مصر
15 أيار 2020, 05:55

البطريرك إسحق: اليوم هو زمن إعادة تصويب الطّريق وترتيب الأولويَّات

تيلي لوميار/ نورسات
لبّى بطريرك الإسكندريّة للأقباط الكاثوليك دعوة البابا فرنسيس وشيخ الأزهر أحمد الطّيّب، للصّوم والصّلاة وعمل الخير من أجل أن يرفع الرّبّ الوباء عن العام، فترأّس الصّلاة في كنيسة قلب يسوع- مصر الجديدة، وألقى كلمة للمناسبة توقّف فيها عند معنى هذه المبادرة مرورًا بوثيقة الأخوّة الإنسانيّة، متوّجًا إيّاها بصلاة، فقال بحسب "المتحدّث الرّسميّ للكنيسة الكاثوليكيّة بمصر":

"تضامنًا مع دعوة وتوصية قداسة البابا فرنسيس، ورسالة اللّجنة العليا للأخوَّة الإنسانيَّة، نجتمع معًا، لنعيش يومًا مكرَّسًا للصَّلاةِ والصَّومِ وأعمالِ المحبَّةِ، كلٌّ حسب اعتقاده وأسلوبه، من أجل أن يرفع الله تعالى هذا الوباء الَّذي اجتاح البشريَّة كلّها، وأن يُلهم العلماء ويوفَّقهم لاكتشاف الدَّواء المناسب للقضاء عليه، وأن ينقذ العالم من التّبعيّات الصّحّيَّة والاقتصاديَّة والسّياسيَّة جرّاء هذا الوباء الخطير.

1- معنى هذه المبادرة

هي دعوة إلى تضامن الإنسانيَّة ليس فقط على المستوى الاقتصاديّ والمادّيّ، وإنَّما على المستوى الرُّوحيّ خاصَّةً في هذه الأيَّام الَّتي نعيشُ فيها نحنُ المسيحيِّين زمن الخمسين المقدَّسة، ويعيشُ أخوتنا المسلمون شهر رمضان المبارك. الصَّومُ والصَّلاةُ أعمالُ المحبَّةِ هي أعمالٌ مشتركةٌ بين كلِّ أصحاب الأديان، وربّما أيضًا لبعض غير المؤمنين.

فالصَّلاة هي حضورٌ أمام الله المحبّ الرَّحوم والدِّخول معه في علاقة ومناجاة على المستوى الشَّخصيّ والجماعيّ، والصَّوم في جوهره ليس مجرَّد الامتناع عن الأكل والشُّرب، بل هو برٌّ وسلامٌ وفرحٌ في الرّوح القدس، كما يقول بولس الرّسول (رو14: 17)؛ وهو أيضًا اعترافٌ بأنَّ كلُّ ما ننالُه من خيرات هو نعمةٌ آتية من الله وهي لأجل الحياة الأفضل لنا ولإخوتنا في الإنسانيَّة كلِّها، وبواسطتها نسعى إلى ما غايتُه السَّلام والبنيان المتبادل. لذلك فالدَّعوة لا تشمل الصَّلاة والصَّوم فقط، بل تشمل أعمال المحبَّة الَّتي هي خروجٌ من الذَّات نحو الآخر ومشاركته فيما لدينا من مواهب وإمكانيّات على كلِّ المستويات.

2- وثيقة الأخوَّة الإنسانيَّة من أجل السَّلام العالميّ والعيش المشترك

جديرٌ بالذّكر أنَّ هذه الوثيقة هي خلاصة مبادرات ولقاءات من أصحاب الإرادة الصَّالحة، فمنذ أكثر من عام في 4 فبراير 2019، استضافت دولة الإمارات المؤتمر العالميّ للأخوَّة الإنسانيَّة بهدف تفعيل الحوار حول التَّعايش والتَّآخي بين البشر، والتَّصدّي للتّطرُّف الفكريّ وسلبيّاته وتعزيز العلاقات الإنسانيَّة وإرساء قواعد جديدة لها بين أهل الأديان والعقائد المتعدّدة، تقوم على احترام الاختلاف والتّكامل.

تزامن ذلك المؤتمر مع الزِّيارة المشتركة للإمام الأكبر الدّكتور أحمد الطّيّب شيخ الأزهر وقداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكيَّة إلى دولة الإمارات. ونشير إلى التزام الكنيسة الكاثوليكيَّة بالحوار بين الأديان، فمنذ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني (1965-1962) كانت الكنيسة الكاثوليكيَّة مقتنعة بأنَّه "لا يمكننا أن ندعو الله أبًا للجميع إذا رفضنا أن نتصرّف كإخوة مع النّاس المخلوقين على صورة الله"، بيان: "حول علاقة الكنيسة بالدِّيانات غير المسيحيَّة"(Nostra Aetate).

