الفاتيكان
17 كانون الثاني 2023, 10:30

البابا يدعو إلى الإجابة "بإبداع وشجاعة" على احتياجات زمننا

تيلي لوميار/ نورسات
"إنجيل، كنيسة ورسالة" كلمات ثلاث أوكلها البابا فرنسيس إلى ممثّلي اتّحاد أخويّات أبرشيّات إيطاليا خلال استقبالهم الإثنين في الفاتيكان، في إطار استعداداتهم للاحتفال بيوبيل عام 2025، الذّكرى السّنويّة الخامسة والعشرين على تأسيس الاتّحاد.

وخلال اللّقاء، ألقى البابا خطابًا قال فيه بحسب "فاتيكان نيوز": "إذ تأسّس في عام ٢٠٠٠، في سياق اليوبيل الكبير، عمل اتّحادكم لأكثر من عشرين عامًا على استقبال ودعم وتنسيق الحضور الغنيّ والمتنوّع للأخويّات في أبرشيّات إيطاليا. أنتم الآن تستعدّون للاحتفال، في غضون عامين، بالذّكرى السّنويّة الخامسة والعشرين على تأسيسكم في سياق يوبيل آخر، وهو يوبيل عام ٢٠٢٥، الّذي يحمل شعار "حجّاج الرّجاء". نحن نستعدّ لهذه اللّحظة المهمّة في حياة الكنيسة، وأنتم واقع مهمٌّ جدًّا لهذا الإعداد ومن ثمّ للاحتفال.

أنتم كذلك أوّلاً لحضوركم المنتشر على الأراضي الوطنيّة ولكمِّيّة الأشخاص الّذين يلتزمون معكم، مع حوالي ثلاثة آلاف ومائتي أخويّة مُسجّلة ومليوني عضو؛ وتُضاف إليهم الجماعة الواسعة للأقارب والأصدقاء الّذين ينضمّون من خلال هذه الأخويّات إلى نشاطاتكم. إنّها صورة مؤثّرة تُعيد إلى الأذهان ما يقوله المجمع الفاتيكانيّ الثّاني عن طبيعة ورسالة العلمانيّين في الكنيسة، أيّ أنّهم "مدعوّون من قبل الله لكي يساهموا، تقريبًا من الدّاخل كخميرة، في تقديس العالم". إنَّ خميرتكم حاضرة بشكل جيّد في النّسيج الكنسيّ والاجتماعيّ الإيطاليّ، ويجب أن تبقى حيّة، لكي تتمكّن من تخمير العجينة كلّها. لقد أوصاكم القدّيس يوحنّا بولس الثّاني بذلك في عظته عام ١٩٨٤ عندما قال: "تتطلّب اليوم الحاجة الملحّة للبشارة أن تشارك الأخويّات أيضًا بشكل مكثّف ومباشر أكثر في العمل الّذي تقوم به الكنيسة لكي تحمل نور المسيح وفداءه ونعمته إلى رجال ونساء زمننا". وفي سياق البشارة الجديدة، تشكّل التّقوى الشّعبيّة في الواقع قوّة إعلان قديرة، لديها الكثير لتقدّمه لرجال ونساء زمننا.

لهذا السّبب، أشجّعكم على أن تعزّزوا بالتزام إبداعيّ وديناميكيّ حياتكم الجماعيّة وحضوركم الخيريّ اللّذين يقومان على عطيّة المعموديّة ويتضمّنان مسيرة نموّ تحت إرشاد الرّوح القدس. إسمحوا للرّوح القدس أن يحرِّككم وسيروا: كما تسيرون في التّطوافات، هكذا أيضًا سيروا في حياتكم الجماعيّة كلِّها. ولا يُصبحنَّ غنى تاريخكم وذاكرته أبدًا سببًا لكي تنغلقوا على أنفسكم، أو للاحتفال الحزين بالماضي، أو للانغلاق على الحاضر أو للتّشاؤم بالمستقبل؛ وإنّما ليكونا لكم حافزًا قويًّا لكي تستثمروا اليوم مجدّدًا في تراثكم الرّوحيّ والإنسانيّ والاقتصاديّ والفنّيّ والتّاريخيّ والشّعبيّ أيضًا، مُنفتحين على علامات الأزمنة وعلى مفاجآت الله. بهذا الإيمان وبهذا الانفتاح أسّس الّذين سبقوكم أخويَّاتكم. وبدون هذا الإيمان وهذا الانفتاح، لما كنّا اليوم هنا مجتمعين، بهذه الأعداد الكبيرة، لكي نشكر الرّبّ على الكثير من الخير الّذي نلناه وحقّقناه!

