البابا لموظّفي أمانة سرّ دولة حاضرة الفاتيكان: كونوا إخوة وأبناء للبابا
هكذا شكر البابا لاون الرّابع موظّفي أمانة سرِّ دولة حاضرة الفاتيكان في كلمة توجّها بها إليهم أثناء استقبالهم اليوم في القصر الرّسوليّ، موصيًا إيّاهم أن يكونوا جماعة حقيقيّة متجذّرة في الإيمان والمحبّة.
وقال الأب الأقدس في كلمته بحسب "فاتيكان نيوز":
"تعود جذور هذه المؤسّسة، كما نعلم، إلى أواخر القرن الخامس عشر. ومع مرور الزّمن، أخذت تكتسب ملامح أكثر شموليّة واتّساعًا، فتطوّرت، وتوسّعت مهامها تبعًا للمتطلّبات الجديدة، سواء في الإطار الكنسيّ أو في علاقاتها مع الدّول والمنظّمات الدّوليّة. واليوم، يشكّل المؤمنون العلمانيّون حوالي من نصف أعضائها، كما أنّ عدد النّساء، علمانيّات وراهبات، يتجاوز الخمسين.
لقد أفضى هذا التّطوّر إلى أن تعكس أمانة السّرّ اليوم، في بنيتها وعملها، وجه الكنيسة الحقيقيّ. فهي جماعة كبيرة تعمل إلى جانب البابا، نتقاسم معًا تساؤلات، وصعوبات، وتحدّيات وآمال شعب الله المنتشر في جميع أصقاع العالم. ونقوم بذلك دائمًا من خلال التّعبير عن بُعدين أساسيّين: التّجسّد والكثلكة.
فنحن متجسّدون في الزّمن وفي التّاريخ، إذ إنّ الله، حين اختار أن يسلك درب البشريّة ويتكلّم بلغات البشر، دعا الكنيسة أيضًا لأن تسير في هذا الطّريق، لكي يصل فرح الإنجيل إلى الجميع، ويتجسّد في الثّقافات واللّغات المعاصرة. وفي الوقت عينه، نسعى دومًا إلى الحفاظ على نظرة كاثوليكيّة، شاملة، تُمكّننا من تقدير التّنوّع الثّقافيّ وتعدّد الحساسيّات. وبهذا الشّكل، يمكننا أن نكون مركزًا نابضًا يلتزم في نسج أواصر الشَّرِكة بين كنيسة روما والكنائس المحلّيّة، ويعزّز علاقات الصّداقة في الجماعة الدّوليّة.
في العقود الأخيرة، أصبح هذان البعدان– التّجسّد في الزّمن والنّظرة الشّاملة– من العناصر الأساسيّة الّتي تشكّل روح عمل الكوريا الرّومانيّة. وقد وجّهتنا في هذا المسار الإصلاحات الّتي أجراها القدّيس بولس السّادس على الكوريا الرّومانيّة، مستلهمًا رؤية المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. فقد أدرك، بوضوح وقوّة، ضرورة أن تكون الكنيسة متنبِّهة تجاه تحدّيات التّاريخ، آخذًا بعين الاعتبار "سرعة وتيرة الحياة المعاصرة" و"أوضاع عالمنا المتحوِّلة". وفي الوقت عينه، أعاد التّأكيد على وجوب أن يكون هذا العمل الكنسيّ تعبيرًا حيًّا عن كاثوليكيّة الكنيسة وشموليّتها، ولهذا أقرّ بأنّ "الّذين يشاركون في إدارة الكرسيّ الرّسوليّ يجب أن يُدعَوا من جميع أنحاء العالم".
وبالتّالي فإنّ التّجسّد يُحيلنا إلى واقعيّة الحياة وخصوصيّتها، وإلى المواضيع الملموسة الّتي تتناولها مختلف هيئات الكوريا الرّومانيّة، بينما يُذكّرنا البُعد الكاثوليكيّ بسرّ الوحدة المتعدّدة الأشكال في الكنيسة، ويطلب منّا بعدها عمل توليف يمكنه أن يساعد عمل الحبر الأعظم. وهنا تبرز أمانة سرّ الدّولة لكونها الحلقة الّتي تجمع بين هذين البُعدين، والرّكيزة الّتي تقوم عليها هذه الوحدة. وقد شاء بولس السّادس– الخبير في أمور الكوريا الرّومانيّة– أن يمنح هذه الخدمة هيكلًا جديدًا، فأسّسها فعليًّا كنقطة التقاء أساسيّة، وثبّتها في دورها المحوريّ، من حيث التّنسيق بين الدّوائر المختلفة والمؤسّسات التّابعة للكرسيّ الرّسوليّ.
وقد أكّدً الدّستور الرّسوليّ الأخير "Praedicate Evangelium" هذا الدّور التّنسيقيّ لأمانة السّرّ، مبيّنًا تنوّع المهام الموكولة إلى قسم الشّؤون العامّة، بإدارة النّائب المساعد وبدعم من المستشار. وإلى جانب هذا القسم، يُحدّد الدّستور عينه قسم العلاقات مع الدّول والمنظّمات الدّوليّة، الّذي يشرف عليه الأمين العامّ بمساعدة نائبين، ويتولّى هذا القسم رعاية العلاقات الدّبلوماسيّة والسّياسيّة بين الكرسيّ الرّسوليّ والدّول وسائر الكيانات القانونيّة الدّوليّة، في هذه المرحلة التّاريخيّة الحسّاسة. أمّا قسم شؤون السّلك الدّبلوماسيّ، بإشراف أمينه العامّ ونائبه، فيضطلع بمسؤوليّة متابعة البعثات البابويّة وأعضاء السّلك الدّبلوماسيّ المقيمين في روما وفي مختلف أنحاء العالم.
أعلم جيّدًا أنّ هذه المهام ملزمة جدًّا، وقد لا تُفهَم أحيانًا على وجهها الصّحيح. ولهذا أرغب في أن أعبّر لكم عن قُربي منكم، ولاسيّما، عن امتناني العميق. شكرًا لكم على الكفاءات الّتي تضعونها في خدمة الكنيسة، وعلى عملكم الّذي يتمّ في أغلب الأحيان في الخفاء، وعلى الرّوح الإنجيليّ الّذي يُلهِمه. واسمحوا لي، انطلاقًا من هذا الامتنان، أن أوجّه إليكم نداءً أستند فيه مجدّدًا إلى كلمات القدّيس بولس السّادس: ليُحفظ هذا المكان من التّلوّث بالطّموحات الشّخصيّة أو التّنافس العقيم؛ وكونوا جماعة حقيقيّة متجذّرة في الإيمان والمحبّة، "إخوة وأبناء للبابا"، يبذلون ذواتهم بسخاء من أجل خير الكنيسة.
أوكلكم جميعًا إلى شفاعة الطّوباويّة مريم العذراء، أمّ الكنيسة، وبينما أشكركم لأنّي أعلم أنّكم تصلّون من أجلي كلّ يوم، أُبارككم من أعماق قلبي، فردًا فردًا، وأبارك أحبّاءكم وعملكم."