الفاتيكان
11 أيار 2022, 11:15

البابا فرنسيس يوجّه نداءً من أجل سريلانكا

تيلي لوميار/ نورسات
في ختام مقابلته العامّة اليوم، وجّه البابا فكره نحو شعب سريلانكا، بخاصّة شبابها الّذين أسمعوا صرختهم في الآونة الأخيرة إزاء التّحدّيات والمشاكل الاجتماعيّة والاقتصاديّة في البلاد، معلنًا اتّحاده "مع تلك السّلطات الدّينيّة في حثّ جميع الأطراف المعنيّة على الحفاظ على موقف سلميّ، دون الاستسلام للعنف"، مناشدًا "جميع من لديهم مسؤوليّة لكي يُصغوا إلى تطلّعات الشّعب ويضمنوا الاحترام الكامل لحقوق الإنسان والحرّيّات المدنيّة.

وكان البابا قد أجرى صباحًا المقابلة العامّة في ساحة القدّيس بطرس متحدّثًا عن "يهوديت" البطلة البيبليّة، فقال: "سنتحدّث اليوم عن يهوديت، بطلة بيبليّة. إنَّ خاتمة السِّفر الّذي يحمل اسمها- وقد سمعنا منها مقطعًا- تلخِّص الجزء الأخير من حياة هذه المرأة الّتي دافعت عن إسرائيل من أعدائها. كانت يهوديت أرملة يهوديّة شابّة وفاضلة، بفضل إيمانها وجمالها ومكرها، أنقذت مدينة بَيتَ فَلْوى وشعب يهوذا من حصار أليفانا، قائد جيش نَبوكَدْنَصَّرَ ملك آشور، عدوّ قدير ومحتقر لله. وبعد المغامرة الرّائعة الّتي كانت رائدتها، عادت يهوديت لتعيش في مدينتها بَيتَ فَلْوى، حيث عاشت شيخوخة جميلة إلى أن بَلَغَت مائةً وخَمسَ سِنين. كما هو الحال بالنّسبة للعديد من الأشخاص: أحيانًا بعد حياة عمل مكثّفة، وأحيانًا بعد حياة مليئة بالمغامرات، أو بعد حياة مليئة بالتّفاني. إنّ البطولة ليست فقط الأحداث العظيمة الّتي تتمُّ تحت الأضواء، وإنّما غالبًا ما تكون في شجاعة الحبّ الّذي يُصبُّ في عائلة صعبة ولصالح جماعة مهدَّدة. لقد عاشت يهوديت لأكثر من مائة عام، إنّها بركة مميّزة. ولكن ليس نادرًا اليوم أن يكون للمرء سنوات عديدة ليعيشها بعد موسم التّقاعد. فكيف نفسّر، وكيف نستفيد من هذا الوقت المُعطى لنا؟

يُصادف منظور التّقاعد بالنّسبة لكثيرين مع منظور الرّاحة المستَحقَّة والمرغوبة من نشاطات مُلزِمة ومُتعِبة. ولكن يصادف أيضًا أن تمثّل نهاية الوظيفة مصدر قلق وقد ينتظرها المرء مع بعض الخوف: "ماذا سأفعل الآن بعد أن أصبحت حياتي خالية ممّا ملأها لفترة طويلة؟". إنَّ العمل اليوميّ يعني أيضًا مجموعة من العلاقات، والرّضا لكسب لقمة العيش، وخبرة الحصول على دور، واعتبار مستحقّ عن جدارة، ودوام كامل يذهب أبعد من ساعات العمل البسيطة. بالطّبع، هناك الالتزام الفرح والمُتعب لرعاية الأحفاد؛ لكنّنا نعلم أنّ عدد الأطفال الّذين يولدون اليوم قد أصبح أقلّ بكثير من الماضي، وغالبًا ما يكون الآباء بعيدين، وأكثر عرضة للتّنقُّل والسّفر، مع أوضاع عمل وسكن غير ملائمة. وفي بعض الأحيان أيضًا يكونون أكثر تردّدًا في تسليم الأجداد فسحات تربويّة، ولا يمنحوهم سوى الفسحات الّتي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالحاجة إلى المساعدة. هناك مُتطلّبات جديدة، أيضًا في مجال العلاقات التّربويّة والأبويّة، تطلب منّا إعادة تشكيل العهد التّقليديّ بين الأجيال.

