لبنان
10 كانون الثاني 2018, 11:10

البطريرك الرّاعي في التّنشئة المسيحيّة: أربع خطوات في معرفة يسوع

مع اقتراب الأحد الثّاني من زمن الدّنح، ألقى البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي التّنشئة المسيحيّة، عارضًا أربع خطوات في معرفة يسوع، فقال:

 

"في زمن الدّنح أو الظّهور، يوحنّا المعمدان يُظهر "وجه يسوع أنّه "حمل الله". هذه الشّهادة تقتضي منّا أربع خطوات: معرفة يسوع، اتّباعه، اكتشاف خطايانا الشّخصيّة والتماس غفرانه، إعلان بشارته. إنّ "الدنح" أيّ الظّهور الإلهيّ يتواصل على أيدينا عبر التّاريخ."

وانطلق في تنشئته من إنجيل القدّيس يوحنّا 1: 35-42 والّذي جاء فيه:

"في الغَدِ أَيْضًا كَانَ يُوحَنَّا وَاقِفًا هُوَ واثْنَانِ مِنْ تَلاميذِهِ. ورَأَى يَسُوعَ مَارًّا فَحَدَّقَ إِليهِ وقَال: «هَا هُوَ حَمَلُ الله». وسَمِعَ التِلْمِيذَانِ كَلامَهُ، فَتَبِعَا يَسُوع. والتَفَتَ يَسُوع، فرَآهُمَا يَتْبَعَانِهِ، فَقَالَ لَهُمَا: «مَاذَا تَطْلُبَان؟» قَالا لَهُ: «رَابِّي، أَي يا مُعَلِّم، أَيْنَ تُقِيم؟». قالَ لَهُمَا: «تَعَالَيَا وانْظُرَا». فَذَهَبَا ونَظَرَا أَيْنَ يُقِيم. وأَقَامَا عِنْدَهُ ذلِكَ اليَوم، وكَانَتِ السَاعَةُ نَحْوَ الرَابِعَةِ بَعْدَ الظُهر. وكَانَ أَنْدرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ أَحَدَ التِلمِيذَيْن، اللَذَيْنِ سَمِعَا كَلامَ يُوحَنَّا وتَبِعَا يَسُوع. ولَقِيَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَان، فَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا مَشيحَا، أَي المَسِيح». وجَاءَ بِهِ إِلى يَسُوع، فَحَدَّقَ يَسُوعُ إِليهِ وقَال: «أَنْتَ هُوَ سِمْعَانُ بْنُ يُونا، أَنتَ سَتُدعى كيفا، أَي بُطرُسَ الصَخْرَة»."

 

 وتابع شارحًا:

"1. في مطلع اليوم الثّالث بعد يوم معموديّة يسوع على يد يوحنّا، وقد "ظهر" فيها سرُّ الثّالوث القدّوس، وسرّ يسوع المسيح الأقنوم الثّاني المعروف بابن الله. رأى يوحنّا يسوع مارًّا فشهد أمام تلميذَيه و"أظهر" شخصيّته أنّه "حمل الله".

لقد عرف يسوع على حقيقته، وعرف رسالته الخلاصيّة: إنّه الفادي الإلهيّ الّذي يقدّم ذاته، بل يقدّمه الآب، ذبيحة فداء عن خطايا جميع البشر. هذا ما يعنيه أنّ يسوع هو حمل الله. كلمة  "حمل" تعيدنا إلى الفصح اليهوديّ، الّذي فيه يُذبح حمل الفصح، علامة العهد الّذي قطعه الرّبّ مع شعبه على جبل سيناء. يعلن يوحنّا أنّ مع يسوع يبدأ "العهد الجديد" الّذي هو "عهد الله". فيسوع هو "حمل الله"، وليس مجرّد "حمل الفصح"، أو "حمل فلان" أو "حمل العائلة الفلانيّة". كانت العادة اليهوديّة أن يسمّى حمل الفصح باسم العائلة الّتي تذبحه. كان الحمل الفصحيّ يُذبح في الهيكل على يد الكهنة، فيأتي الجميع معهم حملانهم للذّبح من أجل إقامة عشاء الفصح. لذلك كان الكاهن يذبح ثمّ ينادي على صاحب الذّبيحة ليأتي ويأخذها، من هنا أتت عادة تسمية الحمل: "حمل فلان" أو حمل العائلة الفلانيّة".

