الفاتيكان
01 آذار 2024, 15:00

البابا يستقبل المشاركين في مؤتمر دولي بعنوان "الرّجل والمرأة صورة الله: من أجل أنتروبولوجيا للدّعوات"

تيلي لوميار/ نورسات
إستقبل البابا فرنسيس صباح اليوم الجمعة في قاعة السّينودس في الفاتيكان المشاركين في مؤتمر دوليّ بعنوان "الرّجل والمرأة صورة الله: من أجل أنتروبولوجيا للدّعوات" ووجّه لهم كلمة سلّط فيها الضّوء على "أهميّة الدّعوات في حياة كلّ إنسان وذكّر بأنّ الرّجل والمرأة خُلقا على صورة الله ومثاله، وهما يحملان بداخلهما الرّغبة في الأبديّة والسّعادة التي غرسها الله في قلبيهما، وقد دُعيا إلى تحقيقها من خلال دعوة محددة"، مضيفًا أنّ حياة الكائن البشريّ هي دعوة بحدّ ذاتها بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز".

إستهلّ البابا فرنسيس خطابه معربًا عن سروره للمشاركة في المؤتمر الذي ينظّمه مركز البحوث والأنتروبولوجيا للدّعوات ويشهد مشاركة خبراء في مختلف المجالات قدّموا من بلدان عدّة. وجدّد البابا تحيّته للحاضرين خاصًّا بالذّكر الكاردينال أوليه وأعرب عن أمله بأن نتابع مسيرتنا في درب القداسة، لأنّ هذه هي دعوتنا الأولى. ولفت إلى أنّ المركز المذكور أبصر النّور منذ بضع سنوات من أجل إطلاق بحث أكاديميّ دوليّ يهدف إلى فهم أفضل لمعنى وأهميّة الدّعوات، داخل الكنيسة والمجتمع.

وأكّد البابا أنّ المؤتمر الدّوليّ ينظر، قبل كلّ شيء، في البعد الأنتروبولوجيّ لكلّ دعوة، وهذا الأمر يقودنا إلى حقيقة أساسيّة وجوهرية ألا وهي أن حياة الكائن البشري هي دعوة بحد ذاتها. والبعد الأنتروبولوجي هذا مرتبط بهذه الميزة الخاصة بالإنسان، لافتًا إلى أنّ كلّ واحد منّا يسعى للاستجابة إلى دعوة في حياته إن كان من خلال الخيارات الكبيرة المقرّرة في الحياة أم عن طريق الفرص والأوضاع التي يواجهها. وهذه الدّعوة تُلبى من خلال الإصغاء والتّجاوب معها، وتقاسم ما لدينا مع الآخرين من أجل الخير العام.

وأكمل أنّ هذا الاكتشاف يحملنا على الخروج من العزلة والمرجعيّة الذّاتيّة، ويجعلنا ننظر إلى هويّتنا الخاصّة وعلاقتنا مع من خلقنا ومع الواقع المتسامي والآخرين والعالم المحيط بنا. وإعتبر البابا أن هذه الحقيقة الأنتروبولوجيّة بالغة الأهميّة لكونها تتجاوب تمامًا مع الرّغبة في تحقيق الذّات وبلوغ السّعادة الموجودة في قلبنا، مشيرًا إلى أننا غالبًا ما نميل إلى غض النّظر عن هذا الواقع في السّياق الثّقافي الحاليّ، فيقتصر الكاهن البشريّ على الاحتياجات المادّيّة، كما لو كان سلعة لا ضمير لها ولا إرادة لها. وذكّر بأنّ الرّجل والمرأة خُلقا على صورة الله ومثاله، ويحملان بداخلهما الرّغبة في الأبديّة والسّعادة التي غرسها الله في قلبيهما، وقد دُعيا إلى تحقيقها من خلال دعوة محدّدة. إنّنا مدعوّون إلى السّعادة وملء الحياة، وإلى أمور عظيمة شاءها لنا الله. وأكّد البابا أنّ حياة الإنسان ليست أمرًا عرضيًّا، ووجودنا في هذا العالم لم يحصل صدفة، لأنّنا جزء من مخطط الحبّ ومدعوّون إلى الخروج من قوقعتنا كي نحقق هذا المخطط من أجلنا ومن أجل الآخرين.

وتابع قائلًا إنّ الرّسالة الخاصّة بكلّ واحد منّا ليست عبارة عن واجب خارجيّ أسند إلينا، بل هي بعد مرتبط بطبيعتنا الخاصّة، وبكوننا رجالًا ونساء مخلوقين على صورة الله ومثاله. وكلّ واحد منّا هو رسالة بحدّ ذاته، وكلّ شخص معمد هو رسالة، ومن يحب يخرج من قوقعته ويهبّ نفسه للآخرين وينسج علاقات تعطي الحياة. وذكّر بكلماتٍ للكاردينال جون هنري نيومن الذي قال "إنّ الله يعرفني ويدعوني باسمي، وقد أسند إلي عملاً لم يسنده إلى أحد آخر... لم يخلقني الله بدون فائدة، وأنا سأقوم بهذه الرّسالة وسأقوم بها جيّدًا، وسأكون ملاك سلام، ومبشّرًا بالحقيقة في المكان حيث أرادني، شرط أن أتبع وصاياه وأن أخدمه ضمن دعوتي.

ولفت إلى أهميّة البحوث والدّراسات ولقاءات الحوار التي يعقدها ضيوفه لأنّها تساهم في نشر الوعي حيال الدّعوة التي يوجّهها الله إلى كلّ كائن بشريّ. كما أنّها مهمّة لكونها تحملنا على طرح تساؤلات بشأن التّحدّيات الرّاهنة، والأزمة الأنتروبولوجيّة، وضرورة تعزيز الدّعوات الإنسانيّة والمسيحيّة. ورأى أنّه من الأهميّة بمكان أن يحصل تفاعل بين مختلف الدّعوات كي تساهم الأعمال النّابعة من نشاط العلمانيّين الذين يخدمون الكنيسة والمجتمع، فضلًا عن خدمة الكهنة والأشخاص المكرّسين، في تقديم الأمل والرّجاء لعالم تخيّم عليه ظلال خبرات الموت.

وأكّد البابا أنّ خلق هذا الرّجاء، ووضع أنفسنا في خدمة ملكوت الله من أجل بناء عالم منفتح وأخويّ هو واجب ألقي على عاتق رجال ونساء زماننا هذا. وشكر على إسهامهم في هذا المجال، موكلًّا أعمال المؤتمر إلى الرّبّ بواسطة الصّلاة وبشفاعة العذراء مريم، التي هي أيقونة الدّعوات وأمّ كلّ دعوة. وأكد أنّ الرّوح القدس يطلب منّا شيئًا هامًّا ألا وهو الأمانة التي هي مسيرة لا تخلو من المجازفة، مشدّدًا على ضرورة السّير قدمًا بشجاعة التّمييز وبحثًا عن مشيئة الله، وطلب من ضيوفه أن يصلّوا من أجله.