البابا: بدون محبّة يسوع القائم تصبح رحلة الحياة سيرًا بلا وجهة
وفي تفاصيل هذا التّعليم، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ التّعليم خلال هذه السّنة اليوبيليّة قد تطرّق حتّى الآن إلى حياة يسوع باتّباع الإنجيل، أيّ منذ ولادته حتّى موته ثمّ قيامته، وهكذا وجد حجّنا، حجّ الرّجاء، أساسه الرّاسخ وطريقه الأكيد. إنّ في هذا الجزء الأخير من المسيرة فإنّنا سنترك سرّ المسيح الّذي بلغ ذروته في القيامة يُخرج نور خلاصه في علاقة مع الواقع البشريّ والتّاريخيّ الحاليّ بما يطرح من تساؤلات وتحدّيات.
أحداث كثيرة تتألّف منها حياتنا والّتي تأخذ أشكالًا مختلفة، حيث نشعر أحيانًا بالفرح ومرّات أخرى بالحزن، أحيانًا بالرّضا ومرّات أخرى بكوننا متعَبين وفاقدي الهمّة. نعيش في تركيز على بلوغ نتائج وقد نسعى إلى أهداف رفيعة أيضًا، ولكنّنا نظلّ معلَّقين بانتظار نجاحات وتقديرات يتأخّر وصولها أو لا تصل على الإطلاق. إنّنا هكذا نختبر مفارقة حيث نريد أن نكون سعداء ولكن من الصّعب جدًّا النّجاح في هذا بشكل متواصل وبدون ظلال، فنحن نتعامل مع محدوديّاتنا ولكنّنا نكون من جهة أخرى مندفعين لمحاولة تجاوزها، ونشعر في النّهاية بأنّ شيئًا ما ينقصنا.
إنّنا قد خُلقنا لا للنّقص بل للكمال، للفرح بالحياة وبفيضها حسب تعبير يسوع (راجع يو ١٠، ١٠). إنّ هذا التّوق العنيق في قلوبنا يمكن أن يجد الرّدّ النّهائيّ لا في المناصب والسّلطة والامتلاك بل في اليقين بأنّ هناك مَن يضمن هذا التّوجّه المؤسِّس لإنسانيّتنا، في الوعي بأنّ هذا الانتظار لن يخيَّب أو يكون هباءً. إنّ اليقين يتطابق مع الرّجاء، ولا يعني هذا التّفكير بتفاؤل، فالتّفاؤل غالبًا ما يخيِّب بينما الرّجاء يعد ويحفظ الوعد.
المسيح القائم هو ضمان هذا، وهو مَن يسدّ العطش غير النّهائيّ للكمال الّذي ينشره الرّوح القدس في قلوبنا. إنّ قيامة المسيح ليست مجرّد حدث بسيط في تاريخ البشريّة بل هو الحدث الّذي غيّرها من الدّاخل."
بالتّالي، دعا البابا إلى التّفكير في ينبوع ماء وتساءل ما هي صفاته، وتابع لافتًا إلى أنّه "يسدّ عطش الخلائق وينعشها، يروي الأرض والنّباتات، ويجعل خصبًا ما كان له أن يكون قاحلًا، يمنح الرّاحة للسّائرين المتعَبين موفّرًا لهم واحة نضارة. الينبوع يبدو وكأنّه عطيّة مجّانيّة للطّبيعة والخلائق والكائنات البشريّة، وبدون ماء لا يمكن العيش.
إنّ الرّبّ القائم باعتباره الينبوع الحيّ الّذي لا يجفّ ولا يتبدّل، يظلّ دائمًا نقيًّا ومتوفّرًا لكلّ من يشعر بالعطش. وكلّما تذوّقنا سرّ الله، كلّما كنّا منجذبين إليه بدون أن يروى عطشنا بالكامل."
وهنا ذكّر الأب الأقدس بإشارة القدّيس أغسطينوس إلى هذا في كتابه "الاعترافات" حيث عبَّر عن هذا التّوق الّذي لا يخبو لقلوبنا من خلال نشيد الجمال الشّهير.
وأضاف: "لقد وفَّر يسوع بقيامته ينبوعًا دائمًا للحياة، فهو الحيّ (راجع رؤيا ١، ١٨)، مُحبّ الحياة والمنتصر على كلّ موت، ولهذا فهو قادر على أن يقدّم لنا إنعاشًا في المسيرة الأرضيّة وأن يضمن لنا الصّفاء التّامّ في الأبديّة. يسوع الّذي مات وقام هو وحده مَن يجيب على أعمق أسئلة قلوبنا: هل هناك بالفعل نقطة وصول لنا؟ هل هناك معنى لحياتنا؟ وكيف يمكن التّعويض عن معاناة أبرياء كُثر؟ إنّ يسوع القائم لا يُنزل إجابة من الأعلى بل يصير لنا رفيقًا في هذه الرّحلة الّتي غالبًا ما تكون شاقّة وأليمة وغامضة. هو فقط يمكنه أن يملأ إناءنا الفارغ حين يصبح عطشنا غير محتمَل. إنّ يسوع القائم هو نقطة الوصول لسيرنا، وبدون محبّته تصبح رحلة الحياة سيرًا بلا وجهة، خطأً مأساويًّا فُقد فيه الهدف.
نحن مخلوقات ضعيفة والخطأ هو جزء من إنسانيّتنا، وإنّ جرح الخطيئة يجعلنا نسقط ونتنازل ونيأس. أمّا القيامة فتعني النّهوض مجدّدًا والوقوف على أرجلنا. القائم يضمن المَرسى، يقودنا إلى البيت الّذي نحن فيه منتظَرون، محبوبون ومخلَّصون. إنّ القيام بهذه الرّحلة ويسوع بجانبنا يعني اختبار أن يكون هناك مَن يسندنا رغم كلّ شيء، أن يُروى عطشنا وأن نكون مدعومين، في الاختبارات والمشقّات والّتي وكما أحجار ثقيلة تهدّد بإعاقة تاريخنا وتغيير طريقه."
وأنهى البابا تعليمه الأسبوعيّ مؤكّدًا أنّه "من قيامة المسيح ينبع الرّجاء الّذي يجعلنا نستبق، رغم مشقّة الحياة، تذوّق هدوء عميق وفرِح، ذلك السّلام الّذي يمكن للمسيح فقط أن يهبه في النّهاية، بلا نهاية".
وخلال المقابلة العامّة، حيّا البابا المؤمنين المحتشدين في السّاحة الفاتيكانيّة، داعيًا إيّاهم إلى مواصلة الجهود بحماسة متجدّدة للأمانة للإنجيل، وأعرب عن الرّجاء أن يدفعهم الاكتشاف الجذّاب لحضور الرّبّ الحيّ، من خلال الإصغاء إلى كلمته وكسر الخبز، إلى تعميق الشّركة والتّعاون الرّعويّ في جماعاتهم وتجديد الاندفاع الّذي يجعلهم معلِنين للنّبأ السّارّ.