البابا لاون الرّابع عشر: الله لا يدير لنا ظهره أبدًا
"إنجيل اليوم يقدِّم لنا يسوع وهو يعلِّم تلاميذه "الصّلاة الرّبّيّة- صلاة الأَبَانَا" (راجع لوقا 11، 1-3): الصّلاة الّتي توحّد جميع المسيحيّين. فيها يدعونا الرّبّ يسوع إلى أن نتوجّه إلى الله ونقول له: "أبّا"، "أبي"، مثل الأطفال، "ببساطة [...]، وبثقة بنوّية، [...] وجرأة، ويقين بأنّ الله يحبّنا" (التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة، 2778).
وبعبارة جميلة جدًّا، التّعليم المسيحيّ للكنيسة الكاثوليكيّة يقول بهذا الخصوص: "بالصّلاة الرّبّيّة، نُكشَف لأنفسنا ويُكشَف لنا الآب في نفس الوقت" (المرجع نفسه، 2783). وهذا صحيح: فكلّما صلّينا بثقة إلى الآب السّماويّ، اكتشفنا أنّنا أبناء الله وهو يحبّنا، وازدادت معرفتنا لعظمة محبّته (راجع رومة 8، 14-17).
وإنجيل اليوم يصف أيضًا ملامح أبوّة الله ببعض الصّوّر المؤثّرة: صورة رجل يقوم عند نصف اللّيل ليساعد صديقًا يستقبل زائرًا غير متوقّع، أو صورة والد يهتمّ بأن يعطي الأشياء الصّالحة لأبنائه.
هذه الصّوّر تذكّرنا بأنّ الله لا يدير لنا ظهره أبدًا عندما نتوجّه إليه، حتّى وإن تأخّرنا في طَرق بابه، وربّما بعد أخطاء، أو فرص ضائعة، أو فشل، أو حتّى لو اضطّر، ليُوقظ أبناءه النّائمين في البيت، ليستقبلنا (راجع لوقا 11، 7). بل، في عائلة الكنيسة الكبيرة، الآب لا يتردّد في أن يجعلنا جميعًا شركاء في كلّ عمل محبّة. الله يصغي إلينا دائمًا عندما نصلّي إليه، وإن كان أحيانًا يجيب بطرق وأوقات يصعب علينا فهمها، فذلك لأنّه يعمل بحكمة وعناية أكبر، تتجاوز فهمنا ومعرفتنا. لذلك، حتّى في تلك اللّحظات، لا نتوقّف عن الصّلاة بثقة: ففي الله نجد دائمًا النّور والقوّة.
وعندما نتلو "الصّلاة الرّبّيّة- صلاة الأَبَانَا"، فإنّنا، بالإضافة إلى أنّنا نذكر نعمة البنوّة الإلهيّة، نعبّر أيضًا عن التزامنا بالاستجابة لهذه العطيّة، فنحبّ بعضنا بعضًا مثل إخوة في المسيح. أحد آباء الكنيسة، وهو يتأمّل في ذلك، قال: "عندما ندعو الله "أبانا"، يجب أن نتذكّر واجبنا أن نتصرَّف مثل الأبناء" (القدّيس كبريانوس من قرطاجة، في صلاة الرّبّ، 11)، وأضاف آخر: "لا يمكنكم أن تدعو أباكم السّماويّ إله كلّ صلاح، إن كان قلبك قاسيًا وغير إنسانيّ. لأنّك في هذه الحالة لا تحمل في داخلك بصمة صلاح الآب السّماويّ" (القدّيس يوحنّا الذّهبي الفمّ، في الباب الضّيّق وصلاة الرّبّ، 3). لا يمكن أن نصلّي لله "أبينا"، ثمّ نكون قساة وعديمي الإحساس تجاه الآخرين. بل من المهمّ أن نسمح له بأن يغيّرنا بصلاحه وصبره ورحمته، حتّى نعكس وجهه مثل المرآة في حياتنا.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ليتورجيا اليوم تدعونا، بالصّلاة والمحبّة، إلى أن نشعر بأنّ الله يحبّنا وإلى أن نحبّ كما يحبّنا الله: فنكون مستعدّين للعطاء، وبتكتُّم، وباهتمامٍ متبادل، دون حسابات. لنسأل مريم العذراء أن تساعدنا لكي نستجيب للنّداء، فُنظهِر عذوبة وجه الآب."
