الفاتيكان
15 أيلول 2020, 09:30

البابا فرنسيس يكشف عن لقاح ضدّ وباء اللّامبالاة

تيلي لوميار/ نورسات
"التّأمّل والشّفقة" كلمتان رئيسيّتان ركّز عليهما البابا فرنسيس في حديثة عن الإيكولوجيا المتكاملة يوم السّبت، أمام زوّاره من أعضاء جماعات "كن مسبّحًا" في إيطاليا والعالم.

ولهم قال نقلاً عن "فاتيكان نيوز": "أرحّب بكم، وفي تحيّاتي أودّ أن أصل إلى جميع أعضاء جماعات "كُن مُسبّحًا" في إيطاليا وحول العالم. لقد جعلتم الإيكولوجيا المتكاملة الّتي اقترحتها الرّسالة العامّة "كُن مُسبّحًا" القوّة الدّافعة لجميع مبادراتكم. متكاملة، لأنّنا جميعًا مخلوقات وكلّ شيء في الخليقة مرتبط ببعضه البعض. هذا ما أثبته الوباء أيضًا: لا يمكن فصل صحّة الإنسان عن صحّة البيئة الّتي يعيش فيها. من الواضح أيضًا أن تغيّر المناخ لا يخل بتوازن الطّبيعة فحسب، بل يسبّب الفقر والجوع، ويؤثّر على الفئات الأكثر ضعفًا ويجبرهم أحيانًا على ترك أراضيهم. يؤثّر إهمال الخلق والظّلم الاجتماعيّ على بعضهما البعض: يمكننا القول إنّه لا وجود لإيكولوجيا بدون إنصاف ولا وجود لعدالة بدون إيكولوجيا.

أنتم متحمِّسون للعناية بالآخرين والخليقة، وتريدون أن تقوموا بذلك على مثال القدّيس فرنسيس الأسيزي، بوداعة واجتهاد. أشكركم على ذلك، وأجدّد ندائي للالتزام بحماية بيتنا المشترك. إنّها مهمّة تطال الجميع، ولاسيّما المسؤولون عن الأمم والنّشاطات الإنتاجيّة. نحن بحاجة إلى إرادة حقيقيّة لمواجهة أسباب الاضطرابات المناخيّة القائمة من جذورها. إنَّ الالتزامات العامّة ليست كافية ولا يمكننا أن ننظر فقط إلى الموافقة الفوريّة للجهات المكوّنة أو المموّلين. من الضّروريّ أن ننظر بعيدًا، وإلّا فلن يغفر لنا التّاريخ. نحن بحاجة إلى أن نعمل اليوم من أجل غد الجميع. سيطلب منّا الشّباب والفقراء أن نؤدّي حسابًا على ذلك.

أيّها الأصدقاء الأعزّاء، أودّ الآن أن أشارككم كلمتين رئيسيّتين للإيكولوجيا المتكاملة: التّأمّل والشّفقة. أوّلاً التّأمّل، لم نعد اليوم نتأمّل بالطّبيعة الّتي تحيط بنا، وإنّما نحن "نلتهمها". لقد أصبحنا شرهين، معتمدين على الرّبح والنّتائج الفوريّة مهما كان الثّمن. أصبحت النّظرة إلى الواقع سريعة بشكل متزايد، مشتّتة، سطحيّة، فيما وفي وقت قصير يتمّ حرق الأخبار والغابات. وكمرضى للاستهلاك، نقلق لأحدث "تطبيق"، لكنّنا لم نعد نعرف أسماء الجيران، كذلك لم نعد نعرف كيف نميِّز بين شجرة وأخرى. والأمر الأكثر خطورة، أنّه ومع نمط الحياة هذا تُفقد الجذور ويضيع الامتنان لما هو موجود ولمن أعطاه لنا. ولكي لا ننسى، يجب أن نعود إلى التّأمّل؛ ولكي لا يتشتّت انتباهنا بآلاف الأمور العديمة الفائدة، من الضّروريّ أن نستعيد الصّمت؛ ولكي لا يمرض القلب نحن بحاجة للتّوقّف. وهذا الأمر ليس سهلاً. على سبيل المثال، نحتاج إلى تحرير أنفسنا من سجن الهاتف الخلويّ، لكي ننظر في أعين من هم بقربنا وإلى الخليقة الّتي أُعطيَت لنا.

