البابا منح رتبة خدمة أستاذ التّعليم المسيحيّ لـ39 مرشّحًا من العالم
البابا الّذي ترأّس الذّبيحة الإلهيّة في ساحة القدّيس بطرس، دعا المؤمنين، خلال عظته، إلى "النّظر بعيني الله"، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "تُظهر لنا كلمات يسوع كيف ينظر الله إلى العالم، في كلّ زمان ومكان. في إنجيل اليوم الّذي سمعناه، ترى عيناه فقيرًا وغنيًّا، الّذي يموت جوعًا والّذي يتخم نفسه أمامه؛ تريان ثياب الأوّل الأنيقة وجراح الآخر الّتي كانت تلحسها الكلاب. ولكن ليس هذا فقط: فالرّبّ ينظر إلى قلب الإنسان، ومن خلال عينيّه نتعرّف على فقيرٍ ولا مبالٍ. لقد نُسيَ لعازر من قبل الّذي كان أمامه، على بُعد خطوات من باب بيته، ومع ذلك كان الله قريبًا منه ويذكر اسمه. أمّا الرّجل الّذي كان يعيش في الوفرة فلم يكن له اسم، لأنّه فقد ذاته، إذ نسي القريب. كان تائهًا في أفكار قلبه، ممتلئًا بالأشياء وفارغًا من المحبّة. وخيوره لم تجعله صالحًا.
إنّ القصّة الّتي سلّمنا إياها المسيح هي للأسف معاصرة جدًّا. على أبواب التّرف اليوم يقف بؤس شعوب كاملة، يجرحها الحرب والاستغلال. عبر القرون، يبدو أن شيئًا لم يتغيّر: كم من لعازر يموتون أمام جشع ينسى العدالة، وربح يدوس المحبّة، وغنى أعمى أمام ألم البائسين! ومع ذلك، يؤكّد الإنجيل أنّ آلام لعازر لها نهاية. إنتهت أحزانه مثلما انتهت ملذّات الغنيّ، وأجرى الله العدالة لكليهما: "ماتَ المسكين فحَمَلَتهُ المَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنيُّ ودُفِن". إنّ الكنيسة لا تملّ من إعلان كلمة الرّبّ هذه، لكي تحوّل قلوبنا.
أيّها الأعزّاء، بمصادفة مميّزة، تمّ إعلان هذا النّصّ الإنجيليّ نفسه خلال يوبيل أساتذة التّعليم المسيحيّ في سنة الرّحمة."
وإذ توجّه إلى الحجّاج الّذين جاؤوا إلى روما لتلك المناسبة، شدد البابا فرنسيس على أن "الله يفتدي العالم من كلّ شرّ، ويبذل حياته لخلاصنا. إنّ عمله هو بداية رسالتنا، لأنّه يدعونا لكي نبذل ذواتنا من أجل خير الجميع.
هذا المحور الّذي يدور حوله كلّ شيء، هذا القلب النّابض الّذي يعطي الحياة لكلّ شيء، هو الإعلان الفصحيّ، الإعلان الأوّل: إنّ الرّبّ يسوع قام من الموت، الرّبّ يسوع يحبّك، وقد بذل حياته من أجلك؛ إنّه قائم وحيّ، وهو يقف إلى جانبك وينتظرك كلّ يوم.
هذه الكلمات تدعونا للتّأمّل حول الحوار بين الغنيّ وإبراهيم الّذي سمعناه في الإنجيل: إنّه تضرّع يرفعه الغنيّ لكي يخلِّص إخوته، ويتحوّل بالنّسبة لنا إلى تحدّ. وإذ تحدّث الغنيّ مع إبراهيم قال له: "إذا مَضى إِليهِم واحِدٌ مِنَ الأَمواتِ يَتوبون". فأجابه إبراهيم: "إِن لم يَستَمِعوا إِلى موسى والأَنبِياء، لا يَقَتَنِعوا ولو قامَ واحِدٌ مِنَ الأَموات". وها قد قام واحد من بين الأموات: يسوع المسيح. وبالتّالي فإنّ كلمات الكتاب المقدّس لا تريد أن تخيّبنا أو تثبّطنا، بل أن توقظ ضمائرنا.
إنّ الإصغاء لموسى والأنبياء يعني أن نتذكّر وصايا ووعود الله الّذي عنايته لا تترك أحدًا أبدًا. إنّ الإنجيل يعلن لنا أنّه يمكن لحياة الجميع أن تتغيّر، لأنّ المسيح قام من بين الأموات. وهذا الحدث هو الحقيقة الّتي تخلّصنا: لذلك علينا أن نعرفها ونعلنها، ولكن هذا لا يكفي. بل علينا أن نحبّها أيضًا: وهذا الحبّ هو الّذي يجعلنا نفهم الإنجيل، لأنّه يغيّرنا ويفتح قلوبنا على كلمة الله ووجه القريب.
وفي هذا السّياق، أنتم يا أساتذة التّعليم المسيحيّ هم تلاميذ يسوع الّذين يصبحون شهودًا له: فاسم خدمتكم يأتي من الفعل اليونانيّ "كاثيخين" الّذي يعني التّعليم بصوت عالٍ، وجعل صداه يتردّد. وهذا يعني أنّ أستاذ التّعليم المسيحيّ هو إنسان الكلمة، كلمة ينطق بها بحياته. لذلك أوّل أساتذة التّعليم المسيحيّ هم والدينا، الّذين تكلّموا إلينا أوّلًا وعلّمونا الكلام. وكما تعلّمنا لغتنا الأمّ، هكذا لا يمكن تفويض إعلان الإيمان إلى أشخاص آخرين، وإنما هذا يحدث حيث نعيش. أوّلًا في بيوتنا، وحول المائدة: فعندما يكون هناك صوت أو إشارة أو وجه يقود إلى المسيح، تختبر العائلة جمال الإنجيل.
