البطريرك الرّاعي: لا ولاء عند الموارنة إلّا للبنان
وقد استهلّ كلمته موجّهًا التّحيّة لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، راعي الاحتفال، "الّذي ينتمي إلى الطّائفة المارونيّة بموجب الميثاق الوطنيّ والدّستور، لكنّه رئيس الدّولة وكلّ لبنان وكلّ الشّعب اللّبنانيّ"، مشيرًا إلى أنّه "مارونيّ، لكنه ليس من أجل الموارنة، بل من أجل كل اللّبنانيّين، وهو مؤتمن على استقلال كلّ لبنان ووحدته وسيادته وسلامة أراضيه".
وقال: "رئيس الجمهوريّة مارونيّ باتّفاق اللّبنانيّين، لأنّه سليل الموارنة الّذين بنوا تاريخهم على أرض لبنان، فتماهى تاريخهم بتاريخ هذا الوطن، سقوه بدمائهم وعرق جبينهم، ولم يشاؤه يومًا وطنًا لهم بل أرادوه للجميع، وما زالوا على هذه الإرادة لكنّهم لن يقبلوا لا اليوم ولا أمس ولا غدًا، بأن تحتكره أو تتحكّم به وبمصيره ودولته وشعبه أيّة فئة أو طائفة دون سواها. وعندما تكون محاولات من هذا النّوع يضعف لبنان في كيانه ومؤسّساته واقتصاده".
ثمّ تحدّث البطريرك الرّاعي عن مسؤوليّة الرابطة المارونيّة فقال: "هي مدعوّة إلى أن تعمل جاهدة من أجل شدّ أواصر وحدة الموارنة كانطلاقة من أجل بناء الوحدة الوطنيّة كاملة، فتعيش اسمها كرابطة، ما يقتضي أن تكون محرّرة من كلّ لون سياسيّ لكي تكون مع الجميع وللجميع وهكذا تتناغم مع نهج الكرسيّ البطريركيّ، أن تدافع بكلّ قواها عن أرض لبنان لإعادة النّظر بقانون تمليك الأجانب والمحافظة على كلّ شبر من أرض لبنان للّبنانيّين، أن تدافع عن هويّة لبنان وثقافته وحضارته برفض التّفريط بالإقامة والجنسيّة والتّوطين، لا يكافأ من الأسرة الدّوليّة، لبنان المضيف للإخوة الفلسطينيّين والسّوريّين بحمل كلّ العبء الاقتصاديّ والأمنيّ والثّقافيّ والاجتماعيّ، فيما الأسرة الدّوليّة تغسل أيديها وتمعن في إشعال نار الحروب والمتاجرة بأسلحتهم وتجربة قدراتها بشعوب هذه المنطقة، ولا توجد على الشّفاه كلمة سلام.
نحن مدعوّون لنطالب لهذه الأرض المشرقيّة بالسّلام وهو من حقّها، فالحرب ليست طريقًا إلى السّلام، ولم تكن يومًا طريقًا إليه. يجب أن تبذل الرّابطة المارونيّة كلّ الجهود لحماية العيش المشترك المسيحيّ الإسلاميّ بالاحترام المتبادل والتّعاون المخلص، والمشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة واحترام الحضور في المناطق، وتجنّب كلّ ما يثير الحساسيّات ويفقد الثّقة ويزعزع النّوايا، وأن تناضل الرّابطة من أجل المحافظة على المال العامّ ومكافحة الفساد المستشري الّذي يعبث بمال الخزينة سرقة ورشوة وهدرًا وعمولات وتقاسم أرباح في المشاريع العامّة.
أجل، هذا هو دور الرّابطة المارونيّة، وهي مدعوّة لهذا الدّور وإلّا فقدت مبرّر وجودها".
