الفاتيكان
02 حزيران 2025, 12:30

البايا يمنح الكهنوت لأحد عشر شمّاسًا من أبرشيّة روما، وهذا ما أوصاهم به!

تيلي لوميار/ نورسات
منح البابا لاون الرّابع عشر السّيامة الكهنوتيّة لأحد عشر شمّاسًا من أبرشيّة روما، خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه السّبت في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، في عيد زيارة القدّيسة مريم البتول.

في عظته، وجّه البابا كلمات محبّة وأبوّة إلى الكهنة الجدد، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "اليوم هو يوم فرح عظيم للكنيسة ولكلّ واحد منكم، أنتم الّذين ستنالون السّيامة الكهنوتيّة، مع عائلتكم وأصدقائكم ورفاقكم في سنوات تنشئتكم. كما تؤكّد رتبة السّيامة في عدّة مقاطع، فإنّ العلاقة بين ما نحتفل به اليوم وبين شعب الله هي علاقة أساسيّة. إنّ عمق واتّساع وحتّى مدّة الفرح الإلهيّ الّذي نتشاركه الآن يتناسب طرديًّا مع الرّوابط القائمة والّتي ستنمو بينكم أنتم الّذين ستنالون السّيامة الكهنوتيّة والشّعب الّذي جئتم منه والّذي ستبقون جزءًا منه والّذي تُرسلون إليه. سأتوقّف عند هذا الجانب، آخذًا في عين الاعتبار دائمًا أنّ هويّة الكاهن تعتمد على الاتّحاد مع المسيح الكاهن الأعظم والأزليّ.

نحن شعب الله. وقد جعل المجمع الفاتيكانيّ الثّاني هذا الوعي أكثر وضوحًا، واستبق تقريبًا زمنًا سيصبح فيه الانتماء أضعف ومعنى الله أكثر ندرة. أنتم تشهدون على حقيقة أنّ الله لم يملّ من جمع أبنائه، على الرّغم من كونهم مختلفين، وتشكيلهم في وحدة ديناميكيّة. إنّه ليس عملًا متهوّرًا، بل ذلك النّسيم العليل الّذي أعاد الرّجاء للنّبيّ إيليّا في ساعة الإحباط. إنَّ فرح الله ليس صاخبًا، بل هو حقًّا يغيّر التّاريخ ويقرّبنا من بعضنا البعض. وأيقونة ذلك هو سرّ الزّيارة الّذي تتأمّله الكنيسة في اليوم الأخير من شهر أيّار مايو. من اللّقاء بين العذراء مريم ونسيبتها أليصابات ينبعث نشيد تعظّم نفسي الرّبّ، نشيد شعب افتقدته النّعمة.

تساعدنا القراءات الّتي سمعناها على تفسير ما يحدث بيننا أيضًا. في الإنجيل أوّلًا، لا يظهر لنا يسوع يسحقه الموت الوشيك، ولا خيبة الأمل بسبب الرّوابط المكسورة أو غير المكتملة. لكنَّ، الرّوح القدس، يكثّف تلك الرّوابط المُهدَّدة. في الصّلاة هي تصبح أقوى من الموت. فبدلًا من التّفكير في مصيره الشّخصيّ، يضع يسوع بين يدي الآب الرّوابط الّتي بناها على الأرض. ونحن جزء منها! في الواقع، لقد وصل إلينا الإنجيل من خلال الرّوابط الّتي يمكن للعالم أن يبليها ولكن لا يمكنه أن يدمّرها.

تصوّروا أنفسكم أنتم الّذين ستنالون السّيامة الكهنوتيّة على طريقة يسوع! إنّ كوننا لله- خدّام الله، شعب الله- يربطنا بالأرض: ليس بعالم مثاليّ، بل بالعالم الحقيقيّ. مثل يسوع، هؤلاء هم أشخاص من لحم ودم يضعهم الآب في طريقكم. تكرّسون لهم أنفسكم، بدون أن تنفصلوا عنهم، بدون أن تنعزلوا عنهم، بدون أن تجعلوا من العطيّة الّتي نلتموها نوعًا من الامتياز. لقد حذّرنا البابا فرنسيس مرّات عديدة من هذا الأمر، لأنّ المرجعيّة الذّاتيّة تطفئ نار الرّوح الإرساليّ. فالكنيسة هي منفتحة في جوهرها، كما هي منفتحة حياة يسوع وآلامه وموته وقيامته. سوف تتبنّون كلماته في كلّ إفخارستيّا: "من أجلكم وأجل الجميع". إنّ الله لم يره أحد قط. لقد التفت إلينا، وخرج من ذاته. وأصبح الابن هو تفسيره، والقصّة الحيّة له. وقد أعطانا القوّة لنصبح أبناء الله. لا تطلبوا ولا نطلبنَّ المزيد من القوّة! لتجدّد بادرة وضع الأيدي، الّتي استقبل بها يسوع الأطفال وشفى بها المرضى، فيكم القوّة المحرّرة لخدمته المسيحانيّة. في أعمال الرّسل، تلك اللّفتة الّتي سنكرّرها بعد قليل، هي انتقال الرّوح الخالق. وهكذا، فإنّ ملكوت الله يجمع فيكم الآن حرّيّتكم الشّخصيّة الرّاغبة في الخروج من ذاتها، ويطعِّم ذكاءكم وقوّتكم الفتيّة في رسالة اليوبيل الّتي نقلها يسوع إلى كنيسته.

