أوروبا
26 آب 2018, 11:00

البابا من دبلن: العالم في حاجة إلى ثورة محبّة تبدأ من العائلة

في إطار زيارته الرّسوليّة إلى ايرلندا احتفالاً باللّقاء العالميّ التّاسع للعائلات، توجّه البابا فرنسيس بعد ظهر السّبت 25 آب/ أغسطس إلى كاتدرائيّة القدّيسة مريم في دبلن حيث كان في استقباله رئيس أساقفة دبلن المطران ديارمويد مارتين. بعد ذلك، رحّب بالأب الأقدس زوجان مسنّان، فنسنت وتيريزا غامبل، احتفلا مؤخّرًا بالعام الخمسين لزواجهما، ثم وجّه زوجان من الشّباب أسئلة إلى الحبر الأعظم بحسب الفاتيكان نيوز.

بدأ البابا بعد ذلك كلمته معربًا عن سعادته بهذا اللّقاء في كاتدرائيّة مريم العذراء التي شهدت الكثير من الاحتفالات بسرّ الزّواج، وبلقائه في هذا المكان العديد من المخطوبين والمتزوّجين مشيرًا إلى جمال الزّواج وتقاسم الحياة، وشاكرًا رئيس أساقفة دبلن المطران مارتن على ترحيبه.

 كما وجّه الحبر الأعظم شكرًا خاصًّا للزّوجين فنسنت وتيريزا غامبل على شهادتهما متحدثَين عن 50 سنة من الزّواج والحياة العائليّة، وأضاف أنّ هذا الشّكر هو لكلمات التّشجيع من جهة، وللتّحدّيات التي طرحاها على الأزواج الجدد والمخطوبين من جهة أخرى، وذلك لا فقط في ايرلندا بل في العالم بأسره.

ذكَّر فرنسيس أيضًا بأهميّة الإنصات إلى المسنّين، إلى الأجداد، مشدّدًا على الحاجة المتواصلة إلى مثل هذه الشّهادات المفعمة بالإيمان، والتي هي مورد ثمين للشّبان الذين ينظرون إلى المستقبل بمشاعر قويّة ورجاء، وربما بشيء من القلق.

بعد ذلك، وجّه البابا حديثه إلى من وجّهوا إليه الأسئلة، متوقّفًا عند السّؤال الأوّل الذي طرحه شاب وفتاة يستعدّان للزّواج، وهو كيف يمكنهما مساعدة الآخرين على فهم أنّ الزّواج ليس مجرّد مؤسّسة، بل هو دعوة وقرار واعٍ يدوم مدى الحياة بالعناية والمساعدة والحماية المتبادلة، فقال فرنسيس:

"إنّ الإجابة على هذا السّؤال ليست سهلة، إذ انّنا اليوم لم نعد معتادين على أمور تدوم مدى الحياة، كما أنّه من الصّعب مجاراة العالم المتغيّر حولنا. وإنّ سؤال الشّابين هو على الأرجح أكثر عمقًا، أيّ ألا يوجد بالفعل شيء ثمين يدوم؟ ولا حتّى الحبّ؟ واليوم، إنّنا نعيش ثقافة المؤقّت والسّريع والزّائل. وهنا تكمن خطورة أن نبقى سجناء هذه الثّقافة. أمّا مدى الحياة المرتبط بسرّ الزّواج فيعني تغذية الحبّ وتنميته بالحبّ. إنّ الزّواج مميّز وفريد، إنّه الحبّ الذي يلد الحياة، ما يعني مسؤوليّة نقل الحياة، هذه الهبة الإلهيّة، ويوفّر البيئة الثّابتة التي يمكن للحياة الجديدة أن تنمو فيها وتزدهر.

كما أنّ سرّ الزّواج يشترك بشكل متميّز في سرّ محبّة الله الأبديّة، وأنّ هذا الرّباط الذي يجمع رجلاً وامرأة مسيحيَّين يصبح أيضًا علامة العهد الجديد والأبديّ بين الرّب وعروسه، الكنيسة. إنّ يسوع يكنّ محبّة خاصّة للمتزوّجين وهي الصّخرة والملجأ في زمن التّجارب، وفي المقام الأوّل بينبوع نموّ متواصل في المحبّة. ويجب  على الجميع ألّا ينسوا أنّ الحبّ هو حلم الله لنا وللعائلة البشريّة، حلم يريد منّا الله أن نجعله حلمنا؛ وما جاء في الكتاب المقدّس خير دليل على ذلك "لن أتركك ولن أخذلك" (راجع عب 13، 5). وأدعو كلّ الأزواج والزّوجات إلى تبادل هذا الوعد فيما بينهم."

ثمّ انتقل البابا إلى السّؤال الثّاني وهو لزوجين شابّين حول كيفيّة نقل الوالدين الإيمان إلى الأبناء، فقال:

"إنّ هناك برامج التّعليم المسيحيّ الهامّة التي تُعدّها الكنيسة للتّربية على الإيمان، إلّا أنّ المكان الأوّل لنقل الإيمان هو البيت، حيث يتمّ تعلّم الإيمان من خلال القدوة اليوميّة للوالدين الذين يحبّون الرّب ويوكلون أنفسهم لكلمته. إنّ "الكنيسة البيتيّة" التي يتعلّم فيها الأبناء معنى الأمانة والنّزاهة والتّضحية حين يرون الآباء والأمّهات يعتنون أحدهم بالآخر وبالآخرين، ويحبون الله والكنيسة، فيتنفس الأطفال نسمة الإنجيل النّضرة ويتعلّمون الفهم والتّقييم والعمل بشكل جدير بالإيمان الذي ورثوه.

وأنا في تجربتي الشّخصيّة من الطّفولة تأثّرتُ برؤية والدي عائدًا من العمل، متعبًا، لكنّه قبَّل زوجته والدتي ليعبِّر عن حبّه لها. وهنا تأتي أيضًا أهميّة الصّلاة معًا في العائلة والحديث عن الأشياء الصّالحة والمقدّسة. وأدعو كذلك الأزواج إلى الاحتفال بالأعياد معًا ليدرك الأطفال معنى الاحتفال العائليّ، من الضّروري أيضًا عيش التّضامن بعمق مع المتألّمين والمهمّشين كي يتعلّم الأبناء هذا.

إنّ عالم اليوم هو عالم لا يهتمّ بالضّعفاء ومَن يعتبرهم غير منتِجين، عالم يطالبنا بأن نكون أقوياء ومستقلّين لا نكترث كثيرًا بالوحيدين والحزانى أو المرضى، بالأطفال الذين لم يولدوا بعد وبالموشكين على الموت. إنّ عالمنا في حاجة إلى ثورة محبّة وأدعو جميع الحاضرين إلى أن تبدأ هذه الثّورة منهم، من عائلاتهم. وهذه الثورة تتطلّب أيضاً ثورة حنان، وعلى الوالدين أن يكونوا مثلاً لأبنائهم كي يصبحوا جيلاً أكثر محبّة وعطفًا، غنيًّا بالإيمان من أجل تجديد الكنيسة والمجتمع الإيرلندي بكامله، وكي تضع محبّة الأزواج جذورًا أكثر عمقًا. فالأطفال لا يمكن أن يكبروا في المحبّة بدون التّواصل مع الأجداد."

واختتم البابا فرنسيس كلمته رافعًا باسمه، وباسم العائلات الشكر لله على عطيّة الإيمان ونعمة الزّواج المسيحيّ، مؤكًدًا الالتزام بخدمة ملكوت الله، ملكوت القداسة والعدالة والسّلام، وذلك بالأمانة لوعودنا وباستمراريّة الحبّ.