أمّا يسوع فهو "حمل الله"، اختاره الآب ليمثّله وليتمّم باسمه العهد الجديد. غريب أن يقدّم الرّبّ نفسه حملاً للفصح. قول يوحنّا يعني أنّ العهد الأوّل، الّذي كان الإنسان يقطعه مع الله على شكل ذبيحة الحمل، لم ينجح، بسبب ضعف الإنسان وخطيئته. فيتدخّل الله شخصيًّا، ليقيم هو هذا العهد بذاته، وبابنه الوحيد. وهكذا يأخذ الله دور الإنسان ليعوّض عن ضعفه وليحمل خطيئته، مانحًا إيّاه عهدًا إلهيًّا أبديًّا لا يزول؛ إذ ليس في الله خطيئة قادرة على نقض هذا العهد. يسوع هو الحمل الطّاهر الّذي لا عيب فيه. من هنا نفهم أنّ خلاصنا الآن صار خلاصًا مجّانيًّا، لا يكلّف الإنسان سوى أن يقبله وأن يلتزم به. وقد حقّقه الله بذبيحة ابنه الفصحيّة الخلاصيّة. فما علينا إلاّ أن نأكل هذا الفصح الإلهيّ لخلاص نفوسنا.

2. هذه المعرفة حملت تلميذي يوحنّا على اتّباع يسوع: "فلمّا سمعا كلام يوحنّا تبعا يسوع"(يو1: 37). إنّ لفظة فعل "سمع" في الكتاب المقدّس تعني أيضًا "أطاع". تمامًا كما نقول في لهجاتنا المحكيّة "سْمِاع الكِلمه"، أيّ "أطع ما أقول". هذا ما فعله التّلميذان: سمعا وأطاعا وتبعا يسوع. ولكن نفهم أنّ ما أعلنه يوحنّا انطوى على توجيه خلاصيّ. هذا ما يميّز فعلاً البشارة المسيحيّة. ليست مجرّد أفكار فلسفيّة أو إيديولوجيّات ما ورائيّة. بل هي "نهج حياة" و"طريق نحو الملكوت".

تبعا يسوع. بالرّغم من أنّهما "تلميذان ليوحنّا". لقد قبلا التّخلّي عن معلّمهما ليتبعا معلّمًا جديدًا وأساسيًّا هيّأ يوحنّا الدّرب إليه "كسابق". من هنا نكتشف مدى تجرّد يوحنّا. فهو لم يتمسّك بشيء لنفسه. بل هو يعرف ويُعلن أنّ كلّ شيء هو لله. أمّا نحن، فيصعب علينا أحيانًا التّخلّي عن مركز من أجل الله، "حتّى عن مركز في أخويّة أو في لجنة وقف، أو عن مركز مدنيّ، من أجل المصلحة العامّة.

نكتشف كيف علّم يوحنّا تلاميذه، منذ اللّحظة الأولى، أن يبحثوا عن المسيح ليتبعوه. لم يعلّمهما الالتزام بالجماعة الّتي ينتمون إليها، وكأنّها "هي الخلاص". رغم أنّ يوحنّا هو من جماعة قمران، وأرسلته الجماعة ليأتيها بأعضاء جدد، إلاّ أنّ يوحنّا بشّر بخلاص الله لا "بقمران" كغاية للخلاص.

للأسف يقع بعضنا في خطيئة "تأليه" المؤسّسة. فيدافع عنها حتّى ولو على حساب الله. نجد اليوم أشكالاً جديدةً من الوثنيّة، نعبد من خلالها أشياء كثيرة دون الله: نعبد مثلًا الزّعيم، مقتنعين أنّه هو مَن سيخلّصنا؛ ويتمسّك الكاهن بمنصبه أكثر ممّا يتمسّك بالرّبّ؛ والرّاهب برهبنته أكثر ممّا يتمسّك بالكنيسة. المؤمن الحقيقيّ هو من يترك دومًا حقائب قلبه موضّبةً، استعدادًا للرّحيل خلف نداءات الله له.

