البابا في رسالة الفصح ٢٠٢٠: لوقف فوريّ وشامل لإطلاق النّار في مختلف أصقاع الأرض
"يتردّد اليوم في العالم بأسره صدى إعلان الكنيسة "يسوع المسيح قام!" – "حقًّا قام!". كشعلة جديدة اتّقدت هذه البشرى السّارة في اللّيل: ليل عالم في كفاح مع تحدّيات تاريخيّة وهو الآن يُرهقه الوباء الذي يمتحن بقساوة عائلتنا البشريّة الكبيرة. في هذه الليلة تردّد صدى صوت الكنيسة: "المسيح رجائي قد قام من الموت!". إنّها "عدوى" تنتقل من قلب إلى قلب – لأنَّ كلُّ قلب بشريٍّ ينتظر هذه البشرى السّارة. إنها عدوى الرّجاء: "المسيح رجائي قد قام من الموت!". لا يتعلّق الأمر بصيغة سحريّة تجعل المشاكل تختفي. لا إنَّ قيامة المسيح ليست كذلك، بل هي انتصار المحبة على جذور الشّرّ، انتصار لم "يتجاوز" الألم والموت بل عبرهما آخذًا دربًا في الهاوية ومحوِّلًا الشّرّ إلى خير: علامة حصريّة لسلطة الله.
إنّ القائم من الموت هو المصلوب وليس شخصًا آخرًا. وفي جسده الممجّد يحمل جراحًا دائمة: جراح أصبحت فتحات رجاء. إليه نوجّه نظرنا لكي يشفي جراح البشريّة المعذّبة. يتوجّه فكري اليوم بشكل خاصّ إلى الذين قد تأذوا بشكل مباشر بسبب فيروس الكورونا: إلى المرضى، وإلى الذين توفوا وإلى العائلات التي تبكي فقدان أحبّائها الذين لم تتمكّن من توديعهم. ليقبل ربّ الحياة معه الموتى في ملكوته وليمنح التّعزية والرّجاء للّذين لا يزالون في المحنة ولاسيّما للمسنين والأشخاص العزّل. ولا يغيبنَّ العزاء والمساعدات الضروريّة للّذين يعيشون في حالة هشاشة كالذين يعملون في مراكز العناية أو يعيشون في الثّكنات والسّجون. إنّه بالنسبة لكثيرين فصح وحدة تعاش بين الأحزان والعديد من المصائب التي سببها الوباء، من الآلام الجسدية وصولًا إلى المشاكل الاقتصاديّة.
هذا المرض لم يحرمنا من العواطف وحسب، وإنّما أيضًا من إمكانية أن نستقي شخصيًّا من التّعزية التي تنبع من الأسرار ولاسيّما من الإفخارستيّا وسرّ المصالحة. في بلدان عديدة لم يكن ممكنًا للأشخاص أن يتقدّموا منها ولكنَّ الرّبّ لم يتركنا وحدنا! ببقائنا متّحدين بالصّلاة، نكون متأكّدين أنّه قد وضع يده علينا، وهو يكرّر لنا قائلًا بقوّة: لا تخف، لقد قمت من الموت وأنا معك على الدّوام. ليُعطِ يسوع، فصحنا، القوّة والرّجاء للأطباء والممرّضين الذين وفي كلِّ مكان يقدّمون شهادة عناية ومحبّة للقريب باذلين أقصى جهودهم وفي بعض الأحيان مُضحّين بصحتهم. إليهم وإلى الذين يعملون بمثابرة من أجل ضمان الخدمات الأساسيّة الضّروريّة للتّعايش المدنيّ وإلى قوى الأمن والعسكريّين الذين وفي بلدان عديدة قد ساهموا في تخفيف صعوبات السّكان وألمهم، يتوجّه فكرنا المحب وامتناننا.
خلال هذه الأسابيع تغيّرت حياة العديد من الأشخاص فجأة؛ لقد شكّل البقاء في البيت بالنّسبة لكثيرين فرصة للتّأمّل وإيقاف وتيرة الحياة الفوضويّة لكي نكون مع أعزّائنا ونتمتّع برفقتهم. ولكنّه بالنسبة لكثيرين زمن قلق للمستقبل الذي يبدو غامضًا بالنّسبة للعمل الذي يخاطرون بفقدانه والتّبعات الأخرى التي تحملها الأزمة الحاليّة. أشجّع الذين يشغرون مسؤوليّات سياسيّة لكي يجتهدوا بشكل فعّال لصالح خير المواطنين العام مقدّمين لهم الوسائل والأدوات الضّروريّة التي تسمح لهم أن يعيشوا حياة كريمة وتعزّز، عندما تسمح الظّروف، استعادة النّشاطات اليوميّة.
