّة الجديدة لمجلس كنائس الشّرق الأوسط الدكتورة ثريّا بشعلاني وحشد غفير من أبناء الرّعيّة المارونيّة ورعايا الكنائس الشّرقيّة والرّعيّة اللّاتينيّة.

 

في مستهلّ القدّاس، ألقى الأب حرب كلمة ترحيب أعرب فيها عن فرحة المؤمنين جميعًا بزيارة أوّل بطريرك مارونيّ إلى مدينتهم العريقة وهم يتطلّعون إليه "كرافع لمجد لبنان وللرّاية المدافعة عن القيم المسيحيّة وكراع يقود الكنيسة بهدي الرّوح القدس وإلهامه إلى ميناء الخلاص". وأضاف: "إنّ زيارتكم يا صاحب الغبطة تؤكّد على شعاركم الّذي رفعتموه "شركة ومحبّة"، فالشّركة اليوم في هذا القدّاس مع أبناء وبنات كنائسنا الشّرقيّة على مختلف طوائفهم، ما هي الّا الدّلالة المسيحيّة للشّركة ضمن الكنيسة الواحدة أيّ جسد المسيح السّرّيّ، والمحبّة هي الّتي تجمعنا في هذه الرّعيّة منذ 15 سنة من مختلف البلدان الشّرقيّة: لبنان، سوريا، العراق، مصر، الأردنّ، فلسطين وقبرص، متعهّدين لغبطتكم، ولو كنّا قد اضطررنا قسرًا إلى ترك بلادنا بسبب الحروب والاضطهادات، أن نحمل راية الإنجيل وتعاليم الكنيسة المقدّسة الّتي تربّينا عليها. فنكون رسلاً حقيقيّين للمسيح في هذا البلد المضياف الّذي شرّع أبوابه لنا ولإخوتنا من تلك البلدان."

ثم كانت كلمة لممثّل الكاردينال شونبورن المطران شارل رحّب فيها بالبطريرك الرّاعي "الّذي يحمل همّ المسيحيّين في الشّرق الأوسط إلى كلّ العالم منوّهًا بالتّعاون المثمر بين مختلف الكنائس الشّرقيّة والكنيسة المحلّيّة من خدمة راعويّة واجتماعّية أفضل.  

وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظة بعنوان "إيمانك خلّصك! يكفي أن تؤمن فتحيا ابنتك"، وقال فيها:

"إخواني السّادة المطارنة والآباء، سعادة سفير لبنان، أيّها الأخوة والأخوات الأحبّاء؛

عندما فقدت المرأة المنزوفة كلّ آمالها بالشّفاء بقوّة الطّبّ، وقد أنفقت كلّ أموالها، بقيَ إيمانها فقط بيسوع. ويئيروس عندما بلغه خبر وفاة ابنته، بقيَ إيمانه بالرّبّ الّذي قال له: "إذا آمنت فإنّ ابنتك ستحيا". إنجيل اليوم هو إنجيل الإيمان، إيمان التّحدّي.

يسعدني مع سيادة المطران بولس مطر ورئيس عامّ جمعيّة المرسلين اللّبنانيّين الأب مالك بو طانوس أن أحيّيكم جميعًا. أحيّي سيادة المطران فرانس شارل ومن خلاله نيافة الكاردينال شونبورن وأشكره على حضوره معنا اليوم وعلى كلمته اللّطيفة. أحيّي كاهن رعيّتنا المارونيّة وكلّ الكهنة الحاضرين وكّل رعاة أابناء كنائسنا المشرقيّة، وأشكر كلّ الحاضرين معنا اليوم والغائبين على خدمتهم الرّعويّة لأبناء الجالية القادمة من الشّرق، أحيّي كلّ الآتين من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق ومصر ومن قبرص أو من أيّ مكان آخر من شرقنا الحبيب. وتحيّة كبيرة لسعادة سفير لبنان الجديد وأتمنّى له التّوفيق في خدمته، ومن خلاله أحيّي كلّ طاقم السّفارة اللّبنانيّة.

