الفاتيكان
12 أيار 2023, 10:45

البابا فرنسيس يوجّه رسالة بمناسبة اليوم العالميّ للمهاجرين واللّاجئين

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة اليوم العالميّ التّاسع بعد المائة للمهاجرين واللّاجئين، أصدر البابا فرنسيس رسالة تحت عنوان "أحرارٌ في أن نختار بين الهجرة أو البقاء"، كتب فيها بحسب ما أورد "فاتيكان نيوز":

"إنَّ تدفّق الهجرة اليوم هو تعبير عن ظاهرة معقّدة ومُفصَّلة، يتطلّب فهمها تحليلًا دقيقًا لجميع الجوانب التي تميّز مختلف مراحل خبرة الهجرة، منذ لحظة المغادرة إلى الوصول، بما في ذلك العودة المحتملة. بهدف المساهمة في هذا الجهد لقراءة الواقع، قرّرت أن أُكرِّس الرّسالة لليوم العالميّ التّاسع بعد المائة للمهاجرين واللّاجئين للحرّيّة التي يجب أن تميّز دائمًا خيار أن يترك المرء أرضه.

"أحرارٌ للمغادرة، وأحرارٌ للبقاء"، هذا هو عنوان مبادرة التّضامن التي نظّمها لبضع سنوات خلت مجلس أساقفة إيطاليا كجواب ملموس على تحديّات الهجرة المعاصرة. ومن خلال إصغائي المستمرّ إلى الكنائس الخاصّة، تمكّنت من أن أبيِّن أنّ ضمان هذه الحرّيّة يشكّل قلقًا راعويًّا منتشرًا ومشتركًا. "تَراءَى مَلاكُ الرَّبِّ لِيوسُفَ في الحُلمِ وقالَ له: قُم فَخُذِ الطِّفْلَ وأُمَّه واهرُبْ إِلى مِصْر وأَقِمْ هُناكَ حَتَّى أُعْلِمَك، لأَنَّ هيرودُسَ سَيَبْحَثُ عنِ الطِّفلِ لِيُهلِكَه". لم يكن هرب العائلة المقدّسة إلى مصر نتيجة خيار حرّ، كما لم تكن كذلك أيضًا العديد من الهجرات التي طبعت تاريخ شعب إسرائيل. على الهجرة أن تكون دائمًا خيارًا حرًّا، لكنّها في الواقع في كثير من الحالات، واليوم أيضًا ليست كذلك. صّراعات، كوارث طبيعيّة أو ببساطة استحالة عيش حياة كريمة ومزدهرة في الوطن جميع هذه الأمور تجبر الملايين من الأشخاص على مغادرته. في عام ٢٠٠٣، أكّد القدّيس البابا يوحنا بولس الثّاني أنّ "بناء ظروف ملموسة للسّلام، فيما يتعلّق بالمهاجرين واللّاجئين، يعني الالتزام بجدّيّة بالمحافظة أوّلًا على حقّهم في عدم الهجرة، والعيش في سلام وكرامة في وطنهم."

أضاف: ""وأَخَذوا ماشِيَتَهم ومُقْتَنَياتِهِم الَّتي اقتَنَوها في أَرضِ كَنْعان، وقَدِموا إِلى مِصْر، يَعْقوبُ وكُلُّ ذُرِّيَّتِه معَه". بسبب مجاعة شديدة، اضطُرَّ يعقوب وعائلته بأكملها إلى اللّجوء إلى مصر، حيث ضمن لهم ابنه يوسف بقاءهم على قيد الحياة. اضطهادات وحروب وظّواهر مناخيّة وبؤس، جميع هذه الأمور هي من بين أكثر الأسباب المرئيّة للهجرة القسريّة المعاصرة. يهرب المهاجرون بسبب الفقر والخوف واليأس. من أجل القضاء على هذه الأسباب، وبالتّالي لوضع حدّ للهجرة القسريّة، من الأهميّة بمكان أن يلتزم الجميع، كلٌّ بحسب مسؤوليّاته. التزام يبدأ بسؤال أنفسنا حول ما يمكننا فعله وإنما أيضًا حول ما يجب علينا أن نتوقّف عن فعله. علينا أن نبذل قصارى جهدنا لكي نوقف سباق التّسلّح، والاستعمار الاقتصاديّ، ونهب موارد الآخرين، وتدمير بيتنا المشترك.

