البابا للحركات الشعبيّة: "الدخل الأساسيّ العالميّ ليس مجرّد رحمة، بل عدالة بحتة"
زار البابا فرنسيس، مقرّ دائرة تعزيز التنمية البشريّة المتكاملة لحضور حدث "غرس علم ضدّ التجريد من الإنسانيّة".
وكان في انتظاره ممثّلو الحركات الشعبيّة، بمناسبة الذكرى السنويّة العاشرة للاجتماع العالميّ الأوّل لها مع البابا، والذي عقد في روما عام 2014.
"الاجتماع"، وهو عبارة عن مساحة للأخوّة بين المنظّمات الشعبيّة من القارّات الخمس، يعزّز ثقافة اللقاء لدعم الإسكان والأرض، والعمل، بهدف الحوار والتفكير في المسيرة منذ عام 2014 لمواجهة تحدّيات اليوم لصالح العدالة الاجتماعيّة والسلام في بيتنا المشترك.
عندما وصل البابا جلس بين المشاركين، ثمّ ألقى خطابًا طويلًا، تحدّث فيه باللغة الإسبانيّة.
تناول فيه العدالة الاجتماعيّة، ودعا إلى رعاية الفئات الأكثر ضعفًا - كبار السنّ والأطفال والفقراء – وأصرّ على قيمة "الرحمة"، بمعنى "المعاناة مع" الآخرين، والوقوف إلى جانبهم، وأن نكون صوت من لا صوت لهم.
ودعا الأثرياء إلى تقاسم مواردهم، مذكّرًا إيّاهم "بأنّ الثروة وُجدت للمشاركة ولخلق الأخوّة وتعزيزها".
وشدّد الأب الأقدس على أن "من دون محبّة نحن لا شيء"، وأنّ العلاقات كلّها يجب أن تقوم على هذه المحبّة، كما يجب السعي إلى تحقيق العدالة بعيدًا عن العنف.
وأعرب عن أمله في أن يخرج الأفراد الأقوياء اقتصاديًّا من العزلة، وأن "يرفضوا الأمن الزائف للمال، ويتقبّلوا تقاسم الخيرات"...
وأصرّ على أنّ الثروة يجب أن يُصار إلى تقاسمها "ليس كصدقة"، بل "بشكل أخويّ".
وقال إنّ التكديس ليس أمرًا صالحًا بل التوزيع هو كذلك، "فيسوع لم يكدّس بل كثّر"...
وندّد بالمنافسة غير المقيّدة على الثروة ووصفها بأنّها "قوّة مدمّرة تؤدّي إلى الهلاك"، وبأنّها "غير مسؤولة وغير أخلاقيّة وغير عقلانيّة". وقال إنّ هذا الجشع يقسّم البشريّة ويدمّر الخليقة.
وحثّ القادة على الاستجابة لـ "صرخة المستبعدين"، التي لديها القدرة على إيقاظ ضمائر المسؤولين عن إنفاذ الحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة...
وأوضح الأب الأقدس أنّ العدالة يجب أن تكون مصحوبة بالرحمة. الرحمة لا تعني إعطاء الصدقات من موقع امتياز، بل هي الاقتراب من الآخرين بالتعاطف والتضامن.
وقال إنّ التعاطف الحقيقيّ يبني الوحدة وجمال العالم.
كما أدان "ثقافة الفائزين" التي هي جانب من "ثقافة التبذير". هذه الممارسة، التي تعتمد غالبًا على استغلال الناس أو الطبيعة، أو الاستفادة من المضاربات الماليّة، أو التهرّب الضريبيّ، أو الجريمة المنظّمة، تدفع البعض إلى احتقار من يسمّون "بالخاسرين" بغطرسة...وهذا يغذّي العنف.
وشدّد على أنّ "الصمت في وجه الظلم يفتح الطريق أمام الانقسام الاجتماعيّ، والانقسام الاجتماعيّ يفتح الطريق أمام العنف اللفظيّ، والعنف اللفظيّ يفتح الطريق أمام العنف الجسديّ، والعنف الجسديّ يشرّع الباب للحرب".
كذلك، حذّر البابا من أنّ السعي وراء المصلحة الذاتيّة والفرديّة يؤدّي إلى شكل من أشكال "الداروينيّة الاجتماعيّة"، حيث قانون الأقوى يبرّر اللامبالاة والقسوة.
وأشار إلى أنّ ذلك يأتي من الشيطان، وشجّع الحركات الشعبيّة على مقاومة أي محاولة لمحو الذاكرة الثقافيّة أو الهويّة الثقافيّة، وهو ما رمز إليه بإشارته إلى "التماسيح" التي تسعى إلى التهام قيم المجتمعات.
وأعرب عن قلقه إزاء صعود الجريمة المنظّمة التي تتغذّى على الفقر والإقصاء. ودعا إلى مواصلة محاربة الاقتصاد الإجراميّ عبر الاقتصاد الشعبيّ، مشدّدا على ألّا ينبغي أن يكون أي طفل أو شخص سلعة في أيدي "تجّار الموت".
في الختام، جدّد البابا فرنسيس دعوته إلى توفير دخل أساسيّ عالميّ لضمان عدم حرمان أي شخص في عصر الأتمتة والذكاء الاصطناعيّ من الضروريّات الأساسيّة. وأصرّ على أنّ هذا ليس مجرّد "رحمة" بل "عدالة صارمة".
وأخيرًا، أعرب البابا عن أمله الشخصيّ للأجيال المقبلة: "كم أتمنّى أن تجد الأجيال الجديدة عالمًا أفضل بكثير من العالم الذي تلقّيناه".
وختم برسالة أمل: "الأمل أضعف الفضائل، لكنّه لا يخيّب أبدًا".