وكانت كلمة لرئيس الرّابطة النّقيب أنطوان قليموس كلمة قال فيها: "يحلّ العشاء التّقليديّ الّذي تنظّمه الرّابطة المارونيّة كلّ عام، ولبنان على عتبة استحقاقات مصيريّة قد يتوقّف عليها مستقبله في طالع الأيّام، انتخابات نيابيّة تجري على أساس قانون جديد لا يمكن الحكم عليه قبل صدور النّتائج، وتحليل ما سيحدثه من تحوّلات على الأرض، ومعرفة الوجوه الّتي سيحملها إلى المجلس النّيابيّ، وضع اقتصاديّ وماليّ بالغ الخطورة والتّعقيد، يهدّد بالانهيار الشّامل إذا لم يجر تداركه بتدابير جذريّة تبقى على مرارة مذاقها، أرحم من الأورام الخبيثة الّتي تتوثب لسلب ما تبقّى في جسم الوطن المنهك من قدرة على إعادة النّهوض، فساد مستشر ينهش إدارات الدّولة ويستنزف ضرع الخزانة العامّة نسمع كلامًا كثيرًا عن مكافحته، لكنّنا نصدم باستمراره ثابتًا وإصراره على الإطلالة بألف وجه وصيغة، وكأنّه بات قدر لبنان هجرة دائمة للأدمغة والطّاقات تقود المجتمع إلى شيخوخة محتّمة".
أضاف: "ليست صورة سوداويّة ما أطرح، لكن واقعيّة، ومن منطلق مسؤوليّتي في الرّابطة المارونيّة وهي رابطة الموارنة جميعًا، بما تضمّ من هامات وقامات، وتزخر من إمكانات وطاقات، أرى أنّ الواجب يدفعني إلى الإضاءة على هذه الأخطار لا الاستسلام لها، والرّضوخ لتداعياتها المحتملة والانصياع لمشيئة المسبّبين لها، بل للتّفكير في كيفيّة الخروج منها والحدّ من الأضرار المتفاقمة والعمل على تطويقها قبل فوات الآوان".
وتابع: "لقد تعب اللّبنانيّون عمومًا، والمسيحيّون خصوصًا، من عيش حالة القلق الدّائم على المصير والهويّة، بدلاً من عيش حال الاسترخاء وانتظار مستقبل مشرق لهم ولأولادهم. ففي حالة القلق، علينا أن نفرّق بين القلق المكبّل الآسر، وبين القلق المثمر والقلق المستهلك، بين القلق الإيجابيّ والقلق السّلبيّ، بين قلق المرتعد وقلق القائد".
ورأى "أنّ التّطوّر الحقيقيّ القادر على صنع المستقبل المشرق، يحتاج أوّلاً إلى الإيمان بقضيّة ومثل أعلى، وإلى زعيم ملهم وملهم، وإلى كوادر قدوة في الدّيناميّة وروح المبادرة وحسن المسؤوليّة وتجانس القول والفعل لديهم"، لافتًا "إلى أنّ التّاريخ صراع إرادات، لكن ليس الإرادات المعلّقة في الهواء أو العائمة في فراغ، بل الإرادات الواعية الفاعلة".
وقال: "من الواجب علينا الإبقاء على روح المجابهة حيّة لدينا، لأنّ تحدّيات الحياة والعصر والزّمن الّذي نعيشه تتطلّب الاستجابة أحيانًا لروح المجازفة المحسوبة، لا التّسليم بالأمر الواقع. فالحقّ الّذي لا تدعمه قوّة مآله إلى زوال، وأن القوة غير المستندة إلى الحق مصيرها إلى التلاشي مهما طال الزمن، لذا علينا بناء القوة الوطنية والارتقاء بها إلى أصالة الحق بحيث تستطيع حمايته والدفاع عنه في التصدي لجميع التحديات".