هذا ليس زمن اللّامبالاة، لأن العالم كّله يتألّم ولا بدّ أن يتّحد في مواجهة الجائحة. ليهب يسوع القائم من الموت الرّجاء لجميع الفقراء، وللعائشين في الضّواحي، للّاجئين والمشرّدين. أدعو إلى عدم التّخلي عن هؤلاء الأخوة والأخوات الضّعفاء، الذين يسكنون في المدن والضّواحي في مختلف أنحاء العالم. ولتوفَّر لهؤلاء حاجاتهم الأوّليّة، التي بات يصعب الحصول عليها بسبب توقّف العديد من النّشطات، هذا فضلًا عن الدّواء وفرصة الحصول على رعاية صحّيّة لائقة. ونظرًا للظّروف الرّاهنة، لتُخفّف العقوباتُ الدّوليّة التي تحد من قدرة البلدان المستهدفة على توفير الرّعاية المطلوبة لمواطنيها، ولتوضع جميع الدّول، لاسيّما الأشد فقرًا، في ظروف تمكّنها من تلبية الاحتياجات الرّاهنة وذلك من خلال خفض، إن لم نقل إلغاء، الدّيون التي تلقي بثقلها على ميزانيّات تلك الدول.
هذا ليس زمن الأنانيّة، لأنّ التّحدّي الذي نواجهه يعنينا جميعًا ولا يفرّق بين الأشخاص. من بين المناطق العديدة التي تعاني من فيروس كورونا يتوجه فكري بنوع خاصّ إلى أوروبا. فبعد الحرب العالميّة الثّانية تمكّنت هذه القارة الحبيبة من النّهوض مجددًا بفضل روح من التّضامن الملموس سمح لها يتخطّي عداوات الماضي. من الضًروري جدًا، خصوصًا في الظّروف الرّاهنة، ألا تنمو هذه العداوات، بل أن تعتبر كلُ الأطرف نفسَها جزءًا من عائلة واحدة وأن تساعد بعضها البعض. يجد الاتّحاد الأوروبيّ نفسه اليوم أمام تحدّ تاريخيّ، لا يعتمد عليه مستقبله وحسب، بل مستقبل العالم كله. أدعو إلى عدم توفير أيّ فرصة للتّعبير عن التّضامن، حتّى من خلال اللّجوء إلى حلول مبتكرة. فالبديل عن ذلك يتمثّل فقط في أنانيّة المصالح الخاصّة وتجربة العودة إلى الماضي، مع خطر النّيل من التّعايش السّلميّ ومن نموّ الأجيال القادمة.
هذا ليس زمن الانقسامات. ليُنر المسيح سلامُنا المسؤولين في مناطق النّزاعات، كي تكون لهم شجاعة تلبية النّداء الدّاعي إلى وقف فوريّ وشامل لإطلاق النّار في مختلف أصقاع الأرض. هذا ليس زمن الاستمرار في تصنيع الأسلحة والاتجار بها، منفقين مبالغ مالية طائلة يمكن استخدامها لعلاج النّاس وإنقاذهم من الموت. ليكن هذا زمنا يشهد أخيرًا نهايةً للحرب الطّويلة التي أدمت سورية، وللصّراع في اليمن، والتّوترات في العراق وأيضًا في لبنان. ليكن هذا زمن استئناف الحوار بين الإسرائيليّين والفلسطينيّين من أجل التّوصّل إلى حلّ مستقرّ ودائم يسمح للطّرفين بالعيش بسلام. لتتوقّف معاناةُ سكّان المناطق الشّرقيّة في أوكرانيا. ليوضع حدّ للهجمات الإرهابيّة التي تستهدف العديد من الأشخاص الأبرياء في بعض الدّول الأفريقيّة.
هذا ليس زمن النّسيان. دعونا لا نترك هذه الأزمة التي نواجهها تُنسينا العديد من الحالات الطّارئة التي تحمل في طيّاتها معاناة الكثير من الأشخاص. ليُظهر ربّ الحياة قربَه من الشّعوب في آسيا وأفريقيا التي تواجه أزمات إنسانيّة خطيرة، كما في منطقة "كابو ديل غادو"، بشمال موزمبيق. ليبعث الدّفئ في قلوب العديد من الأشخاص اللّاجئين والمهجّرين نتيجة الحرب والجفاف والمجاعة. ليهب الحماية إلى الأعداد الكبيرة من المهاجرين واللّاجئين، ومن بينهم العديد من الأطفال، الذين يعيشون في ظروف لا تُطاق، لاسيّما في ليبيا وعلى الحدود اليونانيّة – التّركية. ليسمح بالتّوّصل إلى حلول ملموسة وفوريّة في فنزويلا، تفسح المجال أمام وصول المساعدات الدّوليّة إلى السّكان المتألّمين بسبب الأزمات السّياسيّة والاجتماعيّة – الاقتصاديّة والصّحّيّة.
أيّها الأخوة والأخوات الأعزّاء، اللّامبالاة، الأنانيّة، الانقسام والنّسيان ليست العبارات التي نودّ سماعها في هذا الزمن. نريد أن نمحوها من كلّ الأزمنة! يبدو أن هذه العبارات تطغى عندما ينتصر بداخلنا الخوفُ والموت، أيّ عندما لا ندع الرّبّ يسوع ينتصر في قلوبنا وفي حياتنا. فليبدّد يسوع، الذي تغلّب على الموت فاتحًا لنا درب الخلاص الأبديّ، ظلمات إنسانيّتنا الهشّة، وليُدخلنا في يومه الممجَّد الذي لا يعرف الغروب."