الفاتيكان
26 تشرين الأول 2022, 13:20

البابا فرنسيس يوجّه نداءً من أجل الكونغو الدّيمقراطيّة

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه البابا فرنسيس، في ختام مقابلته العامّة اليوم، نداء من أجل جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة، قال فيه: "نشهد أحداثًا مروّعة لا تزال تدمي جمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة. أعرب عن أسفي الشّديد للاعتداء غير المقبول الّذي وقع في الأيّام الأخيرة في مابوجا، في مقاطعة كيفو الشّماليّة، حيث قُتل أشخاص عزّل، من بينهم راهبة تعمل في مجال الرّعاية الصّحّيّة. لنصلِّ من أجل الضّحايا وعائلاتهم وكذلك من أجل الجماعة المسيحيّة وسكّان تلك المنطقة الّذين ينهكهم العنف منذ فترة طويلة".

وكان البابا فرنسيس قد وجّه كلمة إلى المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، تحدّث فيها عن اليأس، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّ التّمييز، كما رأينا في التّعاليم السّابقة، ليس إجراءً منطقيًّا في الأساس؛ بل هو يركز على الأفعال، والأفعال لها أيضًا دلالات عاطفيّة، يجب الاعتراف بها، لأنّ الله يخاطب القلب. وبالتّالي ندخل في أوّل حالة عاطفيّة، موضوع التّمييز، أيّ اليأس. ما هو إذًا هذا اليأس؟

تمّ تعريف اليأس على النّحو التّالي: "إنّه ظلمة الرّوح، الاضطراب الدّاخليّ، الرّغبة في الأمور الدّنيا والأرضيّة، القلق بسبب الانفعالات والإغراءات المختلفة: وهكذا تميل الرّوح إلى عدم الثّقة، بدون رجاء، بلا حبّ، وتجد الرّوح نفسها كسولة، فاترة، حزينة كأنّها انفصلت عن خالقها وربّها". جميعنا قد اختبرنا ذلك. أعتقد أنّنا، بطريقة أو بأخرى، قد اختبرنا هذا اليأس. تكمن المشكلة في كيفيّة قراءته، لأنّه يحتوي أيضًا على شيء مهمّ يريد أن يخبرنا به، وإذا كنّا في عجلة من أمرنا للتّخلّص منه، فإنّنا نجازف بفقدانه.

لا أحد يرغب في أن يكون يائسًا وحزينًا: هذا صحيح. جميعنا نريد حياة تكون دائمًا فرحة وسعيدة ومُرضية. ومع ذلك، بالإضافة إلى استحالة ذلك- لأنّه أمر غير ممكن- لن يكون ذلك مفيدًا لنا أيضًا. في الواقع، يمكن أن يبدأ التّغيير في حياة موجّهة نحو الرّذيلة من حالة حزن وندم على ما تمّ القيام به. جميل جدًّا أصل هذه الكلمة، "ندم": ندم الضّمير، وجميعنا نعرف ذلك. النّدم: الضّمير هو الضّمير الّذي يعض والّذي لا يعطي السّلام. وبالتّالي من الأهمّيّة بمكان أن نتعلّم أن نقرأ الحزن. نعلم جميعًا ما هو الحزن، ولكن هل نعرف كيف نقرأه؟ هل نعرف ماذا يعني بالنّسبة لي هذا الحزن اليوم؟ يعتبر الحزن في زمننا في الغالب أمرًا سلبيًّا، كشرٍّ يجب تجنّبه بأيّ ثمن، ولكن يمكنه أن يكون جرس إنذار لا غنى عنه للحياة، إذ يدعونا لاكتشاف مناظر طبيعيّة أكثر غنى وخصوبة لا يسمح بها الزّوال والتّملُّص. يصف القدّيس توما الحزن بأنّه ألم الرّوح: مثل أعصاب الجسد، هو يوقظ الانتباه إزاء خطر محتمل، أو خير غير منتظر. لهذا السّبب، فهو ضروريّ لصحّتنا، ويحمينا لكي لا نؤذي أنفسنا والآخرين. سيكون الأمر أكثر خطورة عدم شعورنا بذلك والمضيّ قدمًا. أحيانًا يكون الحزن بمثابة إشارة مرور: "توقّف، توقّف! إنّه أحمر هنا. قف. أنا [أنت] حزين، هناك شيء ما".

