لبنان
06 حزيران 2018, 07:38

البطريرك الرّاعي في افتتاح سينودس الأساقفة يحمل هموم لبنان في صلاته أرضًا وشعبًا

إفتتح البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي صباحًا في بكركي، الرّياضة الرّوحيّة السّنويّة لسينودس الأساقفة الموارنة، في كلمة قال فيها:

 

"يسعدني أن أرحّب بكم جميعًا في هذه الرّياضة السّنويّة، وكلمة الله تجمعنا وتنيرنا وتصحّح ما يلزم في مسار حياتنا الشّخصيّة وخدمتنا الرّاعويّة. يلقي علينا تأمّلاتها مشكورًا مرشد الرّياضة المونسنيور جورج أبي سعد، رئيس إكليريكيّة مار مارون البطريركيّة في غزير. إنّها أيّام صلاة تجمعنا حول مذبح الرّبّ، وتنعش حياتنا وكنيستنا. يسعدنا أن يشارك معنا فيها لأوّل مرّة سيادة أخينا الحبيس المطران شربل مرعي، مطران أبرشيّة مار شربل بونس آيرس السّابق، بعد دخوله محبسة مار أنطونيوس الكبير التّابعة لدير سيّدة طاميش للرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة. وقد تفرّغ للصّلاة من أجل الكنيسة والوطن وهذا المشرق والأبرشيّة الّتي خدمها مدّة ثلاث وعشرين سنة. ونرحّب بأخوينا المطرانين الجديدين سيمون فضّول مطران أبرشيّة سيّدة البشاره أيبادان لأفريقيا الغربيّة والوسطى، ويوحنّا رفيق الورشا المعاون والنّائب البطريركيّ المسؤول عن الدّائرة البطريركيّة ومكاتبها المختصّة.

 

يرافقنا بالصّلاة غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس، والسّادة المطارنة، الّذين لم يتمكّنوا من المشاركة الحسّيّة معنا بسبب أثقال الشّيخوخة. ويؤلمنا أن يغيب عنّا أخونا المثلّث الرّحمة المطران جورج اسكندر، مطران زحله سابقًا، الّذي انتقل إلى بيت الآب ظهر الثّلاثاء 15 أيّار الماضي وأقمنا صلاة المرافقة في كاتدرائيّة مار مارون– زحله بعد ظهر الجمعة 18 منه. ونصلّي الآن الأبانا والسّلام لراحة نفسه، ولكي يعوّض الله على كنيستنا برعاة صالحين.

 

ندخل أيّام الرّياضة الرّوحيّة الأربعة، استعدادًا لأسبوع سينودس كنيستنا المقدّس، حاملين بصلاتنا أبرشيّاتنا، إكليروسًا وعلمانيّين، وكلّ أبناء كنيستنا وبناتها، حيثما وُجدوا تحت كلّ سماء. نجتمع في وطننا الرّوحيّ الأم، لبنان، لنصلّي معًا حاملين همومه، أرضًا بالمحافظة عليها وعلى هوّيتنا؛ وشعبًا بحماية وحدته وثقافته وتأمين جنسيّته للمتحدّرين منه برباط الدّمّ؛ ومؤسّسات بتنقيتها من الفساد، فيما التّحدّيات السّياسيّة والاقتصاديّة والمعيشيّة كبيرة. نصلّي من أجل ولادة الحكومة الجديدة المنتظرة منذ تعيين رئيسها في 25 أيّار الماضي. الجميع في الدّاخل والخارج ينتظرها حكومة موصوفة، غير عاديّة، قادرة على إجراء الإصلاحات في الهيكليّات والقطاعات الّتي التزم بها لبنان في مؤتمر باريس –CEDRE المنعقد في 6 نيسان الماضي، وأُريدت هذه الإصلاحات "كشرط بدونه لا" للحصول على المساعدات الماليّة المقرّرة، من هبات وقروض ميسّرة.

 

ونحمل في صلاتنا المعضلة الكبرى الّتي تواجهها مدارسنا الكاثوليكيّة، كباقي المؤسّسات التّربويّة الخاصّة، من جرّاء القانون 46 الّذي أصدره المجلس النّيابيّ في شهر آب الماضي، وأوجب رفع الأجور والرّواتب بمبالغ ضخمة، بلغ مجموعها في السّنة الواحدة لـ1130 معلّمًا في مدارسنا ما يزيد على 118’000’000 دولار أميركيّ. هذه القيمة الضّخمة توجب حتمًا رفع الأقساط بقيمة مرموقة، يعجز أهالي التّلامذة عن تحمّلها، ولا تريد مدارسنا رفعها، إدراكًا منها لعدم قدرة هؤلاء، وقد أصبح ثلث الشّعب اللّبنانيّ تحت مستوى الفقر. هذا ما سيؤدّي إلى إقفال أبواب العديد من مدارسنا في السّنة المقبلة وما يليها، إذا لم تساعد الدّولة الأهالي على حمل هذا العبء، وهو واجب مزدوج عليها: أوّلاً، لأنّ المدرسة الخاصّة، كالرّسميّة، ذات منفعة عامّة؛ وثانيًا، لأنّ التّشريع يستوجب التّمويل. ولذا، يقع على مسؤوليّة الدّولة إقفال مدارسنا، وإضعاف التّعليم النّوعيّ، والقضاء على النّظام التّربويّ الخاصّ في لبنان.

 

ونصلّي أيضًا من أجل المواطنين الّذين ينتظرون من الدّولة ممارسة العدالة المدنيّة والعسكريّة، بالحقّ والعدل، لا بالظّلم والتّشفّي، بل بالقضاء المحرّر من التّدخّل السّياسيّ ومن الرّوح المذهبيّ والطّائفيّ. فلا يمكن القبول بالظّلم والاستبداد من خلال ممارسة القضاء. وهذا أمر لا يتماشى عندنا في لبنان مع النّظام الدّيموقراطيّ والعيش المشترك ومبدأ المساواة أمام القانون. ومعلوم أنّ ممارسة القضاء عمل يحكمه الضّمير المستنير، واستحضار الله.

 

ونحمل في صلاتنا بلدان الشّرق الأوسط الّتي ما زالت تعاني من الحروب والنّزاعات، الآخذة في الهدم والقتل والتّهجير، ملتمسين إيقافها وإيجاد الحلول السّياسيّة لها، وإحلال سلام عادل وشامل ودائم، وعودة جميع النّازحين واللّاجئين إليها بالسّرعة القصوى، حفاظًا على ممتلكاتهم وتاريخهم وثقافاتهم، وتخفيفًا عن الأعباء الّتي تعيشها البلدان المستضيفة، وفي مقدّمتها لبنان الّذي يرزح تحت أعباء أكثر من نصف سكّانه، الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والأمنيّة.

 

إنّ زمن الرّياضة الرّوحيّة هو زمن الرّوح القدس الّذي ينيرنا ويقدّسنا، وزمن الصّلاة الّتي ترفع عقولنا وقلوبنا إلى الله. وبالتّالي زمن التّجدّد في الإيمان والرّجاء والالتزام برسالتنا الرّاعويّة المقدّسة في قيادة شعبنا. بهذا الاستعداد نبدأ رياضتنا باسم الآب والابن والرّوح القدس، الإله الواحد، له المجد الآن وإلى الأبد، آمين".