لكنّنا نسأل أنفسنا: هل نبذل جهد "إعادة التّشكيل" هذا؟ أم أنّنا نعاني ببساطة من جمود الظّروف المادّيّة والاقتصاديّة؟ إنَّ التّعايش بين الأجيال، في الواقع، يطول. فهل نحاول جميعًا أن نجعله أكثر إنسانيّة، وأكثر مودّة، وأكثر عدالةً، في الظّروف الجديدة للمجتمعات الحديثة؟ بالنّسبة للأجداد، فإنّ جزءًا مهمًّا من دعوتهم هو دعم أبنائهم في تربية الأطفال. فيتعلّم الصّغار قوّة الحنان واحترام الهشاشة: دروس لا غنى عنها، يسهل إعطاءها وتلقّيها مع الأجداد. أمّا الأجداد، من جانبهم، فيتعلّمون أنّ الحنان والهشاشة ليسا مجرّد علامات تدهور: وإنّما هما بالنّسبة للشّباب، ممرّات تجعل المستقبل بشريًّا.

سرعان ما أصبحت يهوديت أرملة ولم يكن لديها أطفال، لكنّها، كمُسنَّة، كانت قادرة على أن تعيش زمن ملء وصفاء، في اليقين بأنّها عاشت بالكامل الرّسالة الّتي أوكلها الرّبّ إليها. لقد حان الوقت بالنّسبة لها لكي تترك الإرث الجيّد للحكمة والحنان والعطايا للعائلة والجماعة: إرث خير وليس فقط إرث خيور. في شيخوختها، أعتقت يهوديت وصيفتها. إنّها علامة على النّظرة المُتنبّهة والإنسانيّة تجاه الّذين كانوا قريبين منها. عندما يتقدّم المرء في السّنّ، يضعف بصره لكنَّ النّظرة الدّاخليّة تصبح أكثر حدَّةً. يصبح المرء قادرًا على رؤية الأشياء الّتي كان يغفل عنها في السّابق. هكذا هو الأمر: إنَّ الرّبّ لا يوكل مواهبه للشّباب والأقوياء فقط: وإنّما هو يملك مواهب للجميع ومُصمّمة لكلّ فرد منّا. على حياة جماعاتنا أن تعرف كيف تتمتّع بمواهب العديد من المسنّين، الّذين تقاعدوا بالنّسبة لمكتب السّجلّ المدنِيّ، لكنّهم غنى علينا أن نثمِّنه. وهذا الأمر يتطلّب، من قبل المسنّين أنفسهم، اهتمامًا خلّاقًا وجديدًا، وجهوزيّة سخيّةً. تفقد المهارات السّابقة لحياة ناشطة جزءًا من القيود وتصبح موارد للعطاء: التّدريس، وتقديم المشورة، والبناء، والعناية، والإصغاء... بتفضيل لصالح الأشخاص الأكثر فقرًا، الّذين لا يمكنهم الحصول على التّعليم، أو الّذين تُركوا لعُزلتهم.

أعتقت يهوديت وصيفتها وغمرت الجميع بالاهتمام.  عندما كانت شابّة نالت تقدير الجماعة بشجاعتها، وعندما شاخت استحقّت التّقدير من أجل الحنان الّذي أغنَت به الحرّيّة والعواطف. إنَّ يهوديت ليست متقاعدة تعيش فراغها بحزن: بل هي مُسنّةٌ شغوفة تملأ بالعطايا الوقت الّذي يمنحها الله إيّاه".