بالنّسبة للّذين لديهم الرّغبة في فعل الخير، يشكّل الحزن عقبة يريد المجرّب من خلالها أن يثبط عزيمتنا. في هذه الحالة، علينا أن نتصرّف بأسلوب معاكس تمامًا لما تمّ اقتراحه، مصمّمين على مواصلة ما كنّا نريد فعله. لنفكّر في العمل والدّراسة والصّلاة والتزام أخذناه: إذا تركناهم بمجرّد شعورنا بالملل أو الحزن، فلن ننهي أيّ شيء أبدًا. إنّها خبرة شائعة في الحياة الرّوحيّة: إنَّ الدّرب إلى الخير، كما يذكّرنا الإنجيل، ضيّق وشاقّ، ويتطلّب جهادًا وانتصارًا على الذّات. أبدأ بالصّلاة، أو أكرّس نفسي لعمل صالح، وعندها تبادر إلى ذهني فجأة الأمور الّتي عليَّ أن أقوم بها بشكل ملحّ- لكي لا أصلّي ولكي لا أقوم بأعمال صالحة. جميعنا لدينا هذه الخبرة. من الأهمّيّة بمكان بالنّسبة للّذين يريدون أن يخدموا الرّبّ ألّا يسمحوا لليأس بأن يقودهم. للأسف، يقرّر البعض التّخلّي عن حياة الصّلاة، أو عن الزّواج أو الحياة الدّينيّة، مدفوعين باليأس بدون أن يتوقّفوا أوّلاً لقراءة هذه الحالة الذّهنيّة، ولاسيّما بدون مساعدة مرشد. تقول قاعدة حكيمة بألّا نجري أيّ تغييرات عندما نكون يائسين. لأنّ الوقت، وليس مزاج اللّحظة، هو الّذي سيظهر صلاح أو عدم صلاح خياراتنا.

من الأهمّيّة بمكان أن نلاحظ في الإنجيل أنّ يسوع رفض التّجارب بعزم حازم. لقد بلغته حالات التّجربة من أماكن مختلفة، ولكن إذ وجدت فيه على الدّوام هذا العزم والحزم العازمين على تنفيذ إرادة الآب، خفّت التّجارب وتوقّفت عن إعاقة مسيرته. تشكّل التّجربة في الحياة الرّوحيّة لحظة مهمّة، ويذكر الكتاب المقدّس بذلك بوضوح ويقول: "إن اقبلت لخدمة الرّبّ الإله فاثبت على البرّ والتّقوى وأعدد نفسك للتّجربة". وبالتّالي إذا كنت تريد أن تمضي في الدّرب الصّحيح، فكن مستعدًّا: ستكون هناك عقبات، وستكون هناك إغراءات، وستكون هناك لحظات حزن. يشبه الأمر عندما يفحص الأستاذ الطّالب: إذا رأى أنّه يعرف النّقاط الأساسيّة للموضوع، لا يصرّ: وينجح في الاختبار. لكن عليه أن ينجح الاختبار.

إذا عرفنا كيف نعبر الوحدة واليأس بانفتاح ووعي، يمكننا أن نخرج أقوى من الجانب الإنسانيّ والرّوحيّ. لا يوجد تجربة لا يمكننا أن نتغلّب عليها، ولن تكون أيّة تجربة أكبر ما يمكننا القيام به. لكن لا يجب أن نهرب من التّجربة: وإنّما علينا أن نرى ما تعنيه هذه التّجربة، وماذا يعني أنّني حزين: لماذا أنا حزين؟ ماذا يعني أنّني في حالة يأس الآن؟ ماذا يعني أنّني في حالة يأس ولا يمكنني المضيّ قدمًا؟ يذكّرنا القدّيس بولس أنَّ لا أحد يتعرّض لتجربة تتجاوز إمكانيّاته، لأنّ الرّبّ لا يتركنا أبدًا، ومعه يمكننا التّغلّب على كلّ تجربة. وإذا لم نتغلّب عليها اليوم، ننهض مجدّدًا ونسير ونتغلّب عليها غدًا.  ولكن لا تسمحوا بأن تتغلّب عليكم لحظة حزن ويأس بل سيروا قدمًا وليبارككم الرّبّ في هذه المسيرة الشّجاعة من الحياة الرّوحيّة الّتي هي مسيرة على الدّوام."