في تحيّته لشيوخ جماعة أفسس الّتي سمعنا جزءًا منها في القراءة الأولى، ينقل لهم بولس سرّ كلّ رسالة: "الرّوح القدس الّذي جعلكم حرّاسًا". لا أسيادًا، بل حرّاسًا. إنّ الرّسالة هي رسالة يسوع. لقد قام، لذلك فهو حيّ وهو يسبقنا. لا أحد منّا مدعوّ ليحلّ محلّه. إنّ يوم الصّعود يربّينا على حضوره غير المنظور. هو يثق بنا، ويفسح لنا المجال؛ حتّى أنّه ذهب إلى حدّ القول: "إنّه خير لكم أن أذهب". نحن الأساقفة، بإشراكنا لكم أنتم الّذين ستنالون السّيامة الكهنوتيّة في الرّسالة اليوم نفسح لكم المجال أيضًا. وأنتم تفسحون المجال للمؤمنين ولكلّ خليقة قريبة من القائم من بين الأموات ويحبّ أن يفتقدنا ويُدهشنا من خلاها. إنّ شعب الله هو أكثر عددًا ممّا نراه. فلا نحدِّدنَّ حدوده."

تابع الأب الأقدس يقول عن القدّيس بولس، وعن خطبته الوداعيّة المؤثّرة تلك، "أودّ أن أسلّط الضّوء على كلمة ثانية. إنّها في الواقع تسبق كلّ الكلمات الأخرى. يمكنه أن يقول: "تعلمون كيف كانت معاملتي لكم طوال المدّة الّتي قضيتها". لنحفظ هذا التّعبير محفورًا بقوّة في قلوبنا وأذهاننا! "تعلمون كيف كانت معاملتي لكم": شفافيّة الحياة. حياة معروفة، حياة مقروءة، حياة ذات مصداقيّة! لنكن داخل شعب الله لكي نستطيع أن نقف أمامهم بشهادة صادقة. معًا، إذن، سنعيد بناء مصداقيّة كنيسة جريحة، مرسلة إلى إنسانيّة جريحة، داخل خليقة جريحة. نحن لسنا كاملين بعد، ولكن من الضّروريّ أن نكون ذوي مصداقيّة. لقد أرانا يسوع القائم من الموت جراحه، وعلى الرّغم من أنّها علامة على رفض البشريّة، إلّا أنّه يسامحنا ويرسلنا. لا ننسينَّ هذا أبدًا! فهو يهبُّ علينا اليوم أيضًا ويجعلنا خدّامًا للرّجاء "فنحن لا نعرف أحدًا بعد اليوم معرفة بشريّة": كلّ ما يبدو في نظرنا مكسورًا وضائعًا يظهر لنا الآن في علامة المصالحة.

إنّ محبّة المسيح تمسك بمجامع قلوبنا"، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء! إنّه امتلاك يحرّرنا ولا يجعلنا نمتلك أحدًا. نحرّر، لا نمتلك. نحن لله: ليس هناك غنى أعظم من هذا الغنى لكي نقدّره ونتقاسمه. إنّها الثّروة الوحيدة الّتي عندما نتقاسمها تتضاعف. نريد أن نحمله إلى العالم الّذي أحبّه الله حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد. وهكذا، فإنّ الحياة الّتي قدّمها هؤلاء الإخوة، الّذين سينالون السّيامة الكهنوتيّة، هي مليئة بالمعنى. نشكرهم ونشكر الله الّذي دعاهم إلى خدمة شعب كهنوتيّ بأسره. معًا في الواقع نحن نجمع بين السّماء والأرض. في مريم، أمّ الكنيسة، يسطع هذا الكهنوت المشترك الّذي يرفع المتواضعين ويربط الأجيال ويجعلنا ننال الطّوبى. لتشفع من أجلنا هي سيّدة الثّقة وأمّ الرّجاء."