الفاتيكان
07 كانون الثاني 2020, 08:50

البابا يتحدّث عن أهميّة السّجود والعبادة في حياة المسيحيّ

تيلي لوميار/ نورسات
إحتفل البابا فرنسيس أمس الاثنين بقدّاس عيد الدّنح في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان وألقى عظة تحدّث فيها عن معاني العيد وأهميّة السّجود للرّبّ بحسب "فاتيكان نيوز".

إستهلّ البابا عظته قائلًا: "لقد استمعنا في إنجيل اليوم إلى المجوس الذين يعبّرون عن نواياهم قائلين "فقد رأينا نجمه في المشرق، فجئنا لنسجد له". وتابع "إنّ السّجود للرّبّ هو هدف المسيرة التي اجتازها المجوس. وعندما وصلوا إلى مدينة بيت لحم "رأوا الطّفل مع أمّه مريم. فجثوا له ساجدين. إذا فقدنا معنى السّجود، نفقد معنى السّير في الحياة المسيحيّة، التي هي مسيرة نحو الرّبّ، وليست نحونا نحن. وهذا هو الخطر الذي يحذّرنا منه الإنجيل، مقدّمًا إلى جانب المجوس، أشخاصًا عاجزين عن السّجود."

وأكمل: "أوّلًا هناك الملك هيرودس الذي استخدم كلمة "سجود" ولكن بشكل مخادع. فقد طلب إلى المجوس أن يعّ       لموه بالمكان الذي يوجد فيه الطّفل معربًا عن نيّته في الذّهاب إليه والسّجود له. لكنّ هيرودس كان في الواقع يسجد لنفسه وحسب، ولذا شاء أن يتخلّص من الطّفل من خلال الكذب والخداع. وتساءل البابا عن معنى هذا التّصرّف وقال إنّ الإنسان وعندما لا يسجد لله، يميل إلى السّجود لذاته. وفي الحياة المسيحيّة أيضًا، إن لم نسجد للرّبّ يميل إلى الإنسان إلى تعظيم ذاته وانجازاته الخاصّة: وقال إنّ المسيحيّين الذين لا يعرفون كيف يسجدون للرّبّ، لا يعرفون كيف يصلون. هذا هو خطر كبير: أيّ أن يحاول الإنسان الإفادة من الله عوضًا عن خدمته. كم من مرّة لجأنا إلى الإنجيل كي نحقق مصالحنا الخاصّة. كم مرّة لم نميّز بين قوّة الله وقوّة العالم التي ترتكز إلى خدمة الذّات وحسب.

بالإضافة إلى الملك هيرودس، ثمّة شخصيّات أخرى في الإنجيل لم تعرف كيف تسجد للرّبّ. وهم كبار الكهنة وكتبة الشّعب. لقد أطلع هؤلاء الملك هيرودس وبدقّة على المكان الذي ينبغي أن يولد فيه المسيح: في بيت لحم اليهوديّة. كانوا مطّلعين بدقّة على النّبوءات. كانوا يعلمون أين يجب أن يذهبوا لكنّهم لم يفعلوا ذلك. وباستطاعتنا أن نستخلص عبرة من هذا التّصرف. ففي الحياة المسيحيّة لا يكفي أن نغرف الأمور. لأنّ الإنسان لا يستطيع أن يتعرّف على الله إن لم يخرج من ذاته وإن لم يسجد لله ويعبده. فاللّاهوت لا يجدي نفعًا إن لم يركع الإنسان للسّجود، إن لم يتمثّل بالمجوس الذين ساروا نحو الرّبّ وسجدوا له. وعندما يسجد الإنسان يدرك أنّ الإيمان لا يقتصر على مجموعة من العقائد، لكنّه علاقة مع شخص حيّ ينبغي أن يُحبّ. ونتعرّف على وجه يسوع إذا وقفنا أمامه وجهًا لوجه. من خلال السّجود نكتشف أنّ الحياة المسيحيّة هي قصة حبّ مع الله، حيث لا تكفي الأفكار الجيدة، إذ ينبغي أن نضعه في المقام الأوّل، كما يفعل الشّخص المغرم بشخص آخر. وهكذا ينبغي أن تفعل الكنيسة، أن تسجد ليسوع عريسها وتحبّه."

