الفاتيكان
28 أيار 2025, 13:20

البابا لاون الرّابع عشر: قبل أن نكون مؤمنين نحن مدعوّون لأن نكون بشرًا

تيلي لوميار/ نورسات
في لقاء يتجدّد أسبوعيًّا، أطلّ البابا لاون الرّابع عشر على المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيسة بطرس، ليلقي على مسامعهم تعليمه الأسبوعيّ خلال المقابلة العامّة، مواصلًا تأمّلاته في أمثال الإنجيل "الّتي تشكّل لنا فرصة لتغيير نظرتنا وفتح قلوبنا للرّجاء. لأنّ غياب الرّجاء كثيرًا ما يكون نتيجةَ تمسّكنا بأسلوب متشدِّد ومنغلق لرؤية الأمور. أمّا الأمثال، فتساعدنا على أن ننظر إليها من وجهة نظر أخرى."

وفي تفاصيل تعليمه، قال الأب الأقدس وفقًا لما نشر موقع "فاتيكان نيوز": "أودّ اليوم أن أحدّثكم عن رجل عالم، خبير، معلِّم في الشّريعة، لكنّه بحاجة إلى أن يغيّر نظرته، لأنّه متمركز حول ذاته ولا يتنبّه للّذين هم من حوله. فهو في الواقع يوجّه إلى يسوع سؤالًا حول كيف يمكنه أن يرث الحياة الأبديّة، مستخدمًا تعبيرًا يوحي بأنّها حقّ مكتسب لا جدال فيه. غير أنّ هذا السّؤال قد يخفي في طيّاته حاجةً عميقة إلى الاهتمام، فالكلمة الوحيدة الّتي طلب من يسوع أن يوضحها كانت كلمة "القريب"، وهي تعني حرفيًّا: الشّخص الّذي هو قريب منّي. ولهذا، يروي يسوع مثلًا، مسارًا يغيّر به السّؤال، ليقودنا من السّؤال "من يحبّني؟" إلى "من أحبَّ؟". إنَّ السّؤال الأوّل هو سؤالٌ غير ناضج، أمّا الثّاني فهو سؤال إنسان راشد أدرك معنى حياته. الأوّل يصدر عنّا عندما نضع أنفسنا في الزّاوية وننتظر، أمّا السّؤال الثّاني فهو الّذي يدفعنا لكي نضع أنفسنا في مسيرة.

إنَّ المثل الّذي يرويه يسوع في الواقع يتمّ في سياق طريق، وهي طريق صعبة وشاقّة، كما هي الحياة. يسلكها رجل نازل من أورشليم، المدينة الواقعة على الجبل، إلى أريحا، المدينة الواقعة تحت مستوى سطح البحر. وكأنّ هذه الصّورة تُمهِّد لما قد يحدث: وفي الواقع تعرّض هذا الرّجل للضّرب والسّلب وتُرِك بين حيّ وميت. إنّها خبرة تحدث عندما تأتينا الخيبات من المواقف أو الأشخاص، وأحيانًا حتّى من الّذين وثقنا بهم، فيسلبوننا كلّ شيء ويتركوننا وسط الطّريق. غير أنّ الحياة مليئة باللّقاءات، وفي هذه اللّقاءات تظهر حقيقتنا. أمام ضعف الآخر وهشاشته، يمكننا أن نختار: إمّا أن نعتني به، أو أن نتجاهله. لقد مرّ كاهن ولاوي من الطّريق عينه، وهما من الأشخاص الّذين يخدمون في هيكل أورشليم، والّذين يقيمون في المكان المقدّس. لكنّ الممارسة الدّينيّة لا تؤدّي تلقائيًّا إلى الشّفقة. فالشّفقة في الواقع ليست أوّلًا مسألة دينيّة، بل هي مسألة إنسانيّة! وقبل أن نكون مؤمنين، نحن مدعوّون لأن نكون بشرًا.

يمكننا أن نتخيّل أنّ هذا الكاهن وذلك اللّاوي كانا في عجلة من أمرهما للعودة إلى ديارهما بعد بقائهما في أورشليم لمدّة طويلة. وهذه العجلة، المنتشرة في حياتنا، غالبًا ما تمنعنا من الشّعور بالشّفقة. لأنَّ الّذي يظنّ أنّ رحلته هي أهمّ من أيّ شيء آخر، لا يمكنه أن يتوقّف من أجل الآخرين. ولكن، ها هو شخص ثالث يظهر، رجل يعرف كيف يتوقّف: سامريّ، من شعبٍ كان يُحتقر. ولكنَّ النّصّ لم يذكر وجهته، بل فقط أنّه كان في طريقه. في حالته، لا مكان للدّين أو القوميّة؛ هذا السّامريُّ قد توقّف ببساطة لأنّه إنسان أمام إنسان آخر في حاجة للمساعدة. إنَّ الشّفقة تُترجَم من خلال أفعال ملموسة. والإنجيليّ لوقا يتوقّف عند أفعال السّامريّ، الّذي نُسمّيه "الصّالح"، لكنّه في النّصّ مجرّد إنسان: فالسّامريّ قد اقترب، لأنّ الّذي يريد أن يساعد لا يستطيع أن يبقى بعيدًا، بل عليه أن يلتزم، وأن يوسّخ يديه، وربّما أن يتلوّث. طهّر جراحه بالزّيت والخمر وضمّدها؛ ثمّ حمله على دابته، أيّ أخذه على عاتقه، لأنّ المرء يساعد حقًّا إذا كان مستعدًّا لكي يشعر بثقل ألم الشّخص الآخر؛ ثمَّ أخذه إلى فندق واعتنى به، وأنفق عليه "دينارين"، ما يعادل يومي عمل؛ ووعد بالعودة وسداد المزيد إن لزم، لأنّ الآخر ليس طردًا نسلِّمه بل إنسانًا علينا أن نعتني به.

أيّها الإخوة والأخوات الأحبّاء، متى سنصبح نحن أيضًا قادرين على أن نقطع رحلتنا ونُشفق؟ متى سندرك أنّ هذا الرّجل الجريح على الطّريق هو نحن جميعًا؟ وعندها، فإنّ ذكرى جميع المرّات الّتي توقّف فيها يسوع لكي يعتني بنا، ستجعل قلوبنا أكثر قدرة على الشّفقة. لنُصلِّ إذًا، لكي ننمو في الإنسانيّة، وتصبح علاقاتنا أكثر صدقًا وغنيّة بالشّفقة. ولنطلب من قلب المسيح نعمة أن نتحلّى بمشاعره أكثر فأكثر."