3. اتّباع يسوع فعل إيمان والتزام بشخص يسوع والتّوق لأن يصبح جزءًا من حياتنا وشريكًا في كلّ قراراتنا. لقد عبّر الأنبياء بشكل دائم عن الإيمان على أنّه "زواج" بين الإنسان والله. فكما يتشارك الزّوجان في كلّ شيء، في الحياة والقرار واللّقمة وتربية الأولاد، هكذا أيضًا يتشارك المؤمن مع الرّبّ في كلّ شيء، عبر استشارته وتلمّس إرادته والاتّكال عليه في تأمين لقمة العيش وفي كلّ مستلزمات الحياة. فالله أضحى في صميم حياتنا.

اتّباع يسوع إقرار بقدرته على خلاصنا الّذي نلتمسه منه في كلّ حين. واتّباعه يقتضي أنّ نتبعه خطوة خطوة، في مسيرة تبدأ ولا تنهي، نصغي فيها لكلام الله وإيحاءاته.

4. المسيح الّذي أتى من السّماء وصار إنسانًا وسكن بيننا، ينتظر منا خطوة نحوه. تلميذا يوحنّا تبعاه. وإذ رآهما يتبعانه بدأ حواره معهما: "ماذا تطلبان؟" دورنا أن نقوم بخطوة أولى صوبه، فيلتفت إلينا. إنّه يحترم حرّيتنا وقرارنا. وعلينا نحن أيضًا أن نتصرّف كذلك مع غيرنا عندما نحمل إليهم بشرى المسيح. وفي كلّ حال مثال الحياة يجتذب أكثر من الكلام. سألهما يسوع حالًا عن الهدف من اتّباعه. هذا مطروح على كلّ مسيحيّ وكاهن وراهب وراهبة وكلّ صاحب مسؤوليّة عامّة! ما الهدف من دعوتك وحالتك ومسؤوليّتك؟ إنّه سؤال أساسيّ!

أجاب التّلميذان: "يا معلّم، أين تقيم؟" (الآية 38). وكان جوابه: "تعاليا وانظرا". سألاه عن مكان إقامته". إنّه قرار ملازمته، والبقاء معه، ومشاركته في رسالته. لقد أدركا بالحدس أنّ في الإقامة معه مصدر السّعادة والفرح وملء الحياة.

5. تعلّمنا الإقامة مع المسيح أنّ الإيمان الحقيقيّ ليس "ظرفيًّا" بل هو "إقامة" أيّ بقاء دائم. كثيرون يعيشون إيمانهم "من وقت إلى آخر": قدّاس يوم الأحد. أمّا باقي الأسبوع فمصالح غير شرعيّة وتصرّفات غير مسيحيّة. يشبّه الآباء الرّوحيّون هذا الوضع بأن يكوّن الإنسان حياته على شكل "جوارير"، منفصلة عن بعضها: نفتح جارور الصّلاة، وعندما ننتهي، نقفله. ثمّ نفتح جارور التّجارة والأعمال، مع تطبيق مفاهيم أخرى، كالغشّ والمكسب غير المشروع. ربّما هذا ما يعنيه المَثَل الشّعبيّ: "ساعة إلك وساعة لربّك". أمّا الحقيقة فهي أنّ الحياة كلّها لله، إنّ في الصّلاة أم في العمل أم في العائلة، وحتّى في أوقات التّسلية. فالرّبّ يريدنا دومًا أن نكون فرحين، إنّما بالفرح المسيحيّ الّذي يحترم بشكل دائم مبادئ الضّمير والشّرائع الإلهيّة.

6. بجواب يسوع "تعاليا وانظرا"، إنّما دعاهما ليختبرا بنفسيهما أين يقيم، وكيفيّة الإقامة معه. فالعلاقة مع يسوع هي أساسًا "اختبار" أقوم به بنفسي؛ لا يمكن شرحه. كثيرون يأتوننا قائلين: "أقنعونا بالله وبضرورة الإيمان حتّى نؤمن". ونبدأ نحن بشرح إيماننا والإدلاء بشهادات الحياة ونقدّم لهم ما نعتقد أنّه براهين للإيمان. ولكن في الغالب نفشل ولا نجد أيّة نتيجة لهذا الجهد. ذلك لأنّ الإيمان هو "اختبار"، وعلى السّائل أن يقوم به "شخصيًّا". جوابنا يجب أن يكون كجواب يسوع: "تعال وانظر". تعال إلى الرّعيّة وانظر. تعال إلى الحركة الرّسوليّة وانظر. تعال إلى رياضة روحيّة وانظر. إن أفادك الأمر تبقى وإلاّ فتبحث عن شيء آخر. الإيمان أمر عمليّ. نحن نقدّم اقتراحًا عمليًّا. وعلى الآخر أن يختبر بشكل عمليّ ما نقدّمه.