تابع: "كانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، يَبيعونَ أَملاكَهم وأَمْوالَهم، ويَتَقاسَمونَ الثَّمَنَ على قَدْرِ احتِياجِ كُلٍّ مِنْهُم". يبدو مثال الجماعة المسيحيّة الأولى بعيدًا جدًّا عن واقع اليوم! لكي نجعل من الهجرة خيارًا حرًّا حقًّا، علينا أن نجتهد لكي نضمن للجميع مشاركة عادلة في الخير العام، واحترام الحقوق الأساسيّة وحصول الجميع على تنمية بشريّة متكاملة. بهذه الطّريقة فقط يمكننا أن نوفّر لكلّ فرد إمكانيّة أن يعيش بكرامة، ويحقق ذاته كفرد وكعائلة. من الواضح أنّ الواجب الرّئيسيّ هو واجب البلدان الأصليّة وحكّامها، المدعوّين إلى ممارسة سياسات صالحة وشفّافة وصادقة وبعيدة النّظر وفي خدمة الجميع، ولاسيّما الأشدَّ ضعفًا. ولكن، يجب أن يوضعوا في ظروف تسمح لهم بالقيام بذلك، بدون أن يجدوا أنفسهم محرومين من مواردهم الطّبيعيّة والبشريّة، وبدون تدخّلات خارجيّة موجّهة لتعزيز مصالح القليلين. وحيثما تسمح الظّروف بالاختيار بين الهجرة أو البقاء، ينبغي التّأكد من أنّ هذا الخيار مدروس ومتّزن، من أجل تجنّب وقوع العديد من الرّجال والنّساء والأطفال ضحيّة لأوهام محفوفة بالمخاطر أو لتجّار عديمي الضّمير.

أضاف: "وفي سَنةِ اليوبيلِ هذه تَرجِعونَ كُلُّ واحِدٍ إِلى مِلكِه". كان الاحتفال باليوبيل يمثّل لشعب إسرائيل فعل عدالة جماعيّ: فكان يُسمح للجميع بالعودة إلى الحالة الأساسيّة مع محو كلّ دين وإرجاع الأرض وإمكانيّة التّنعّم مجدّدًا بحريّة أعضاء شعب الله. وفيما نقترب من يوبيل سنة ٢٠٢٥، من الجيّد أن نتذكّر هذا الجانب من احتفالات اليوبيل. من الضّروريّ أن يُصار إلى جُهد مُشترك من قِبَل البُلدان الأفراد والمجتمع الدّوليّ لكي نضمن للجميع الحقّ في عدم الهجرة، أيْ، إمكانيّة أن يعيشوا بسلام وكرامة في أرضهم. إنّه حقّ لم يلحَظه القانون بعد، لكنّه ذو أهميّة أساسيّة، ويجب أن يُفهَمَ كمسؤوليّة مُشتركة لجميع الدُّول تجاه خير عام يذهب أبعد من الحدود الوطنيّة. في الواقع، بما أنّ الموارد العالميّة ليست غير محدودة، فإنّ تنمية البُلدان الأكثر فقرًا على الصّعيد الاقتصاديّ تعتمد على قُدرة المشاركة التي يمكن خَلقها بين جميع البُلدان. وإلى أن يتمَّ ضمان هذا الحقّ - وهي مسيرة طويلة – سيكون هناك أشخاصٌ كثيرون مُجبَرون على المغادرة بحثًا عن حياة أفضل.

وتابع: "لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ". يتردّد صدى هذه الكلمات كتحذير دائم لكي نرى في المهاجر لا أخًا أو أختًا في صعوبة وحسب، وإنّما المسيح نفسه الذي يقرع على بابنا. لذلك، فيما نعمل لكي تكون كلّ هِجرة ثمرة خيار حُرّ، نحن مدعوّون لكي نتحلّى بالاحترام الكامل لكلّ مهاجر، وهذا يعني أن نرافق تدفّق الهجرة ونُديرها بأفضل طريقة ممكنة، فنبني جسورًا لا جدرانًا، ونوسّع القنوات من أجل هجرة آمنة ونظاميّة. وأينما قرّرنا أن نبني مستقبلنا، في البلد الذي فيه وُلِدنا أو في مكان آخر، المهمّ هو أن يكون هناك دائمًا جماعة مستعدّة لاستقبال الجميع وحمايتهم وتعزيزهم وادماجهم في المجتمع، بدون تمييز وبدون أن يُترك أحدٌ خارجًا. تحملنا المسيرة السّينوديّة التي انطلقنا بها ككنيسة، لكي نرى في الأشخاص الأكثر هشاشة - ومن بينهم الكثير من المهاجرين واللّاجئين - رُفقاءَ سَفَر مميّزين، علينا أن نحبّهم ونعتني بهم كإخوة وأخوات. من خلال السّير معًا فقط سنتمكَّن مِن أن نذهب بعيدًا وأن نبلغ إلى هدف رحلتنا المشترك."

وإختتم مصلّيًا: "أيّها الإله، الآب القدير، أعطنا نعمة أن نلتزم بشكل فاعل في سبيل العدالة والتّضامن والسّلام، لكي تُضمَن لجميع أبنائك حرّيّة اختيار الهجرة أو البقاء. أعطنا الشّجاعة لأن ندين أهوال عالمنا كلّها، ولنكافح ضدّ كلِّ ظُلم يشوّه جمال مخلوقاتك وانسجام بيتنا المشترك. أعضدنا بقوّة روحك القدّوس، لكي نتمكّن من أن نُظهر حنانك لكلّ مُهاجر تضعُه على دربنا وننشر في القلوب وفي كلّ بيئة ثقافة اللّقاء والعناية."