3- أهمّ ما جاء بالوثيقة

القناعة الرَّاسخة بأنَّ التَّعاليم الصَّحيحة للأديان تدعو إلى التَّمسُّك بقيم الأخوَّة الإنسانيَّة والعيش المشترك.

الحرّيَّة حقٌّ لكلِّ إنسان اعتقادًا وفكرًا وتعبيرًا وممارسةً.

العدل القائم على الرَّحمة هو السَّبيل للوصول إلى حياة كريمة لكلِّ إنسان.

الحوار والتَّفاهم وقبول الأخر يُسهم في احتواء الكثير من المشكلات الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة والبيئيَّة.

واجب وقف دعم الحركات الإرهابيَّة بالمال أو بالسِّلاح أو التَّخطيط أو التَّبرير أو بتوفير الغطاء الإعلاميّ لها.

مفهوم المواطنة يقوم على المساواة في الواجبات والحقوق.

العلاقة بين الشَّرق والغرب هي ضرورة قصوى لكليهما.

إنَّ دعوة اليوم إلى التَّضامن على المستوى الرُّوحيّ هي تحقيق لأن تكون هذه الوثيقة موضع بحث وتأمُّل في جميع المدارس والجامعات والمعاهد التَّعليميَّة والتَّربويَّة لخلق أجيال جديدة تحمل الخير والسَّلام لجميع البشر وتبنيه.

ختامًا أدعوكم إلى المشاركة معنا في صلاة نرفعها إلى الله المحبَّة خالق الكلِّ.

4- صلاة

أبانا السَّماويّ، اللَّهم يا من خلق الكون ويرعاه بحكمة ومحبَّة، يا ملجأنا في الضِّيق وقوَّتنا في الآلام وعزاءنا في الأحزان.

إنَّ ما نعيشه اليوم تحت وطأة اجتياح هذا الوباء العنيف لعالمنا، كشف ضعفنا وأظهر الضَّمانات الزَّائفة الَّتي بنينا عليها برامجنا ومشاريعنا وأولويّاتنا؛ أظهر لنا كيف تركنا وأهملنا ما يغذّي ويعطي القوّة لحياتنا وجماعتنا، وانجرفنا بسرعة معتبرين أنفسنا أقوياء وقادرين على كلِّ شيء.

لم نستيقظ إزاء الحروب والظُّلم الَّذي ملأ الأرض، ولم نستمع إلى صرخة الفقراء وصرخة كوكبنا المريض. اليوم هو وقت الاختيار بين ما هو مهمّ وما هو عابر، وقتُ الفصل بين ما هو ضروريّ وما ليس ضروريًّا، إنَّه زمن إعادة تصويب الطَّريق وترتيب الأولويَّات.

اللَّهم ارأف بشعبك الَّذي يئنّ تحت ما حلّ به، واجعله يطمئنّ إلى رحمتك الواسعة.

إستمع دعاءنا وصلواتنا الّتي نرفعها إليك من أجل العالم كلّه،

من أجل إخوتنا الَّذين أثقلتهم الآلام والمصاعب،

من أجل راحة أنفس ضحايا فيروس كورونا الَّذين انتقلوا من هذا العالم، وعزاء كلّ مَن تألم لفراقهم،

من أجل الشّفاء للمرضى والمصابين،

إمنح الأطبّاء والعلماء وكلّ العاملين في مجال الطّبّ والصَّحّة، قوَّةً ونعمةً، ووفَّقهم لاكتشاف الدَّواء المناسب للقضاء على هذا الوباء.

إمنح كلّ مَنْ يحمل أمانة المسؤوليَّة في كلِّ مكان شجاعةً.

أصغ إلى دعائنا وامنح أيَّامنا الحاضرة طمأنينة السَّلام فنسبحك على الدَّوام،

هبنا اللَّهم قوَّتك ونعمتك فنعرف كيف نحوِّل آلامنا وموتنا إلى حياة وقيامة، وعجزنا إلى قوّةٍ، ويأسنا إلى رجاء، بنعمة وعمل روحك القدّوس نبع ومصدر كلّ قوّة وحياة. آمين".