البابا في جلسة السّينودس الافتتاحيّة: لنلتزم في السّعي للـ"مشاركة في المستقبل"
"إنّ السّينودس الّذي نعيشه هو مرحلة مشاركة. ولذلك أرغب في بداية مسيرة الجمعيّة السّينودسيّة أن أدعو الجميع ليتحدّثوا بشجاعة ووضوح أيّ أن يدمجوا الحرّيّة والحقيقة والمحبّة.
على تواضع الإصغاء أن يقابل الشّجاعة في الكلام، كما قلت للشّباب في اللّقاء التّحضيريّ للسّينودس: "إن تحدّث شخص لا يعجبني، عليَّ أن أصغي إليه أكثر لأنّ لكلِّ شخص الحقَّ بأن يتكلّم وأن يتمَّ الإصغاء إليه". إنَّ هذا الإصغاء المنفتح يتطلّب شجاعة لنبادر في الكلام ونكون صوتًا للعديد من الشّباب الغائبين. هذا الإصغاء هو الّذي سيفتح المجال للحوار لأنّه ينبغي على السّينودس أن يكون تمرين حوار لاسيّما بين الّذين يشاركون فيه. وأوّل ثمرة لهذا الحوار هو أن ينفتح كلُّ شخص على الحداثة وعلى تغيير رأيه بفضل ما سمعه من الآخرين. وهذا الأمر مهمٌّ جدًّا للسينودس.
السّينودس هو تمرين تمييز كنسيّ. وبالتّالي فالصّدق في الكلام والانفتاح في الإصغاء هما أساسيّان لكي يكون السّينودس عمليّة تمييز. فالتّمييز ليس شعارًا إعلانيًّا ولا تقنيّة تنظيميّة أو موضة هذه الحبريّة بل هو موقف داخليّ يتجذّر في فعل إيمان. التّمييز هو في الوقت عينه الأسلوب والهدف الّذي نقترحه: فهو يقوم على القناعة بأنَّ الله يعمل في تاريخ العالم وأحداث الحياة والأشخاص الّذين ألتقي بهم وأحادثهم. لذلك نحن مدعوّون لنضع أنفسنا في موقف إصغاء لما سيقترحه علينا الرّوح القدس بأساليب وتوجيهات غالبًا لا يمكننا التّنبّؤ بها.
نحن علامة لكنيسة تصغي وتسير، ولا يمكننا أن نحدَّ موقف الإصغاء بالكلمات الّتي سنتبادلها خلال أعمال السّينودس وحسب. إنَّ مسيرة التّحضير لهذه اللّحظة قد سلَّطت الضّوء على كنيسة "في دين الإصغاء" إزاء الشّباب أيضًا، الّذين غالبًا ما يشعرون أنّ الكنيسة لا تفهمهم وأنّهم لا يُقبلون لما هم عليه حقًّا وأحيانًا يتمّ رفضهم أيضًا. وبالتّالي يملك هذا السّينودس الفرصة والمهمّة والواجب بأن يكون علامة لكنيسة تصغي بالفعل وتسمح بأن تسائلها طلبات الّذين تلتقيهم.
لنخرج من الأحكام المسبقة والأنماط. إنَّ الخطوة الأولى في اتّجاه الإصغاء هي تحرير عقولنا وقلوبنا من الأحكام المسبقة والأنماط، لأنَّ العلاقات بين الأجيال هي أرض تتجذّر فيها الأحكام المسبقة والأنماط بسهولة كبيرة. يمكن لهذا كلّه أن يشكِّل عائقًا قويًّا للحوار واللّقاء بين الأجيال؛ والقسم الأكبر من الحاضرين لا ينتمي لجيل الشّباب، ولذلك من الواضح أن ننتبَّه قبل كلّ شيء لخطر التّكلّم عن الشّباب انطلاقًا من فئات ومخطّطات فكريّة تمَّ تخطّيها. فإن عرفنا كيف نتحاشى هذا الخطر سنساهم عندها لنجعل العهد بين الأجيال ممكنًا. أمّا الشّباب فعليهم أن يتخطّوا تجربة عدم الإصغاء للبالغين واعتبار المسنّين "أشياء قديمة، ولّى زمنها ومزعجه"، متناسين أنّه من الغباء أن نبدأ من الصّفر على الدّوام كما لو أنّ الحياة تبدأ فقط مع كلّ واحد منّا.