لقد تربّينا جميعًا على الإيمان من خلال شهادة الّذين سبقونا في الإيمان. كأطفال وفتيان، وشباب، وثمّ كبالغين ومسنّين أيضًا، يرافقنا أساتذة التّعليم المسيحيّ في الإيمان من خلال المشاركة في مسيرة دائمة، كما فعلتم أنتم خلال هذه الأيّام في حجّكم اليوبيليّ. وهذه الدّيناميكيّة تشمل الكنيسة كلّها: في الواقع بينما يلد شعب الله رجالًا ونساءً للإيمان، "ينمو أيضًا فهمُ الأمور والكلمات المنقولة، سواء بتأمّل المؤمنين ودراستهم لها في قلوبهم، أو بالفهم الّذي يمنحه اختبار أعمق للأمور الرّوحيّة، أو بكرازة أولئك الّذين نالوا مع الخلافة الأسقفيّة موهبة أكيدة للحقّ".
وفي هذه الشّركة، يشكّل التّعليم المسيحيّ "أداة السّفر" الّتي تحمينا من الفرديّة والانقسام، لأنّه يشهد لإيمان الكنيسة الكاثوليكيّة بأسرها. وكل مؤمن يساهم في عملها الرّعويّ بالإصغاء إلى الأسئلة، ومشاركة التّجارب، وخدمة الرّغبة في العدالة والحقّ الّتي تسكن الضّمير البشريّّ. وهكذا فإنّ أساتذة التّعليم المسيحيّ يعلِّمون أيّ يتركون أثرًا في الدّاخل: فعندما نربّي على الإيمان، نحن لا نقدّم تعليمًا نظريًّا، بل نضع في القلب كلمة الحياة، لكي تثمر ثمار حياة صالحة. إلى الشّمّاس دِيوغراسياس، الّذي كان يسأل كيف يمكنه أن يكون أستاذ تعليم مسيحيّ صالح، أجاب القدّيس أوغسطينوس: "اشرح كلّ شيء بحيث كلّ من يصغي إليك، يصغي فيؤمن، وإذ يؤمن يرجو، وإذ يرجو يُحبّ".
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنجعل هذه الدّعوة دعوتنا! لنتذكّر أنّه لا أحد يعطي ما لا يملكه. لو كان الغنيّ في الإنجيل يتحلّى بالمحبّة تجاه لعازر، لكان أحسن، ليس فقط للفقير، وإنّما لنفسه أيضًا. لو أنّ ذلك الرّجل الّذي لا اسم له قد تحلّى بالإيمان، لخلّصه الله من كلّ عذاب: إنَّ التّعلّق بالثّروات الأرضيّة هو ما حرمه من الرّجاء بالخير الحقيقيّ والأبديّ. وعندما نُجرَّب نحن أيضًا بالجشع واللّامبالاة، يذكّرنا الكثير من لعازر اليوم بكلمة يسوع، فيصبحون لنا تعليمًا أكثر فعاليّة في هذا اليوبيل، الّذي هو للجميع زمن ارتداد وغفران، زمن التزام من أجل العدالة وبحث صادق عن السّلام."
وفي ختام الذّبيحة الإلهيّة، وقبل تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ ألقى البابا كلمة قال فيها: "أُحيّيكم جميعًا، أنتم الّذين شاركتم في هذا الاحتفال اليوبيليّ المخصّص لأساتذة التّعليم المسيحيّ، ولاسيّما الّذين نالوا اليوم هذه الخدمة. وأودّ أن أوجّه معكم تمنّياتي الحارّة بالخدمة الجيّدة لأساتذة التّعليم المسيحيّ في جميع أنحاء الكنيسة المنتشرة في العالم. شكرًا لكم على خدمتكم للكنيسة! لنصلِّ من أجلهم، ولاسيّما من أجل الّذين يعملون في ظروف صعبة. ليبارككم الله جميعًا."
وأضاف: "في هذه الأيّام، ضرب إعصار شديد القوّة عدّة مناطق آسيويّة، ولاسيّما الفيليبين وجزيرة تايوان ومدينة هونغ كونغ ومنطقتي غوانغدونغ وهاينان. أنا قريب من السّكّان المتضرّرين، ولاسيّما الأشدَّ فقرًا، وأصلّي من أجل الضّحايا والمفقودين والعديد من العائلات الّتي نزحت والكثير من الأشخاص الّذين عانوا من المشقّات، وكذلك من أجل المُسعفين والسّلطات المدنيّة. وأدعو الجميع إلى الثّقة بالله والتّضامن. ليمنحكم الرّبّ القوّة والشّجاعة للتّغلّب على كلّ محنة.
يسعدني أن أعلن أنّه في الأوّل من تشرين الثّاني نوفمبر المقبل، في سياق يوبيل عالم التّربية والتّعليم، سأمنح لقب ملفان الكنيسة للقدّيس جون هنري نيومان، الّذي ساهم بشكل حاسم في تجديد اللّاهوت وفهم العقيدة المسيحيّة في تطوّرها. والآن، نوكل أنفسنا إلى شفاعة العذراء مريم. هي الّتي كانت الأمّ والتّلميذة أولى ليسوع، لكي تعضد اليوم التزام الكنيسة في إعلان الإيمان."