الفاتيكان
30 تموز 2025, 07:50

البابا للمرسلين الرّقميّين والمؤثّرين: "إذهبوا وأصلحوا الشّباك"

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام القدّاس الإلهيّ الّذي ترأّسه نائب عميد دائرة البشارة الكاردينال لويس أنطونيو تاغل أمس الثّلاثاء، في بازيليك القدّيس بطرس لمناسبة يوبيل المرسلين الرّقميّين والمؤثّرين، والّذي شارك فيه 1100 شخص جاؤوا إلى روما خلال هذه الأيّام من 146 دولة مختلفة، وصل البابا لاون الرّابع عشر ووجّه إلى الشّباب كلمة بثلاث لغات: الإيطاليّة، والإنجليزيّة، والإسبانيّة، جاء في نصّها:

"بِاسم الآب والابن والرّوح القُدُس. السّلام لكم!

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، بدأنا بهذه التّحيّة: السّلام لكم!

وكم نحن بحاجة إلى السّلام في زماننا هذا الممزّق بالعداوات والحروب. وكم تدعونا اليوم تحيّة الرّبّ القائم من بين الأموات إلى شهادة الإيمان: "السَّلامُ علَيكم!" (يوحنّا 20، 19). السّلام معنا جميعًا. في قلوبنا وفي أعمالنا.

هذه هي رسالة الكنيسة: أن تبشِّر العالم بالسّلام! السّلام الّذي يأتي من الرّبّ يسوع، الّذي انتصر على الموت، وحمل لنا المغفرة من الله، ومنحنا حياة الآب، ودلّنا على طريق المحبّة!

1. إنّها الرّسالة الّتي تكلِّفكم بها الكنيسة اليوم أيضًا. أنتم الّذين جئتم إلى روما من أجل يوبيلكم، جئتم لتجديد التزامكم بتغذية شبكات التّواصل الاجتماعيّ والمجالات الرّقميّة بالرّجاء المسيحيّ. السّلام بحاجة إلى من يبحث عنه، ويبشِّر به، ويتشارك فيه مع الجميع في كلّ مكان، سواء في أماكن الحروب والمآسي، أو في القلوب الفارغة للّذين فقدوا معنى الحياة وطعم الحياة الدّاخليّة والحياة الرّوحيّة. واليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، نحن بحاجة إلى تلاميذ مُرسَلين يحملون إلى العالم عطيّة الرّبّ القائم من بين الأموات، ويردّدون صوت الرّجاء الّذي منحنا إيّاه يسوع الحيّ، حتّى أقاصي الأرض (راجع أعمال الرّسل 1، 3-8)، ويَصِلُون إلى كلّ مكان فيه قلب ينتظر، ويبحث، وقلب محتاج. نعم، حتّى أقاصي الأرض، وهوامش الوجود حيث لا يوجد رجاء.

2. وفي هذه الرّسالة يوجد تحدٍّ ثانٍ: في المجالات الرّقميّة، ابحثوا دائمًا عن "جسد المسيح المتألّم" في كلّ أخ وأخت. نحن اليوم أمام ثقافة جديدة، تتَّسِمُ بعمق بالتّكنولوجيا، وهي مبنيّة عليها وبها. ويقع علينا- وعليكم- أن نضمن بقاء هذه الثّقافة إنسانيّة.

العِلم والتّكنولوجيا يؤثّران في طريقة وجودنا وبقائنا في العالم، بل يؤثّران أيضًا في فهمنا لذاتنا وعلاقاتنا مع الآخرين ومع الله. لكن لا يجوز أن يُستخدم أيّ شيء يصدر عن الإنسان وإبداعه لكي يسيء إلى كرامة الآخر. رسالتنا، ورسالتكم، هي تغذيّة ثقافة إنسانيّة مسيحيّة، ويجب أن نقوم بها معًا. هذه هي، بالنّسبة إلينا جميعًا، جمال "شبكة التّواصل".

أمام التّحوّلات الثّقافيّة عبر التّاريخ، لم تبقَ الكنيسة قط مكتوفة الأيدي، بل سعت دائمًا إلى أن تنير كلّ زمان بنور المسيح ورجائه، وإلى أن تميِّز بين الخير والشّرّ، وكم ينشأ من الصّلاح في ما يجب تغييره وتبديله وتنقيته.

واليوم، في ثقافة صار البُعد الرّقميّ فيها حاضرًا في كلّ شيء تقريبًا، وفي زمنٍ تُحدث فيه ولادة الذّكاء الاصطناعيّ جغرافيا جديدة في حياة النّاس وفي كلّ المجتمع، فإنّ هذا هو التّحدّي الّذي علينا مواجهته، بالتّأمّل في صدق شهادة إيماننا، وقدرتنا على الإصغاء والكلام، وعلى أن نفهم وأن يَفهمنا النّاس. واجبنا أن نبلور معًا فكرًا ولغة، يزرعان في أبناء زماننا، صوت المحبّة.

ليس الأمر هو مجرّد إنتاج محتوى، بل هو لقاء القلوب، والبحث عن المتألّم والمحتاج إلى معرفة الرّبّ يسوع لكي يُشفى من جراحه، ويقوم من جديد، ويجد معنى لحياته. ونبدأ بأنفسنا وبفقرنا، ونتخلّى عن كلّ قناع، ونعترف بأنّنا نحن أوّلًا بحاجة إلى الإنجيل. وهذا أيضًا نقوم به معًا.

3. وهذا يقودنا إلى نداء ثالث موجّه إليكم جميعًا: "اذهبوا وأصلحوا الشّباك". دعا يسوع الرّسل الأوائل بينما كانوا منشغلين بإصلاح شباك صيدهم (راجع متّى 4، 21-22). وهو يطلب هذا منّا الآن، بل ويطلب منّا اليوم أن ننسج شباكًا جديدة: شباك علاقات، وشباك محبّة، وشباك مشاركة مجانيّة، حيث تكون الصّداقة عميقة وحقيقيّة. وشباك يمكن أن يُرمَّم فيها ما تمزّق، ويُشفى من العزلة، ليس بعدد المتابعين، بل باختبار عظمة المحبّة اللّامتناهية في كلّ واحد وكلّ لقاء. وشباك تعطي المجال للآخر أكثر من ذاتنا، حيث لا تغطّي "الفقاعات" أصوات الضّعفاء. وشباك تحرّر وتخلّص. وشباك تجعلنا نكتشف من جديد جمال النّظر في عيون بعضنا البعض. وشباك الحقيقة. إذّاك، ستكون كلّ قصّة خير نشارك فيها هي قصّة في شبكة واحدة كبيرة: شبكة الشّبكات، شبكة الله.

فكونوا إذًا صانعي وَحدة وشركة، قادرين على كسر منطق الانقسام والاستقطاب، ومنطق الفرديّة والأنانيّة. وكونوا متجذّرين في المسيح، لكي تنتصروا على منطق العالم، وعلى الأخبار الكاذبة، والتّفاهات، بجمال ونور الحقيقة (راجع يوحنّا 8، 31-32).

والآن، قبل أن أودّعكم بالبركة، وأُوكل إلى الرّبّ يسوع شهادة إيمانكم، أودّ أن أشكركم على كلّ خير صنعتموه وتصنعونه في حياتكم، وعلى الأحلام الّتي تحملونها، وعلى محبّتكم للرّبّ يسوع، وعلى محبّتكم للكنيسة، وعلى المساعدة الّتي تقدّمونها للمتألّمين، وعلى مسيرتكم في المجالات الرّقميّة."