يسعدني أن أحتفل معكم اليوم بالقدّاس وقد أتيت إلى فيينا للمشاركة في مؤتمر الحوار بين الأديان في مركز الملك عبدالله، وفي هذا المؤتمر سوف نلتقي مسيحيّين ومسلمين لأنّنا بحاجة أن نقول للشّرق والغرب وللجميع إنّ الدّين ليس مصدر الإرهاب، الّدين هو مصدر السّلام، وإنّ كلّ الّذين يحاربون أو يمارسون العنف باسم الدّين أو باسم الله هم أدوات لحركات سياسيّة تستخدمهم من أجل خلق الصّراع بين الأديان والثّقافات والحضارات، وبالطبّع سوف نقول كلمتنا سويًّا وندين كلّ عنف باسم الدّين وباسم الله.

إنّ كلّ البشر أخوة، كلّنا أبناء الله، لذلك كلّنا مدعوّين لأن نبني معًا العائلة البشريّة وأن نحترم بعضنا البعض على اختلافنا وتنوّعنا. سوف نذكر معكم في صلاتنا أوطاننا المشرقيّة ونصلّي من أجل الاستقرار ونهاية الحروب وإحلال السّلام وعودة كلّ المهجّرين والنّازحين والمخطوفين إلى ديارهم.

يساعدنا إنجيل اليوم على أن نحيي في قلوبنا الإيمان بيسوع المسيح. سمعتم في الإنجيل أنّ المرأة المنزوفة منذ اثنتي عشرة سنة، فقدت كلّ أملها وأنفقت كلّ أموالها والطّبّ عاجز عن شفائها، لم بيق لها أيّ رجاء بالشّفاء غير إيمانها بيسوع المسيح، وآمنت أنّها ستشفى إذا تمكّنت من لمس طرف رداء يسوع المسيح، وهذا ما حدث. لم تطلب شيئًا ولم تتكلّم، إيمانها كان صامتًا وقد عبرّت عنه بلمس ثوب يسوع فقط، أي أنّ الرّبّ يسوع يعلم كلّ مشاكلنا الدّاخليّة وهمومنا وأوجاعنا ويكفي أن نلجأ إليه. أراد يسوع أن يعلن للعالم أهمّيّة الإيمان عندما سأل من لمسني، لكي يقول للعالم كلّه ولكلّ فرد منّا بنوع خاصّ إنّ الآمال لا تخيّب والرّجاء لا يموت طالما أنّ هناك إيمان بيسوع المسيح. نحن نعاني اليوم من نزيف القتل والخراب، والدّمار والتّهجير، نزيف القيم ونزيف أخلاق الإنسانيّة. والمسيح وحده، إذا آمنّا به ولجأنا إليه، قادر على شفاء كلّ أنواع النّزف وبخاصة نزيف قلوبنا في المشرق. ويئيروس الّذي قالوا له إنّ ابنتك قد ماتت، لكي لا يرهق يسوع بالذّهاب إلى منزله، قال له يسوع لا تخاف، يكفي أن تؤمن لكي تحيا ابنتك. لقد آمن يئيروس، ويسوع أقام ابنته من الموت. "

وختم الكاردينال الرّاعي: "نصلّي اللّيلة، وأنتم بمعظمكم هجرتم أوطانكم لأنّ الحرب والمشاكل قد قتلت فيكم كلّ أمل، لكي نجدّد اليوم إيماننا بيسوع المسيح لكي نلتمس نهاية الحرب وإحلال السّلام وعودة الجميع إلى أوطانهم وتاريخهم وحضارتهم وثقافتهم، نعم، يجب أن نقول للرّبّ نحن نؤمن ولكن زدنا إيمانًا، نحن أبناء الرّجاء وليس أبناء اليأس، نحن أبناء الشّجاعة وليس أبناء الخوف، نحن جماعة سلام وليس جماعة حرب.

نجدّد إيماننا اليوم ونرفع نشيد الشّكر والتّسبيح للآب والابن الآن وإلى الأبد، آمين."

بعد القدّاس، التقى البطريرك الرّاعي بالمؤمنين في صالون الكنيسة واطّلع على أوضاعهم الرّوحيّة والرّاعويّة والاجتماعيّة مشدّدًا على ضرورة محافظتهم على تراثات كنائسهم وطقوسها وعلى تقاليدهم كما وعلى ارتباطهم بأوطانهم والتّمّسّك بإرادة العودة إليها من أجل شهادتهم ورسالتهم فيها.