البابا للأساقفة: الأسقف هو خادم مدعوّ إلى خدمة إيمان الشّعب
هذا ما ذكّر به البابا لاون الرّابع عشر الأساقفة الّذين نالوا السّيامة الأسقفيّة خلال هذا العام، أثناء استقبالهم الخميس في قاعة السّينودس في الفاتيكان، في كلمة قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":
"أيّها الإخوة الأحبّاء في الأسقفيّة، أرحّب بكم وأحيّيكم بفرح عظيم في ختام أيّام التّنشئة والصّلاة الّتي عشتُموها معًا هنا في روما. أشكر دائرة الأساقفة، ودائرة الكنائس الشّرقيّة، ودائرة البشارة، بشخص العمداء وأمناء السّرّ ومعاونيهم، على ما قاموا به من إعداد وتنظيم لهذه اللّقاءات. أودّ أن أذكّركم أوّلًا بأمر بديهيّ، إنّما غير مُسلَّم به دائمًا: إنّ العطيّة الّتي نلتموها ليست لكم وحدكم، بل وُهِبَت لكم لكي تخدموا قضيّة الإنجيل. لقد تمّ اختياركم ودُعيتم لكي تُرسَلوا، كرسلٍ للرّبّ وخدّام للإيمان. وعند هذا بالتّحديد أودّ أن أتوقّف قليلًا قبل أن نفتح معًا حوارًا أخويًّا: الأسقف هو خادم، والأسقف مدعوّ إلى خدمة إيمان الشّعب.
هذا الأمر يتعلّق بهويّتنا العميقة. لأنّ الخدمة ليست سمة خارجيّة أو أسلوبًا لممارسة الدّور. بل على العكس. إذ يطلب من الّذين يدعوهم يسوع، ليكونوا تلاميذًا ومعلنين للإنجيل، ولاسيّما من الاثني عشر، حرّيّة داخليّة وفقر روح واستعدادًا للخدمة الّتي تولد من المحبّة، لكي يجسّدوا خيار يسوع نفسه: الّذي صار فقيرًا ليغنينا. فهو قد كشف لنا أسلوب الله، الّذي لا يظهر نفسه لنا في القوّة، بل في محبّة الآب الّذي يدعونا إلى الشّركة معه.
وفيما يتعلّق بسيامة الأسقف يقول القدّيس أوغسطينوس: "أوّل ما على من يرأس الشّعب أن يفهم أنّه خادمٌ لكثيرين". وهو يذكّر أيضًا أنّ "حبّ العظمة" كان قد تسلّل إلى قلوب الرّسل، ممّا اضطرّ يسوع أن يتدخّل كطبيب ليشفيهم. في الواقع نحن نتذكّر تحذير الرّبّ حين رأى التّلاميذ يتجادلون عمّن هو الأكبر بينهم: "من أراد أن يكون كبيرًا فيكم، فليكن لكم خادمًا. ومن أراد أن يكون الأوّل فيكم، فليكن لأجمعكم عبدًا".
لذلك أطلب منكم أن تسهروا دائمًا، وأن تسيروا في التّواضع والصّلاة، لكي تصيروا خدّامًا للشّعب الّذي يرسلكم الرّبّ إليه. هذه الخدمة- كما ذكّر البابا فرنسيس في مناسبة مماثلة- تتجلّى في كوننا علامة على قرب الله. فقد قال: "إنّ القرب من الشّعب الّذي أوكل إلينا ليس استراتيجيّة انتهازيّة، بل هو شرطنا الجوهريّ".
إنّ يسوع يحبّ أن يقترب من إخوته من خلالنا: من خلال أيدينا المفتوحة الّتي تلمس وتواسي، ومن خلال كلماتنا لكي نمسح العالم ببلسم الإنجيل لا بأنفسنا، ومن خلال قلوبنا الّتي تحمل هموم الإخوة وأفراحهم.
وفي الوقت عينه، علينا اليوم أن نسأل أنفسنا ما معنى أن نكون خدّامًا لإيمان الشّعب. فعلى الرّغم من أهمّيّة الوعي بأنّ خدمتنا متجذّرة في روح الخدمة على مثال المسيح، إلّا أنّ هذا وحده لا يكفي. إذ يجب أن يترجم ذلك عمليًّا في أسلوب رسوليّ ملموس: في مختلف أشكال الرّعاية، وفي الخدمة الإداريّة الرّعويّة، وفي الشّغف بإعلان الإنجيل بطرق متنوّعة وخلاّقة بحسب الظّروف الّتي ستواجهونها.
إنّ أزمة الإيمان وصعوبة نقله، إلى جانب تعب الانتماء والممارسة الكنسيّة، تدعونا لكي نستعيد الحماسة والشّجاعة لبشارة جديدة بالإنجيل. وفي الوقت عينه، نرى كثيرين ممّن يبدون بعيدين عن الإيمان، يعودون إلى طرق أبواب الكنيسة أو ينفتحون على بحث جديد عن الرّوحانيّة، لكنّهم لا يجدون دائمًا لغة أو أشكالًا ملائمة في الاقتراحات الرّعويّة التّقليديّة.
ولا يجب أن ننسى أيضًا التّحدّيات الأخرى الثّقافيّة والاجتماعيّة الّتي تخصّنا جميعًا، وتهمّ بشكل خاصّ بعض المناطق: مأساة الحروب والعنف، آلام الفقراء، توق الكثيرين إلى عالم أكثر أخوّة وتضامنًا، التّحدّيات الأخلاقيّة الّتي تسائلنا حول قيمة الحياة والحرّيّة، وغيرها.
في هذا السّياق، ترسلكم الكنيسة كرعاة حريصين، ساهرين، يعرفون أن يشاركوا النّاس مسيرتهم وأسئلتهم وقلقهم ورجاءهم؛ رعاة يريدون أن يكونوا مرشدين وآباء وإخوة للكهنة وللإخوة والأخوات في الإيمان.
أيّها الأعزّاء، أصلّي من أجلكم، لكي لا ينقصكم أبدًا نَسيم الرّوح القدس، ولكي ينتشر فرح سيامتكم الأسقفيّة كشذا طيّب على جميع الذين ستخدمونهم."