البطريرك الراعي في خميس الجسد - جونية : نصلّي من أجل إيقاف النزاعات المسلّحة والحروب
تحتفل الكنيسة اليوم بعيد القربان الأقدس، وتكرّم فيه ثلاثة: ذبيحة الصليب لفداء الجنس البشري، وتذكار موت المسيح وقيامته، ومائدة جسده ودمه، تحت شكلَي الخبز والخمر، التي ننال منها غفران الخطايا والحياة الجديدة. واعتادت الكنيسة، ومدينة جونيه، الاحتفال بالقربان المقدّس والتطواف به عبر الشوارع وبين المنازل مع محطّات عبادة وتبريك، من أجل تأدية شهادة عموميّة عن إيماننا بحضور الربّ يسوع بجسده ودمه السّريَّين في القربان المقدّس، وعن عبادتنا له وتكريمنا إيّاه. فهو في عشائه الفصحي الأخير، قبل آلامه وموته، أسّس ذبيحة القربان، محوِّلًا الخبز إلى جسده، والخمر إلى دمه، كتذكار لموته فداءً عن خطايانا، ولقيامته من أجل تقديسنا، وكمائدة روحيّة نتناول فيها الحياة الإلهية، قائلًا: "خذوا كلوا هذا هو جسدي يُبذلُ من أجلكم...خذوا اشربوا هذا هو دمي يُسفكُ من أجلكم" (لو22: 19-20). وأسّس سرّ الكهنوت من أجل استمرارية الذبيحة والتذكار والمائدة حتى نهاية العالم، قائلًا للرسل، كهنة العهد الجديد، ولرعاة الكنيسة من بعدهم، الأساقفة والكهنة: "إصنعوا هذا لذكري" (1كور11: 24-25).
يسعدنا أن نحتفل معكم، كفي كل سنة، بعيد القربان الأقدس هنا في باحة معهد الرسل والتطواف به في شوارع جونيه العزيزة، بعد أن اختار أبناؤها وبناتها الفريق الذي يتولّى إدارة شؤونها المدنيّة في المجلس البلدي والمجالس الاختيارية. إنّا نهنّئهم ونصلّي من أجلهم كي يقوموا بخدمتهم لخير المدينة، لنموِّها وازدهارها. ونشكر الله على الذين سبقوهم في الخدمة، راجين لهم خير مكافأة.
في التطواف الاحتفالي الإيماني، المسيح الربّ يبارك المدينة بجميع شوارعها ومنازلها. يبارك عائلاتها، كبارها وصغارها، المرضى والمسنِّين وكلّ ذوي حاجة. يبارك مؤسّساتها التربوية والاستشفائية، الاجتماعية والإنمائية، أديارها وكنائسها. فلنفتحْ عقولنا وإراداتنا وقلوبنا لقبول النعم التي يُغدقها المسيح من سرّ حضوره القرباني، فيما نسير وراءه، أو ننتظره في الشوارع، أو نتّحد به من بيوتنا، ومن مكان العمل، ومن فراش الألم، ومن حالة العجز والإعاقة.
فلنسبّحه ونمجّده ونشكره. نرفع صلاتنا إليه، بشفاعة أمّنا مريم العذراء، سيدة لبنان، ونحن على مشارف اختتام شهر ايار المخصّص لتكريمها، من أجل لبنان كي تتحمّل الكتل السياسية والنيابية مسؤوليّتها بانتخاب رئيس للجمهورية، بعد سنتين كاملتين من الفراغ في سدّة الرئاسة، وبتحرير المؤسّسات الدستورية من حالة الشَّلل، وإخراج البلاد من أزمتها الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية الخانقة. نصلّي من أجل إيقاف النزاعات المسلّحة والحروب في فلسطين والعراق وسوريا وسواها، وإيجاد حلول سياسية، وتوطيد أسس السلام العادل والشامل والدائم. نصلّي لراحة نفوس الأبرياء الذي يسقطون يوميًّا، ضحايا العنف والقصف والقتال، ولعزاء عائلاتهم، وشفاء الجرحى، وعودة النازحين واللاجئين والمخطوفين إلى أوطانهم وبيوتهم وممتلكاتهم.
كلّنا مدعوّون، في عيد القربان، لأن نستمدّ منه القوّة الروحية، وثقافة التقوى والوحدة والمحبة. ففي القربان نحن نكرِّم سرَّ التقوى، وعلامة الوحدة، ورباط المحبة. وهي فضائل ثلاث نلتمسها اليوم:
فضيلة التقوى، فيما نبتهل إليه: "يا سرّ التقوى". إنّها فضيلة الحياة الروحية التي نعيشها بالصلاة الشخصية أمام القربان أو في البيت، بحيث ندخل في علاقة حوار مع الله تارةً بصلوات شخصية وتارةً بالإصغاء الداخلي؛ تارةً بالتأمّل العقلي، وتارة بسماع المسيح يخاطبنا في قراءة الإنجيل. هذا كلّه بالإضافة إلى المشاركة في ليتورجيا الأحد وسائر الأفعال الليتورجية.
فضيلة الوحدة ونحن ننادي الربّ: "يا علامةَ الوحدة". إنّها فضيلة الدخول في شركة الاتِّحاد بالله، من خلال حالة النعمة والمحافظة على رسومه ووصاياه، ومن خلال محبّته فوق كلّ شيء؛ وفي شركة الوحدة مع جميع الناس باحترامهم والتعاون معهم بروح التضامن كمسؤولين الواحد عن الآخر.
وفضيلة المحبة، ونحن نبتهل إليه: "يا رباط المحبة". إنّها فضيلة مشاعر الحنان في قلب الإنسان التي تصدر عنها كلُّ الأعمال الصالحة والنقيّة. هي المحبة التي وصفها القدّيس بولس في رسالته الأولى إلى أهل كورنتس بأنّها "طويلة الروح: وتصبر وتغفر وتتفهّم؛ لا تحسد ولا تتباهى؛ لا تفكّر بالشّر ولا تغضب؛ تفرح بالحقّ، وتعيش في الرجاء، وتحتمل كلّ شيء؛ ترجو كلّ شيء وتصدّق كلّ شيء (1كور13: 4-7).
بهذه الروح وبهذه المقاصد نحتفل بعيد القربان المقدّس، ونطوف به في شوارع المدينة، ساجدين له وعابدين ورافعين كلّ مجد وتسبيح وشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
وفي ختام الذبيحة، أقيم تطواف بالقربان المقدس عبر الشوارع وبين المنازل مع محطّات عبادة وتبريك.
الصور بعدسة الزميل منير ابراهيم جبر