هذا الجواب يعطيه الرّبّ يسوع لكلّ مَن يسأله "ماذا يجب أن يصنع"؟ كيف يتصرّف؟" فيردّد له: "تعال وانظر". يجب أن أقوم بحركة نحو المسيح، وهو يلاقيني على الطّريق الّتي أسلكها، لأنّه ينظر إلى صدق القلب والنّوايا. ليس بابه مغلقًا، فقد فتح كلّ الأبواب بتجسّده وموته وقيامته. خلاصي بيدي لأنّ الله حقّقه وهيّأه لي منذ ألفَي سنة. والدّور الآن هو لي.

7. بعد أن "اقاما عنده ذلك اليوم" (الآية 39)، وعرفاه تمامًا وتجدّدا في حياتهما، عادا يخبران عنه. فأحدهما اندراوس حمل البشرى لأخيه سمعان-بطرس بما اكتشف من خبر مفرح:" لقد وجدنا "ماشيحا" أيّ المسيح! وجاء به إلى يسوع" (الآيات 40-42). لقد وجدا الكنز الخفيّ، المسيح المنتظر والموعود به من الأنبياء. كرّر اندراوس لأخيه بكلام آخر "تعال وانظر". ورافقه في طريقه إلى يسوع. المرافقة عنصر أساسيّ في حياتنا، وهي روحيّة لكي لا نضيّع الطّريق في إيماننا والتزامنا ودعوتنا في الحياة. وإنسانيّة، عاطفيّة لمَن هو حزين أو منبوذ أو مريض أو يتألّم من وحدة ووحشة. ومعنويّة لليائس والضّائع والفاقد معنى الحياة. في الحالات الزّواجيّة والعائليّة الصّعبة، يشدّد البابا فرنسيس، في إرشاده الرّسوليّ "فرح الحبّ" على المرافقة ويرسم خطواتها.

8. وكانت رابع خطوة في معرفة يسوع، الإقرار بالخطايا الشّخصيّة والتّحوّل في مسلك الحياة. هذا ما جرى لسمعان. فلمّا وصل مع أخيه اندراوس "حدّق يسوع إليه وقال: أنت سمعان بن يونا، أنت ستُدعى كيفا أي الصخرة – بطرس (الآية 42).

"حدّق" إليه مكتشفًا تاريخه ومكنونات قلبه، ورأى فيه مشروعًا لكنيسته ولبناء ملكوت الله. قال له: "أنت سمعان بن يونا". سمّاه باسمه واسم أبيه. الرّبّ يعرفنا بأسمائنا. وأختارنا منذ إنشاء العالم. قال له اسم أبيه، أيّ تاريخه وخطاياه. تدلّ الدّراسات التّاريخيّة على أنّ بطرس كان من أعضاء حزب الغيارى المسلّح، الّذي جابه الاحتلال الرّومانيّ بالسّلاح. نجح الغيارى مرارًا في مقاومتهم، إلّا أنّهم كثيرًا ما ارتكبوا جرائم باسم الدّفاع عن بلادهم. أصيب عدد كبير من الغيارى بالضّياع في مدى صدقيّة ما يقومون به. يريد يسوع أن يخبر بطرس أنّه يعرف وجعه ووجع عائلته وشعبه من الضّياع ومن تغلّب الشّرّ عليهم أحيانًا. يضع يده على الجرح. الرّبّ فاحص القلوب والكلى، لا يخفى عليه شيء. ولكنّه أيضًا يدعو كلاًّ منّا، مهما كنّا ومهما كان تاريخنا إلى أنّ نبدأ معه طريقًا جديدًا.

ويبدّل له اسمه، علامة الولادة الجديدة. يكفي أن نلتقي الرّبّ مرّةً واحدةً بصدق لنولد من جديد وتمحى بذلك كلّ خطايانا الماضية.