واعلن: "إلى جانب كونها أول من دق ناقوس الخطر بالنسبة لتداعيات النزوح السوري ورصدها للخلل اللاحق في حقوق المسيحيين في إدارات الدولة، ومواجهة الإفتئات على هذه الحقوق، قدمت الرابطة المارونية من خلال حس المسؤولية لديها تجاه من تمثل، وتجاه المجتمع اللبناني بمجمله مشروع قانون انتخابي، يحسن التمثيل بالمطلق ويحصن التمثيل المسيحي ويفعله، ويرفع بعض الغبن الذي حل به جراء القوانين المتعاقبة، إلا أن الأفرقاء والسياسيين لم يروا فيه مصلحتهم، فكان القانون الذي نحن بصدده، والذي تنافس البعض على أبوته، فيما تهرب البعض الآخر من هذه الأبوة، إلا أننا، ومن أجل نقل الوضع السياسي من مرحلة الجمود قبلنا به، على أمل أن يخرجنا من بعض القلق، وأن يحقق بعض التغيير في الطبقة السياسية".
وقال: "على هذا الأساس، نناشد الناخب اللبناني عمومًا والمسيحي خصوصا والماروني تحديدًا، أن يعي المسؤولية التاريخية التي يحملها هذا الاستحقاق، فإما حياة متجددة أو تعفن قاتل، وعهدنا أننا أبناء الحياة لا حدود لطموحنا، ولا سدود دون إبداعنا. فلنجتهد ليحمل هذا الإستحقاق تحريرًا لإرادتنا من أي قيد هامشي أو نزوة عابرة، وصولاً إلى ما تطمح إليه نفوسنا الكبيرة من تغيير نوعي، يؤسس للوطن القوي المشرق بعقول أبنائه والشامخ بأرزه".
اضاف: "أما بالنسبة إلى المرشحين لهذه الانتخابات، فإننا على يقين بأنهم مدركون للمسؤوليات الجسام التي تنتظرهم في ما لو وصلوا إلى الندوة النيابية التي اشتاقت للمحاسبة والتشريع المواكب لحاجات الوطن. ولي ملء الثقة بنية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وإرادته في تذليل الصعاب، وإزالة المعوقات التي تحول حتى الساعة دون قيام دولة القانون والمؤسسات التركة ثقيلة والعمل شاق"، مؤكدًا ان "تعاون أركان الدولة جميعا واجب، والابتعاد عن التجاذبات والمناورات من الأولويات التي توفر المناخات المطلوبة لمسيرة الإصلاح الجذري لإعادة الأمل والثقة إلى اللبنانيين جميعا، وان أي تأخير على هذا الصعيد سيؤدي إلى إنهيار هيكل الوطن على رؤوس أبنائه جميعًا بدون استثناء أو تمييز، وعندها سنبكي كلنا لبنان الذي لم نعرف أن نحافظ عليه كما يحافظ البررة على أوطانهم".
وقال:"اما الوضع الماروني، واستطرادًا المسيحي الذي تتربص به الأخطار وتحوطه التحديات من كل صوب، لا بد من التصدي له بما يستحق من عناية واهتمام، وهو مسؤولية الكنيسة اولا بكل مؤسساتها وهيئاتها والرابطة منها، وكذلك مسؤولية كل الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية. والمطلوب اليوم، قبل الغد، المبادرة إلى مؤتمر دائم تحشد له كل الإمكانات من أجل بحث كيفية صون الوجود المسيحي في لبنان وتجذيره، والآليات المفضية إلى هذا الغرض وطنيا اجتماعيا تربويا اقتصاديا لصوغ إستراتيجية واضحة، قابلة للتطبيق والحياة، وان الرابطة المارونية جاهزة للمساعدة على تحقيق مثل هذا الأمر".
واكد قليموس "التزام الرابطة المارونية برئاسة الجمهورية رمز الشرعية اللبنانية وصمام وحدة الوطن أرضا وشعبا، كما تعلن الرابطة إيمانها ببكركي التي أعطيت مجد لبنان، وهي مرجعية مسيحيي الشرق قاطبة، وليس الموارنة فحسب، وتقف إلى جانب سيدها البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على خط المواجهة لدرء ما يتهدد وجودنا من مخاطر، وتثمن ما يقوم به في الداخل والخارج لمواجهة الصعاب ونقل الوطن إلى منطقة الأمان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".
وختم متوجهًا إلى اللبنانيين والمسيحيين والموارنة: "نحن في زمن القيامة وهي آتية".