أريد من ثمَّ أن أدعوكم لكي تنظّموا مسيرتكم بحسب ثلاثة محاور أساسيّة: الإنجيل والكنيسة والرّسالة، وسألخّص هذه الإرشادات على النّحو التّالي: السّير على خطى المسيح، السّير معًا والسّير في إعلان الإنجيل. أوّلاً السّير على خطى المسيح. أحثّكم على تنمية مركزيّة المسيح في حياتكم، في الإصغاء اليوميّ لكلمة الله، ومن خلال تنظيم أوقات للتّنشئة والمشاركة فيها بانتظام، في المشاركة الدّؤوبة في الأسرار، وفي حياة مكثّفة من الصّلاة الشّخصيّة واللّيتورجيّة. لتُحرِّك تقاليدكم اللّيتورجيّة والتّعبُّديّة القديمة حياة روحيّة متحمّسة والتزام محبّة ملموس. ولا تخافوا من تحديثها بالشّركة مع مسيرة الكنيسة، لكي تكون عطيّة في متناول الجميع، في السّياقات الّتي تعيشون وتعملون فيها، وحافزًا للاقتراب من الإيمان حتّى بالنّسبة للبعيدين.

ثانيًا السّير معًا. يقدّم تاريخ الأخويّات للكنيسة خبرة سينودسيّة عمرها قرون، يتمّ التّعبير عنها من خلال أدوات التّنشئة الجماعيّة والتّمييز والتّداول والمشاورة، ومن خلال اتّصال حيّ بالكنيسة المحلّيّة والأساقفة والأبرشيّات. لا يجب لمجالسكم وجمعيّاتكم- كما طلب منك البابا المحبوب بندكتس السّادس عشر– أن تتحوّل أبدًا إلى مجرّد اجتماعات إداريّة بحتة أو خاصّة؛ وإنّما لتكن على الدّوام أماكن للإصغاء إلى الله والكنيسة وللحوار الأخويّ الّذي يتميَّز بجوّ من الصّلاة والمحبّة الصّادقة. بهذه الطّريقة فقط يمكن لمجالسكم وجمعيّاتكم أن يساعدوكم لكي تكونوا واقعًا حيويًّا ولكي تجدوا طرقًا وأساليب جديدة للخدمة والبشارة. وهذا الأمر يقودنا إلى البعد الثّالث لمسيرتكم: السّير في إعلان الإنجيل، مقدِّمين الشّهادة لإيمانكم، ومعتنين بإخوتكم، ولاسيّما بأشكال الفقر الجديدة في عصرنا، كما أظهر الكثيرون منكم في زمن الوباء هذا. بهذا المعنى، يحمل تاريخ الأخويّات إرث مواهب كبير؛ فلا تسمحوا لهذا الإرث أن يسقط! حافظوا على موهبة الخدمة والرّسالة حيّة وأجيبوا بإبداع وشجاعة على احتياجات زمننا.

إنجيل، كنيسة ورسالة، هذه، أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، هي الكلمات الثّلاث الّتي أوكلها اليوم إليكم. وأريد أن أختم بتجديد دعوتي لكم لكي تكونوا مرسلي محبّة الله وحنانه؛ مرسلون لرحمة الله، الّذين يغفر لنا على الدّوام، وينتظرنا دائمًا، ويحبّنا كثيرًا! لتحرسكم العذراء مريم الّتي تكرِّمونها بألقاب كثيرة كأُمُّكم، ولترشدكم على الدّوام. أبارككم من كلِّ قلبي مع جميع الإخوة والأخوات وعائلاتكم. وأسألكم من فضلكم ألّا تنسوا أن تصلّوا من أجلي!".