لم يمح له فقط خطاياه، بل سلّمه مهمّته في بناء الملكوت، وهي أن يكون صخرةً تبنى عليها الكنيسة. فلا حدّ لقدرة الرّبّ في أن يغيّر واقع أيّ منّا.

ثانيًا، اليوم العالميّ للمهاجرين واللّاجئين

في هذا الأحد 14 كانون الثّاني، تحتفل الكنيسة باليوم العالميّ للمهاجرين واللّاجئين. وجّه قداسة البابا فرنسيس كالعادة رسالة للمناسبة بموضوع: "استقبالُهم وحمايتهم، وتنميتُهم واندماجهم". وقد تناول قداستُه هذه النّقاط الأربع في رسالته ليوم السّلام العالميّ الّتي اختصرنا مضمونها في عظة الاحتفال بيوم السّلام على صعيد لبنان الأحد الماضي 7 كانون الثّاني. وكان عنوان تلك الرّسالة: "المهاجرون واللّاجئون: رجال ونساء يبحثون عن السّلام".

لكنّنا سنعود إلى رسالة البابا فرنسيس الخاصّة بالمهاجرين واللّاجئين في مناسبات أخرى، سواء في برنامج التّنشئة المسيحيّة أم في عظات الأحد.

ثالثًا، الإرشاد الرّسولي "فرح الحبّ"

نبدأ بنقل مضمون الفصل الرّابع وموضوعه: "الحبّ في الزواج".

لا يمكن تشجيع الزّوجَين في طريق الأمانة وهبة الذّات المتبادلة، من دون الدّفع بهما نحو النّموّ في الحبّ الزّوجيّ والعائليّ، وفي تدعيمه وتعميقه. في الواقع إنّ نعمة سرّ الزواج موجَّهة قبل أيّ شيء إلى البلوغ بحبّ الزّوجَين إلى كماله (الفقرة 89). يبدأ هذا الفصل بشرح معنى الحبّ وفقًا "لنشيد المحبّة" الّذي كتبه القدّيس بولس الرّسول إلى أهل كورنتس (راجع 1كور 13: 4-7). في هذا النّشيد يعدّد بولس الرّسول ثلاث عشرة صفة للحبّ.

 

المحبّة تصبر (الفقرتان 9-92).

الصّبر، بحسب اللّفظة اليونانية المستعملة من القدّيس بولس، يعني عدم التّسرّع في الغضب أمام صعوبات الحياة الزّوجيّة والعائليّة. وهذه صفة من صفات الله "البطيء عن الغضب" (خروج 34: 6؛ سفر العدد 14: 18)، والّذي يدعونا للتّشبّه به. إن الله يعطي مجالًا للتّوبة، ويُظهر قدرته في رحمته. صبر الله فعل رحمة نحو الخطأة، حيث يكشف قدرته الحقّة.

"أن نصبر" لا يعني القبول بسوء معاملتنا الدّائمة كأشياء، ولا قبول الاعتداءات الحسّية، بل يعني البطء عن الغضب، وإيجاد وسائل وسبل للعيش معًا، مع الاقتناع بأنّ الآخر يتمتّع بحقّ العيش على هذه الأرض إلى جانبي، كما هو. القدّيس بولس الرّسول يوصينا: "أَزيلوا من بينكم كلّ شراسة وسخط وغضب وشتيمة، وكلّ ما كان سوءًا" (أفسس 4: 31).

الحبّ يتضمّن دائمًا حسًّا عميقًا من التّعاطف الّذي يؤدّي إلى "قبول" الآخر كجزء من هذا العالم، حتّى عندما يتصرّف بطريقة مختلفة عمّا كنت أتمنّاه".

وفي الختام، رفع البطريرك الرّاعي الصّلاة قائلاً: "أيّها الربّ يسوع أنت كفّرت عن خطايانا وخطايا جميع النّاس بموتك وقيامتك، أعطنا نعمة الإقرار بها واللّجوء إليك بروح التّوبة ملتمسين من الكنيسة نعمة سرّ الاعتراف والمصالحة. ساعدْنا بأنوار روحك القدّوس على معرفتك الحقّة، وعلى اتّباعك في دروب الحياة، والشّهادة لك باختبارنا الشّخصيّ لفعل نعمتك فينا. فنرفع نشيد المجد والتّسبيح للآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".