الفاتيكان
12 حزيران 2025, 05:55

البابا لاون الرّابع عشر يصلّي من أجل ضحايا مأساة مدرسة غراتس في النّمسا

تيلي لوميار/ نورسات
"أودّ أن أؤكّد صلاتي من أجل ضحايا المأساة الّتي وقعت في مدرسة غراتس. أنا قريب من العائلات، والمعلّمين، ورفاق الدّراسة".

كلمات بسيطة وإنّما حملت مشاعر كبيرة نطق بها البابا لاون الرّابع عشر في ختام مقابلته العامّة أمس الأربعاء الّتي أجراها في ساحة القدّيس بطرس، معربًا عن قربه من ضحايا "المجزرة الّتي وقعت في مدرسة "بورغ" في مدينة غراتس بمنطقة شتايرمارك، ثاني أكبر مدينة في النمسا، حيث أطلق طالب سابق النّار داخل الفصول الدّراسيّة. وقد بلغ عدد الضّحايا أحد عشر قتيلًا، بينهم تسعة طلّاب، إلى جانب نحو ثلاثين جريحًا من التّلاميذ والمعلّمين، بعضهم في حالٍ حرجة. من بين الضّحايا طلّاب تتراوح أعمارهم بين ١٤ و١٨ عامًا، بالإضافة إلى شخص بالغ واحد على الأقلّ. كما شملت قائمة القتلى منفّذ الهجوم المفترض، الّذي يُرجّح أنّه أقدم على الانتحار. وقد توفّي أحد الجرحى، الّذي كان يتلقّى العلاج في المستشفى".