من جهة، ينبغي علينا أن نتخطّى بحزم آفة الإكليروسيّة. في الواقع إنّ الأصغاء والخروج من الأنماط هما أيضًا ترياقًا قويًّا ضدّ الإكليروسيّة الّتي قد تتعرّض لها بلا شكّ جمعيّة كهذه بغضِّ النّظر عن نوايا كلّ فردٍ منّا. هي تولد من نظرة نخبويّة تفسّر الخدمة الكهنوتيّة كسلطة نمارسها ولا كخدمة مجانيّة وسخيّة نقدّمها. ولكن ينبغي من جهة أخرى أن نعتني بفيروس الاكتفاء الذّاتيّ والخلاصات المتسرِّعة للعديد من الشّباب. هناك مثل شعبيّ مصريّ يقول: "إن لم يكن في بيتك مُسنٌّ فاشتري واحدًا لأنّك ستحتاج إليه". إنَّ رفض كلّ ما قد تمَّ نقله عبر العصور يحملنا فقط إلى ضياع خطير يُهدِّد بشريّتنا وإلى حالة خيبة ويأس قد سيطرت على قلوب أجيال بأسرها. إنَّ جمَعَ الخبرات البشريّة عبر التّاريخ هو الكنز الأثمن الّذي يمكن للأجيال أن ترثه من بعضها البعض.
ليوقظ السّينودس قلوبنا! إنّ الحاضر، وحاضر الكنيسة أيضًا، يبدو محمّلاً بالتّعب والأثقال والمشاكل؛ لكن الإيمان يقول لنا إنّ هذا هو أيضًا الزّمن الّذي يأتي فيه الرّبّ للقائنا ليحبّنا ويدعونا إلى ملء الحياة. فالمستقبل ليس تهديدًا نخاف منه بل هو الزّمن الّذي يعدنا الرّبّ به لكي نختبر الشّركة معه ومع الإخوة والخليقة كلِّها. نحن بحاجة لأن نجد مجدّدًا دوافع رجائنا وننقلها للشّباب المُتعطّشين للرّجاء كما يؤكِّد المجمع الفاتيكانيّ الثّاني: "يحقُّ لنا أن نفكّر أنّ المستقبل هو بين أيدي أولئك القادرين على أن ينقلوا، لأجيال الغد، مبرّرات الحياة والرّجاء" (الدّستور الرّاعويّ "فرح ورجاء"، عدد ۳١). إذ يمكن للّقاء بين الأجيال أن يكون مثمرًا وأن يولِّد الرّجاء وهذا ما يعلِّمنا إيّاه النّبيّ يوئيل في تلك الجملة الّتي أعتبرها نبوءة زمننا: "فيحلم شيوخكم أحلامًا، ويرى شبابكم رؤى".
لنلتزم إذًا في السّعي للـ"مشاركة في المستقبل" وليصدر عن هذا السّينودس لا مجرّد وثيقة وحسب، وإنّما وبشكل خاصّ نوايا راعويّة ملموسة قادرة على تحقيق مهمّة السّينودس عينها، أيّ أن تجعل الأحلام تنبت وتولِّد النّبوءات والرّؤى وتجعل الرّجاء يُزهر وتحرّك الثّقة وتداوي الجراح وتشبك العلاقات وتخلق تصوّرًا إيجابيًّا ينير الأذهان ويدفئ القلوب ويشدّد الأيادي ويلهم الشّباب رؤية مستقبل يفيض بفرح الإنجيل".