التّأمّل هو أن نعطي أنفسنا وقتًا للصّمت، والصّلاة، لكي يعود الانسجام إلى الرّوح، والتّوازن السّليم بين الرّأس والقلب واليدين؛ وبين الفكر والشّعور والعمل. التّأمّل هو التّرياق للخيارات المتسرّعة والسّطحيّة وغير الحاسمة. إنّ الّذي يتأمّل يتعلّم أن يشعر بالأرض الّتي تعضده، ويفهم أنّه ليس وحده في العالم ويكتشف حنان نظرة الله ويفهم أنّه ثمين. كلّ شخص هو مهمّ في عيني الله، ويمكن لكلِّ فرد أن يحوّل القليل من العالم الملوّث بالجشع البشريّ إلى الواقع الجيّد الّذي أراده الخالق. في الواقع، إنَّ الّذي يعرف كيف يفكّر، لا يجلس مكتوف الأيدي، بل يلتزم بشكل ملموس.

وهنا تأتي الكلمة الثّانية: الشّفقة. إنّها ثمرة التّأمّل. كيف يُمكننا أن نفهم إن كان شخص ما تأمُّليّ، وأنّه قد استوعب نظرة الله؟ إذا كان يتحلّى بالشّفقة تجاه الآخرين، وإذا ذهب أبعد من الأعذار والنّظريّات، ليرى إخوة وأخوات آخرين عليه أن يحميهم. هذا هو الدّليل، لأنَّ هذا ما تقوم به نظرة الله الّتي، وعلى الرّغم من كلّ الشّرّ الّذي نفكّر فيه ونفعله، ينظر إلينا دائمًا كأولاد أحبّاء. فهو لا يرى أفرادًا بل أبناء، يرانا إخوة وأخوات في عائلة واحدة ويقيمون في البيت عينه. نحن لسنا أبدًا غرباء في عينيه، وشفقته هي عكس لامبالاتنا.

هذا الأمر يصلح أيضًا بالنّسبة لنا: شفقتنا هي اللّقاح الأفضل ضدّ وباء اللّامبالاة. "هذا الأمر لا يتعلّق بي"، "أنا لا دخل لي في ذلك" هذه هي أعراض اللّامبالاة أمّا الّذي يتحلّى بالشّفقة فينتقل من "أنا لا يهمّني أمرك" إلى "أنت مهمٌّ بالنّسبة لي". لكن الشّفقة ليست مجرّد شعور جميل بل هي خلق رابط جديد مع الآخر وتحّمل مسؤوليّته على مثال السّامريّ الصّالح الّذي وإذ حرّكته الشّفقة اعتنى بذلك الشّخص البائس بالرّغم من أنّه لم يكن يعرفه. إنَّ العالم بحاجة لهذه المحبّة المبدعة والفعّالة، ولأشخاص لا يقفون أمام شاشة للتّعليق، بل يلتزمون لكي يزيلوا الانحطاط ويعيدوا الكرامة للآخرين. إنَّ التّحلّي بالشّفقة هو خيار: هو أن نختار ألّا يكون لدينا أيّ عدوّ لكي نرى في كلّ فرد قريبًا لنا.

هذا لا يعني أن نكون متراخين ونتخلّى عن الكفاح. في الواقع، إنّ الّذي يتحلّى بالشّفقة يدخل في صراع يوميّ شاقّ ضدّ التّهميش والهدر، تهميش الآخرين وهدر الأشياء. من المؤلم أن نفكّر في عدد الأشخاص الّذين يتمّ تهميشهم بدون شفقة: كبار السّنّ، والأطفال، والعمّال، والأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصّة... لكن هدر الأشياء هو أمر فاضح أيضًا. وقد وثَّقَت منظمّة الأغذية والزّراعة للأمم المتّحدة (الفاو) أنّه وفي البلدان الصّناعيّة، يتمّ التّخلّص في عام واحد من أكثر من مليار طن من الأغذية الصّالحة للأكل! لنساعد بعضنا البعض في محاربة التّهميش والهدر، ولنطالب بخيارات سياسيّة تجمع بين التّقدمّ والإنصاف والتّنمية والاستدامة للجميع، لكي لا يُحرم أحد من الأرض الّتي يعيش فيها، والهواء الجيّد الّذي يتنفَّسه، والمياه الّتي يحقّ له في شربها والطّعام الّذي يحقُّ له أن يأكله.

أنا متأكد من أن أعضاء كل جماعة من جماعاتكم لن يقبلوا أبدًا بالعيش كمتفرجين، ولكنهم سيكونون على الدوام روادًا متواضعين ومصممين في بناء مستقبل الجميع. أتمنى لكم أن تغذّوا في حياتكم التأمل والشفقة، العنصران الأساسيان لإيكولوجية متكاملة. أشكركم مجدّدًا على حضوركم وعلى التزامكم."