ولفت البابا إلى ضرورة السّعي إلى اكتشاف العبادة، في مطلع هذا العام، كمتطلّب للإيمان وقال: "إذا عرفنا كيف نركع أمام يسوع نتغلّب على تجربة أن يسير كلّ واحد في طريقه الخاصّة. إنّ السّجود في الواقع يتطلّب الخروج من العبوديّة الأكبر، أيّ عبوديّة الذّات. السّجود يعني أن نضع الرّبّ في المحور، كي لا نصب اهتماماتنا على أنفسنا وحسب. وهذا يتطلّب أن نضع الله في المقام الأوّل. السّجود يعني تقديم مخطّطات الله على وقتنا، وعلى حقوقنا وفسحاتنا. هذا يعني التّجاوب مع الوصيّة الواردة في الكتاب المقدّس بشأن عبادة الله والسّجود له. وهذا يتطلّب الدّخولَ في علاقة حميمة وشخصيّة مع الله وأن نسمح له بأن يدخل هو أيضًا في حياتنا. السّجود يعني أن نكتشف أنّ الصّلاة ينبغي أن تبدأ بعبارة "ربّي وإلهي"، وأن نترك حنان الله يغمرنا.

إنّ السّجود يعني أن نلتقي بيسوع بدون أن نعدّ لائحة بالمطالب، وأن يكون مطلبنا الوحيد المكوث معه. السّجود يعني أن نكتشف أنّ الفرح والسّلام ينميان من خلال التّسبيح ورفع الشّكر للرّبّ. عندما نسجد ليسوع نسمح له بأن يشفينا ويبدّلنا. ونعطيه إمكانية أن يبدّلنا بمحبّته، وينير عتماتنا ويمنحنا القوّة في الضّعف والشّجاعة في المحن. السّجود يعني الذّهاب نحو ما هو جوهريّ: هذه هي الدّرب التي تجعلنا نتخلّص من كلّ السّموم، من الأمور التي نعتاد عليها وتخدّر القلب وتسمّم العقل. من خلال السّجود للرّبّ نتعلّم كيف نقول "لا" لكلّ ما ينبغي ألّا نسجد له: إله المال، إله الاستهلاك، إله اللّذة، إله النّجاح فضلًا عن الـ"أنا" التي نرفعها في وجه الله. الّسجود يتطلّب منّا أن نتّضع في حضرة العليّ، كي نكتشف أمامه أن عظمة الحياة لا تتعلّق في ما نملكه بل بقدر محبّتنا. السّجود يعني أن نعيد اكتشاف الأخوة والأخوات أمام سرّ المحبّة الذي يتخطّى كلّ المسافات. يعني أن ننال الخير من الينبوع، وأن نكتشف في الله، القريب منّا، شجاعة الاقتراب من الآخرين. السّجود يعني المكوث بصمت أمام الكلمة الإلهيّ، كي نتعلم كيف نقول كلمات لا تجرح لكن تعزّي.

إنّ السّجود للرّبّ هو عمل محبّة يبدّل الحياة. والسّجود هو التّمثّل بالمجوس، أيّ أن نحمل للرّبّ الذّهب لنقول إنّ لا شيء أثمن منه، أن نقدّم له البخور لنقول إنّ معه فقط ترتقي حياتنا إلى العلى، أن نقدّم له المرّ الذي تُمسح به الأجساد المجروحة والمعذّبة، كي نعدّ يسوع بأنّنا سنسعف قريبنا المهمّش والمتألّم لأنّه موجود هناك. إنّ الكنيسة مدعوّة إلى تكثيف صلوات العبادة، وأن تنمو في السّجود. وهذه حكمة لا بدّ أن نتعلّمها يوميًّا: أيّ صلاة السّجود والعبادة." 

وإختتم البابا طالبًا من المؤمنين "أن يسألوا أنفسهم ما إذا كانوا مسيحيّين يسجدون للرّبّ ويعبدونه"، لافتًا إلى أنّ "مؤمنين كثيرين يصلّون لكنّهم لا يعرفون كيف يعبدون الرّبّ"، متمنّيًا "أن نجد الوقت اللّازم للعبادة والسّجود لله في حياتنا اليوميّة وفي جماعاتنا. وهكذا نكتشف نحن أيضًا، على غرار المجوس، معنى مسيرتنا وكما فعل المجوس نستطيع أن نختبر فرحًا عظيمًا."