الفاتيكان
21 أيلول 2016, 08:34

البطريرك الراعي من حاريصا في اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام: "إنّنا متعطّشون إلى هذا السلام بكلّ أبعاده"

ألقى البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي يوم أمس في اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام في مزار سيدة لبنان حريصا كلمة قال فيها:

 

"متعطِّشون إلى السلام" – أديان وثقافات في حوار

1. إنّنا نلبّي بين يدَي أمِّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان وسلطانة السلام، دعوة قداسة البابا فرنسيس لننضمَّ إليه في الصلاة من أجل السلام، فيما هو يقيمها مع رؤساء الأديان قرب ضريح القدّيس فرنسيس في أسيزي. وها اللّجنة الأسقفيّة عدالة وسلام، المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، تجمعنا في برنامج هذه الصلاة. فنشكر باسمكم رئيسها سيادة أخينا المطران شكرالله نبيل الحاج والأعضاء. ونحيِّي جميع المشاركين من مختلف الكنائس والمذاهب، وقد أتينا كلُّنا لنصلّي من أجل إحلال السلام في وطننا ومنطقة الشَّرق الأوسط، ولنلتزم بإحلال السلام حيث نحن، عملًا بقول السيّد المسيح: "طوبى لفاعلي السلام، فإنّهم أبناءَ الله يُدعَون" (متى 5: 9).

2. السلام هبةٌ من الله لكلّ كائن بشري، أُعطيت لنا بشخص المسيح ليلة ميلاده في بيت لحم. يشمل السلام كلّ ما يحتاج إليه كلّ واحد وواحدة منا من الخير، لكي يعيش في طمأنينة وكرامة واكتفاء وسعادة. والسلام هبة للجماعة البشرية، لكي تنعم بنظام هادئ سليم يؤمِّن الخير العامّ، ويعزِّز حقوق المواطنين وواجباتهم بالمساواة والتكامل والتضامن. والسلام في جوهره هو حالة كلّ شخص بشري يعيش بانسجام مع الله، مع ذاته، ومع الناس، ومع الطبيعة. من هذا السلام الداخلي نندفع لنبني السلام الخارجي (الكنيسة في الشرق الأوسط، 9).

إنّنا متعطّشون إلى هذا السلام بكلّ أبعاده. ساعدْنا يا إله السلام لقبوله وعيشه وصنعه.

3. يذكِّرنا القدّيس البابا يوحنا الثالث والعشرون، في الرسالة العامّة "سلام في الأرض"، أنّ السلام يُبنى كلَّ يوم على أسس أربعة: الحقيقة والعدالة والمحبة والحرية (الفقرة 89).

على هذه الاربعة ترتكز وتُنظَّم العلاقات بين الناس والجماعات السياسيّة. فالحقيقة تُقرّ مبدأ المساواة بين الجميع، بحكم كرامة الطبيعة البشريّة؛ والعدالة تُقرّ الحقوق والواجبات المتبادلة؛ والحرّيّة تُقرّ روح المسؤوليّة والمبادرة، فلا ظلم أو استبداد من أحد على الآخر؛والمحبّة تدعو إلى التضامن على مختلف الأصعدة: الإقتصاديّة والإجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة وسواها ممّا يختصّ بالحياة العامّة السليمة.

على هذه المرتكزات الأربعة ينبغي أن يُبنى الحوار بين الأديان والثقافات، لكي يكون إرثًا مشتركًا بين الجميع، ورسالة يلتزم بها الجميع.

4. من أهمّ مظاهر السلام، المصالحة التي بادرنا بها الله بيسوع المسيح. واعتبرها الربّ يسوع أسمى من أيّ فعل عبادة إذ قال: "إذهبْ أوّلاً، وصالحْ أخاك. ثمّ عُدْ وقدِّمْ قربانَك" (متى 5: 24).

المصالحة التزام تدريجي: تبدأ شخصيّة مع الله والذّات، لتصير مصالحة إجتماعيّة تُصلح العلاقات مع الأخصام ومع الذين في حالة فقر وحاجة، ثمّ لتُصبح مصالحة سياسيّة بين رجال السياسة، ومع العمل السياسي بحدّ ذاته كالتزام بتأمين الخير العام لجميع المواطنين، وتنتهي أخيرًا بمصالحة وطنيّة مقوِّماتها إحترام الدّستور والميثاق الوطني وصيغته التطبيقيّة.

دعاء

5. إليك نصلّي يا ربّ، يا إلهَ السلام، من أجل إحلال السّلام عندنا وفيما بيننا. نصلّي من أجل السلام في لبنان وبلدان الشّرق الأوسط. نصلّي إليك من أجل المصالحة بين الأفرقاء وحلّ النزاع السّياسي بشأن انتخاب رئيس للجمهوريّة وما يتّصل به؛ ومن أجل المصالحة في بلدان الشَّرق الأوسط وحلّ النزاعات وإيقاف الحروب المتعدِّدة الوجوه: بين دولةٍ ودولة، بين مذهبٍ ومذهب، بين منظّماتٍ إرهابيّة وأنظمة محلّيّة، بين معارضةٍ وحكم، بين ظلمٍ وحقوق.

ونسألك يا رب أن تمسَّ ضمائرَ الجميع، فيتحمّل كلُّ مسؤولٍ واجبه أمام الله والضمير الوطني والتاريخ، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيّدة لبنان، وسلطانة السلام، ممجِّدين ومسبِّحين الثالوث القدّوس الإله الواحد، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.