الفاتيكان
13 تشرين الأول 2025, 09:30

البابا مصلّيًا من أجل السّلام: تشجّعوا وسيروا إلى الأمام فالسّلام هو مسيرة والله يسير معكم

تيلي لوميار/ نورسات
"نحن مجتمعون هذا المساء في الصّلاة، مع مريم أمّ يسوع، كما كانت تفعل الكنيسة الأولى في أورشليم. جميعنا معًا، بثبات ووئام، لا نتعبنَّ من التّضرّع من أجل السّلام، عطيّة الله الّتي يجب أن تصبح مكسبنا والتزامنا."

بهذه الكلمات استهلّ البابا لاون الرّابع عشر تأمّله عشيّة يوبيل الرّوحانيّة المريميّة، خلال الصّلاة الّتي ترأّسها في ساحة القدّيس بطرس في الفاتيكان، وتخلّلها تلاوة مسبحة الورديّة من أجل السّلام في العالم وسجود للقربان المقدّس.

وتابع البابا تأمّله بحسب "فاتيكان نيوز"، وقال: "في هذا اليوبيل المخصّص للرّوحانيّة المريميّة، يبحث نظرنا كمؤمنين في العذراء مريم عن دليلٍ لمسيرتنا في الرّجاء، متأمّلين في فضائلها البشريّة والإنجيليّة، الّتي يُشكّل الاقتداء بها أصدقَ تعبير عن التّقوى المريميّة. مثلها، هي الأولى بين المؤمنين، نريد أن نكون رحمًا رحبًا للعليّ، و"خيمة متواضعة للكلمة، تحرّكها فقط ريح الرّوح القدس". ومثلها، هي الأولى بين التّلاميذ، نطلب عطيّة قلبٍ يصغي ويصبح جزءًا من كونٍ مضياف. ومن خلالها، هي المرأة المتألّمة، القويّة، الأمينة، نلتمس أن نحصل على نعمة الرّحمة تجاه كلّ أخٍ وأختٍ يتألّمون، وتجاه جميع الخلائق. لننظر إلى أمّ يسوع وإلى تلك المجموعة الصّغيرة من النّساء الشّجاعات عند الصّليب، لكي نتعلّم نحن أيضًا أن نقف مثلهنّ إلى جانب الصّلبان الّتي لا تُحصى في العالم، حيث لا يزال المسيح يُصلَب في إخوته، فنحمل إليها التّعزية والشّركة والعون. في مريم، أخت البشريّة، نتعرّف إلى ذواتنا، ونقول لها بكلمات أحد الشّعراءٍ: "أيّتها الأمّ، أنتِ كلّ امرأة تُحبّ، أيّتها الأمّ، أنتِ كلّ أمٍّ تبكي ابنًا قُتل، أو ابنًا خُذِل، هؤلاء الأبناء الّذين لا ينتهي قتلهم". تحت حمايتك نلتمس الملجأ، يا عذراء الفصح، مع جميع الّذين تتجدّد فيهم آلام ابنك.

في يوبيل الرّوحانيّة المريميّة، يضيء رجاؤنا بنور كلمات مريم الوديع والمثابر، الّتي ينقلها لنا الإنجيل. ومن بين جميع كلماتها، تبرز الأخيرة الّتي قالتها في عرس قانا الجليل، حين أشارت إلى يسوع وقالت للخدّام: "مهما قال لكم فافعلوه". بعد ذلك لن تتكلّم مريم أبدًا. لذا، فهذه الكلمات الّتي تكاد تكون وصيّةً أخيرة، يجب أن تكون عزيزة جدًّا على الأبناء، ككلّ وصيّة أمّ.

"مهما قال لكم فافعلوه". هي واثقة بأنّ ابنها سيتكلّم، وكلمته لم تنتهِ، ولكنّها لا تزال تخلق وتُولِّد وتعمل، وتملأ العالم ربيعًا، والجرار نبيذًا في وليمة الحياة. مريم، كعلامةٍ مرشدة، لا تشير إلى نفسها، بل إلى ما هو أبعد منها، إلى يسوع الرّبّ وكلمته، المركز الّذي إليه يتّجه كلّ شيء، والمحور الّذي يدور حوله الزّمن والأبديّة. "افعلوا كلمته" توصينا. أيّ: إجعلوا الإنجيل عملًا وجسدًا ودمًا، تعبًا وابتسامة. إفعلوا الإنجيل، وستتحوّل الحياة من فراغٍ إلى ملء، ومن خمودٍ إلى إشراق. إفعلوا كلّ ما يقوله لكم: كلّ الإنجيل، الكلمة الّتي تطالب، واللّمسة الّتي تُعزّي، والتّوبيخ والعناق معًا. ما تفهمونه وما لا تفهمونه. إنَّ مريم تحثّنا لكي نكون كالأَنبياء، وألّا نَدَع كلمةً واحدة من كلماته تسقط.