وبعد صلاة التّبشير الملائكيّ، توقّف البابا عند عدد من المناسبات والأحداث ووجّه التّحيّات للحاصرين، وقال بحسب الموقع الرّسميّ للكرسيّ الرّسوليّ: "نحتفل اليوم باليوم العالميّ الخامس للأجداد وكبار السّنّ، وعنوانه: "طوبى لِمَن لم يَخِبْ رَجاؤُه". لننظر إلى الأجداد وكبار السّنّ كشهود للرّجاء، قادرين على أن ينيروا مسيرة الأجيال الجديدة. لا نتركهم وحدهم، بل لنعقد معهم عهد محبّة وصلاة.
قلبي قريب من جميع المتألّمين بسبب الصّراعات والعنف في العالم. أُصلّي بشكل خاصّ من أجل الأشخاص الّذين تشملهم هذه الاشتباكات على الحدود بين تايلاند وكمبوديا، ولاسيّما من أجل الأطفال والعائلات المهجّرة. ليُلهم أمير السّلام الجميع ليسعوا إلى الحوار والمصالحة.
أُصلّي من أجل ضحايا العنف في جنوب سوريا.
أُتابع بقلق شديد الوضع الإنسانيّ الخطير جدًّا في غزّة، حيث الجوع يسحق السّكّان المدنيّين، ولا يزالون يتعرّضون للعنف والموت. أُجدّد ندائي من كلّ قلبي لوقف إطلاق النّار، وتحرير الرّهائن، واحترام القانون الإنسانيّ بصورة كاملة.
كلّ إنسان له كرامة في ذاته منحه إيّاها الله نفسه: أُناشد جميع الأطراف في كلّ الصّراعات أن تعترف بهذه الكرامة، وتوقف كلّ عمل يتعارض معها. وأدعو إلى التّفاوض من أجل مستقبل سلام لجميع الشّعوب، وإلى رفض كلّ ما يمكن أن يُقوّضه.
أُوكل إلى مريم العذراء، ملكة السّلام، الضّحايا البريئة في الصّراعات والحكّام الّذين لهم القدرة على إنهائها.
أُحيّي "إذاعة الفاتيكان- Radio Vaticana/ أخبار الفاتيكان-Vatican News"، الّتي دشّنت نقطة بثّ صغيرة تحت رواق ”Bernini“ بالتّعاون مع صحيفة ”Osservatore Romano“، كي تكون أقرب إلى المؤمنين والحجّاج خلال اليوبيل. شكرًا لخدمتكم بلغات عديدة، الّتي تنقل صوت البابا إلى العالم. وشكرًا لجميع الصّحفيّين الّذين يُسهمون في إعلام مبنيّ على السّلام والحقّ والحقيقة.
أحيّي بمودّة خاصّة الشّباب القادمين من بلدان مختلفة، الّذين تجمّعوا في روما من أجل "يوبيل الشّبيبة" الّذي يبدأ غدًا. أتمنّى أن يكون اليوبيل لكلّ واحد فرصة للّقاء المسيح، وتكونوا أقوياء به في الإيمان والالتزام وتتبعوه صادقين.
هذا المساء ستُقام مسيرة سيّدتنا مريم العذراء ”fiumarola“ على نهرالتّيبر (Tevere): أتمنّى أن يتعلَّم المشاركون في هذا التّقليد المريميّ الجميل من أمّ يسوع أن يعيشوا الإنجيل في حياتهم اليوميّة!
أتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا!".