البابا فرنسيس يلتقي بأعضاء طريق الموعوظين الجديد في الذّكرى الخمسين على تأسيسه
"خمسون هو رقم مهمٌّ في الكتاب المقدّس: في اليوم الخمسين حلَّ روح القائم من الموت على الرّسل وأظهر الكنيسة للعالم. وقبل ذلك كان الله قد بارك السّنة الخمسين قائلاً: "يُوبِيلًا تَكُونُ لَكُمُ السَّنَةُ الْخَمْسُونَ"؛ سنة مقدّسة يلمس من خلالها الشّعب المختار لمس اليد وقائع جديدة كالتّحرير وعودة المُضطهدين إلى بيوتهم. وبالتّالي، بعد خمسين سنة لطريق الموعوظين الجديد سيكون من الجميل أن يقول كلُّ فرد منكم: "شكرًا يا رب لأنّك حرّرتني، ولأنّني وجدت في الكنيسة عائلتي ولأنّه ومن خلال معموديّتك زالت الأمور القديمة وأنا أتمتّع بحياة جديدة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء ستنشدون في الختام نشيد الشّكر لله على محبّته وأمانته، وهذا أمر جميل جدًّا. غالبًا ما نشكره على نعمه وعلى ما يعطينا إيّاه وهذا أمر جيّد. ولكن من الأفضل أن نشكره على ما هو عليه لأنَّ الله أمين في المحبّة؛ وصلاحه لا يرتبط بنا. مهما فعلنا يستمر الله في محبّته الأمينة لنا؛ وهذا هو مصدر ثقتنا وتعزيتنا الكبيرة في الحياة. ولكن ينقصنا شكر مهمٌّ جدًّا وهو للذين يستعدّون للانطلاق في الرّسالة. أشعر بأنّه عليَّ أن أقول لكم شيئًا من القلب حول الرّسالة والبشارة التي تشكّل أولويّة بالنّسبة للكنيسة اليوم؛ لأنَّ الرّسالة هي إعطاء صوت لمحبّة الله الأمينة. إنّها الإعلان أنَّ الرّبّ يحبّنا وأنّه لن يتعب أبدًا منّا ومن عالمنا. الرّسالة هي تحقيق وصيّة يسوع التي سمعناها والتي أريد أن أتوقّف عندها: "اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم".
إنّ الرّسالة تطلب الانطلاق. ولكنَّ تجربة البقاء وعدم المخاطرة في الحياة قويّة جدًّا. إذ أنّه من الأسهل أن نبقى في البيت ولكنَّ هذه ليست درب يسوع. هو يرسل قائلاً: "إذهبوا"؛ دعوة قويّة يتردّد صداها في كلِّ جوانب الحياة المسيحيّة؛ دعوة واضحة لنكون في انطلاق على الدّوام وحجّاج في العالم يبحثون عن الأخ الذي ما زال لا يعرف فرح محبّة الله. ولكن كيف يمكننا أن نذهب؟ علينا أن نكون خفيفي الحركة ولا يمكننا أن نحمل معنا كلَّ أثاث بيتنا. يعلِّمنا الكتاب المقدّس أنّه عندما حرّر الله الشّعب المختار، قاده إلى الصّحراء وهو يحمل معه فقط ثقته به. وهذا الأسلوب عينه يطلبه من تلاميذه. أن يذهبوا خفيفين بدون أحمال. لكي نعلن علينا أن نتخلّى ونتجرّد. وحدها الكنيسة التي تتخلّى عن العالم يمكنها أن تعلن الرّبّ جيّدًا. ومن يتعلّم، محبّةً بالرّبّ، أن يتخلّى عن الأمور الزّائلة يُعانق هذا الكنز الكبير: الحرّيّة؛ ولا يبقى محبوسًا في تعلُّقاته التي تتطلّب أشياء أكثر على الدّوام ولا تعطي السّلام أبدًا.
يقول "إذهبوا" هو فعل الرّسالة ويقول لنا شيئًا آخر يُصرَّف بصيغة الجمع؛ فالرّبّ لا يقول "إذهب" بل "إذهبوا" معًا. يكون المرء مرسلاً بشكل كامل عندما يسير مع الآخرين؛ وبالتّالي فالسّير معًا هو فنٌّ ينبغي علينا أن نتعلّمه على الدّوام. علينا أن نتنبّه، على سبيل المثال، لكي لا نلزم الآخرين بالخطوات التي عليهم القيام بها، بل نرافقهم وننتظرهم متذكّرين على الدّوام أنَّ طريق الآخر يختلف عن طريقي. نحن حجاج، إذ يرافقهم الإخوة، يرافقون بدورهم إخوة آخرين، ومن الجيّد أن نقوم بذلك بشكل فرديّ بعناية واحترام لمسيرة كلِّ فرد وبدون أن نلزم مسيرة نموّ أحد لأنَّ الجواب على الله ينضج في الحرّيّة الحقيقيّة والصّادقة.
إنّ يسوع القائم من الموت يقول "تلمذوا". هذه هي الرّسالة؛ هو لا يقول احتلّوا بل "تلمذوا" أي تقاسموا مع الآخرين العطيّة التي نلتموها، لقاء الحبّ الذي غيّر حياتكم. إنّه قلب الرّسالة: الشّهادة لله الذي يحبّنا ومعه الحبّ الحقيقي ممكن، ذلك الحبّ الذي يحملنا على بذل حياتنا في كلّ مكان، في العائلة والعمل، كمكرّسين وكمتزوّجين. الرّسالة هي أن نعود تلاميذ مجدّدًا مع تلاميذ يسوع الجدد، هي أن نكتشف مجدّدًا أننا جزء من كنيسة تلميذة.
"اذهَبوا وتَلمِذوا جَميعَ الأُمَم"، عندما يقول يسوع جميع يبدو أنّه يريد أن يشدّد على أنَّ هناك مكان في قلبه لجميع الشّعوب بدون استثناء أحد. تمامًا كما هم الأبناء بالنّسبة للأب والأم: حتى إن كانوا عديدين، كبارًا أو صغارًا هما يحباهم من كلِّ قلبهما، لأنَّ الحبّ عندما يبذل ذاته لا ينقص أبدًا بل ينمو وهو مفعم بالرّجاء على الدّوام. إنطلقوا هكذا في الرّسالة، عالمين أنّكم "تلعبون على أرضكم" لأنَّ الرّبّ هو من أرض كلِّ شعب وروحه قد زرع قبل وصوله. وإذ تفكّرون في أبانا الذي أحبَّ العالم كثيرًا، كونوا شغوفين بالبشريّة ومعاونين في فرح الجميع وفعّالين لأنّكم قريبين. لا تنطلقوا من النّظريّات والمخطّطات؛ وإنّما من الأوضاع الملموسة وسيطبع الرّوح القدس الإعلان بحسب أوقاته وأساليبه، وستنمو الكنيسة على صورته متّحدة في اختلاف الشّعوب والعطايا والمواهب.
وختامًا، أيُّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، موهبتكم هي عطيّة كبيرة من الله للكنيسة ولزمننا. لنشكر الرّبّ على هذه السّنوات الخمسين. وإذ تنظرون إلى أمانته المحبّة لا تفقدوا الثقة أبدًا. هو سيحرسكم وسيحثُّكم في الوقت عينه على الانطلاق كتلاميذ محبوبين إلى جميع الشّعوب ببساطة متواضعة. أرافقكم وأشجّعكم: سيروا قدمًا ولا تنسوا أن تصلّوا من أجلي!"