وكان الأب الأقدس قد استهلّ تعليمه الأسبوعيّ مضيئًا على شفاء أعمى أريحا، وقال بحسب "فاتيكان نيوز": "أودّ من خلال هذا التّعليم أن أوجّه نظرنا إلى جانب أساسيّ آخر من حياة يسوع، أيّ إلى شفاءاته. لهذا السّبب أدعوكم أن تضعوا أمام قلب المسيح أكثر الأجزاء المؤلمة أو الهشّة في حياتكم، تلك الأماكن في حياتكم الّتي تشعرون فيها بأنّكم عالقون ومُعترضون. لنطلب من الرّبّ بثقة أن يسمع صرختنا ويشفينا!
إنّ الشّخصيّة الّتي ترافقنا في هذا التّأمّل تساعدنا لكي نفهم أنّه لا ينبغي علينا أبدًا أن نفقد الرّجاء، حتّى عندما نشعر بالضّياع. إنّه برتيماوس، الأعمى والمتسوِّل الّذي التقاه يسوع في أريحا. إنّ المكان مهمّ: يسوع هو في طريقه إلى أورشليم، لكنّه يبدأ رحلته، إذا جاز التّعبير، من "العالم السّفليّ" في أريحا، وهي مدينة تحت مستوى سطح البحر. إنّ يسوع، في الواقع، بموته، قد ذهب ليستعيد آدم الّذي سقط إلى الأسفل والّذي يمثّل كلّ واحد منّا.
إنّ برتيماوس يعني "ابن تيماوس": إنّه يصف ذلك الرّجل من خلال علاقة، ومع ذلك فهو وحيد بشكل مأساويّ. غير أنّ هذا الاسم يمكنه أن يعني أيضًا "ابن الشّرف" أو "ابن الإعجاب"، وهو بالضّبط عكس الوضع الّذي يجد نفسه فيه. ولأنّ الاسم مهمّ جدًّا في الثّقافة اليهوديّة، فهذا يعني أنّ برتيماوس قد فشل في أن يكون على مستوى ما قد دُعي إليه.
على عكس الحركة الكبيرة للنّاس الّذين يسيرون خلف يسوع، فإنّ برتيماوس ثابت في مكانه. يقول الإنجيليّ إنّه جالس على جانِبِ الطَّريق، لذا فهو يحتاج إلى من يوقفه مجدّدًا على قدميه ويساعده على استئناف المسيرة. ماذا يمكننا أن نفعل عندما نجد أنفسنا في موقف يبدو أنّه لا مخرج منه؟ يعلّمنا برتيماوس أن نستدعي الموارد الّتي نحملها في داخلنا والّتي تشكِّل جزءًا منّا. إنّه متسوّل، يعرف كيف يطلب، لا بل يمكنه أن يصرخ! إذا كنت ترغب حقًّا في شيء ما، فإنك تفعل كلّ ما بوسعك لكي تحقِّقه، حتّى عندما يوبّخك الآخرون ويذلّونك ويطلبون منك أن تتخلّى عن الموضوع. ولكن إذا كنت ترغب فيه حقًّا، فاستمرّ في الصّراخ!
إنّ صرخة برتيماوس الّتي نجدها في إنجيل مرقس- "رُحْماك، يا ابنَ داود، يا يَسوع!"- أصبحت صلاة معروفة في التّقليد الشّرقيّ، ويمكننا نحن أيضًا أن نستخدمها: "أيّها الرّبّ يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ".
إنّ برتيماوس هو أعمى، ولكن من المفارقات أنّه يرى أفضل من الآخرين ويعرف من هو يسوع! أمام صراخه، توقّف يسوع وناداه، لأنّه ليس هناك صرخة لا يسمعها الله، حتّى عندما لا ندرك أننا نخاطبه. يبدو غريبًا أنّ يسوع، أمام رجل أعمى، لم يذهب إليه فورًا؛ ولكن إذا تأمّلنا في الأمر، إنّها الطّريقة لإعادة تنشيط حياة برتيماوس: يدفعه إلى النّهوض، ويثق في قدرته على المشي. ذلك الرّجل يستطيع أن يقف على قدميه من جديد، ويمكنه أن يقوم من حالات الموت الّتي يعيشها. لكن لكي يفعل ذلك عليه أن يقوم بفعل ذو معنى كبير: عليه أن يلقي عنه رداءه!
بالنّسبة للمتسوّل، الرّداء هو كلّ شيء: هو الأمان، هو البيت، هي الحماية الّتي تحميه. حتّى أنّ القانون كان يحمي رداء المتسوّل ويفرض إعادته في المساء إذا كان قد أُخذ كرُبى. ومع ذلك، في كثير من الأحيان، ما يعيقنا هو بالأحرى ضماناتنا الظّاهرة، تلك الّتي نرتديها لكي نحمي أنفسنا ولكنّها في الواقع تمنعنا من السّير. لكي يذهب إلى يسوع ويسمح له أن يشفيه، وجب على برتيماوس أن يكشف له هشاشته كلّها. إنّها المرحلة الأساسيّة لكلّ مسيرة شفاء.
حتّى السّؤال الّذي طرحه يسوع عليه يبدو غريبًا: "ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لك؟". لكن في الحقيقة، ليس من البديهيّ أنّنا نريد أن نشفى من أمراضنا، أحيانًا نفضّل البقاء ساكنين لكي لا نتحمّل المسؤوليّة. لكن جواب برتيماوس كان عميقًا: فقد استخدم الفعل اليونانيّ "anablepein" الّذي يمكنه أن يعني "أن يرى مجدّدًا"، ولكن يمكننا ترجمته أيضًا بـ"أن يرفع نظره". إنَّ برتيماوس، في الواقع، لا يريد فقط أن يرى مجدّدًا، بل يريد أيضًا أن يستعيد كرامته! ولكي ننظر إلى الأعلى، علينا أن نرفع رؤوسنا. وأحيانًا يتوقّف الأشخاص لأنّ الحياة أذلّتهم ويريدون فقط أن يستعيدوا قيمتهم الذّاتيّة.
إنَّ ما ينقذ برتيماوس، وكلّ واحد منّا، هو الإيمان. إنّ يسوع يشفينا لكي نتمكّن من أن نصبح أحرارًا. هو لم يدعُ برتيماوس لكي يتبعه، بل قال له أن يذهب، وأن يواصل السّير. لكنّ الإنجيليّ مرقس يختتم الرّواية بالإشارة إلى أنّ برتيماوس بدأ يتبع يسوع: لقد اختار بحرّيّة أن يتبع الّذي هو الطّريق!
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، لنضع بثقة أمام يسوع أمراضنا، وأمراض أحبّائنا، لنحمل ألم الّذين يشعرون بأنّهم ضائعون وليس لديهم مخرج. لنصرخ من أجلهم أيضًا، ولنكن على يقين من أنّ الرّبّ سيسمعنا وسيتوقّف."