ومن بين كلمات يسوع الّتي لا نريدها أن تسقط، تبرز اليوم كلمةٌ بوجهٍ خاصّ في هذه العشيّة المخصّصة للصّلاة من أجل السّلام: الكلمة الّتي وجّهها إلى بطرس في بستان الزّيتون: "أغمد سيفك". إنزع السّلاح من يدك، وقبل ذلك من قلبك. وكما قلتُ في مناسبات أخرى، إنّ السّلام هو أعزل ويجرِّد من السّلاح. ليس ردعًا، بل أخوّة؛ ليس إنذارًا، بل حوارًا. ولن يأتي كثمرة انتصاراتٍ على العدوّ، بل كنتيجةٍ لبذور العدالة والمغفرة الشّجاعة. "أغمد سيفك" هي كلمة موجّهة إلى عظماء هذا العالم، إلى الّذين يقودون مصائر الشّعوب: تحلّوا بشجاعة نزع السّلاح! وهي أيضًا موجّهة إلى كلّ واحدٍ منّا، لكي نعي أنّه من أجل أيّ فكرة، أو إيمان، أو سياسة، لا يحقّ لنا أن نقتل. أوّل ما يجب علينا أن ننزع سلاحه هو القلب، لأنّه إن لم يكن فينا سلام، فلن نعطي سلامًا.

لنسمع مجدّدًا صوت الرّبّ يسوع: إنَّ عظماء العالم يبنون إمبراطوريّاتهم بالسّلطة والمال، "أمّا أنتم فليس الأمر فيكم كذلك". إنَّ الله لا يفعل هكذا: فالمعلّم لا يملك عروشًا، بل يتمنطق بمنشفة، ويركع عند أقدام كلّ واحدٍ ليغسلها. ومملكته هي تلك الفسحة الصّغيرة الكافية لغسل أقدام أصدقائه والعناية بهم. إنّها أيضًا دعوة لاكتساب نظرة مختلفة، لكي نرى العالم من الأسفل، بعيني المتألّمين، لا بعين الأقوياء؛ لكي نقرأ التّاريخ بعين الصّغار لا بعين العظماء؛ ولكي نفسّر أحداثه من وجهة نظر الأرملة واليتيم والغريب والطّفل الجريح والمنفيّ والهارب. بعين الغريق، وعين لعازر الفقير الملقى عند باب الغنيّ المتخم. وإلّا فلن يتغيّر شيء، ولن يولد زمنٌ جديد، ولا ملكوت عدلٍ وسلام. هكذا تفعل أيضًا العذراء مريم في نشيدها، حين تنظر إلى شقوق الإنسانيّة، حيث تتجلّى اعوجاجات العالم، في التّناقض بين المتواضعين والمتكبّرين، بين الفقراء والأغنياء، بين الجائعين والمشبَعين. وهي تختار الصّغار وتقف إلى جانب المهمّشين في التّاريخ، لكي تعلّمنا كيف نحلم معها بسماواتٍ جديدة وأرضٍ جديدة.

"افعلوا ما يقوله لكم". ونحن نلتزم بأن نجعل جسدًا وشغفًا، تاريخًا وعملًا، كلمة الرّبّ العظيمة هذه: "طوبى لصانعي السّلام". "طوبى لكم": إنَّ الله يمنح الفرح لمن يزرع الحبّ في العالم، والفرح لمن يفضّل السّلام مع العدوّ على الانتصار عليه.تشجّعوا وسيروا إلى الأمام أنتم الّذين تبنون الظّروف لمستقبل سلام، في العدالة والمغفرة؛ كونوا وديعين وثابتين، ولا تدعوا أذرعكم تسقط. السّلام هو مسيرة، والله يسير معكم. إنَّ الرّبّ يخلق وينشر السّلام عبر أصدقائه الّذين سكن السّلام في قلوبهم، والّذين يصبحون بدورهم صانعي سلام، وأدواتٍ لسلامه.

نحن مجتمعون هذا المساء في الصّلاة حول مريم، أمّ يسوع وأمّنا، كما كان التّلاميذ الأوائل في العلّيّة. إليها، المرأة المسالِمة في العمق، ملكة السّلام، نتوجّه قائلين: صلّي معنا، أيتها المرأة الأمينة، يا رحم الكلمة المقدّسة، علّمينا أن نصغي إلى صرخة الفقراء وصرخة أمّنا الأرض، وأن نكون متنبهين إلى نداءات الرّوح في خفاء القلب، وفي حياة الإخوة، وفي أحداث التّاريخ، وفي أنين الخليقة وابتهاجها. يا مريم القدّيسة، أمّ الأحياء، أيتها المرأةً القويّة، المتألّمة، والأمينة، أيّتها العذراء العروس عند أقدام الصّليب حيث يكتمل الحبّ ويتفجّر ينبوع الحياة، كوني أنتِ مرشدة التزامنا في الخدمة. علّمينا أن نقف معك عند أقدام الصّلبان الكثيرة، حيث يُصلب ابنك من جديد، وحيث تتعرّض الحياة أكثر للتّهديد؛ علّمينا أن نحيا ونشهد للمحبّة المسيحيّة، فنستقبل في كلّ إنسانٍ أخًا؛ وأن نتخلّى عن الأنانيّة المعتمة لكي نتبع المسيح، النّور الحقّ للإنسان. يا عذراء السّلام، يا باب الرّجاء الأكيد، إقبلي صلاة أبنائك!".