الفاتيكان
01 كانون الأول 2023, 14:20

البابا فرنسيس يكتب إلى إكليريكيّي فرنسا: ليكن اهتمامكم الأوّل دائمًا أن تجيبوا على دعوة الرّبّ يسوع

تيلي لوميار/ نورسات
إنطلق اليوم في باريس تجمّع الإكليريكيّين في فرنسا تحت عنوان "الله هو أمين وهو قد دعاكم"، ويستمرّ حتّى الثّالث من الجاري.

وللمناسبة، وجّه البابا فرنسيس رسالة إلى الإكليركيّين، حملت توقيع أمين سرّ دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بييترو بارولين، كتب فيها بحسب "فاتيكان نيوز": "يسعدني، أيّها الإكليريكيّون الأعزّاء في فرنسا، أن أتمكّن من مخاطبتكم بمناسبة لقائكم، وأن أنقل إليكم الأفكار الدّافئة الّتي يحملها قداسة البابا فرنسيس لكلّ واحد منكم في الصّلاة. فهو يرفع الشّكر على الدّعوة الفريدة الّتي وجّهها الرّبّ إليكم، إذ اختاركم من بين كثيرين آخرين، وأحبّكم محبّة مميّزة وميّزكم؛ ويشكركم أيضًا على الجواب الشّجاع الّذي ترغبون في أن تقدِّموه على هذه الدّعوة. إنّه في الواقع دافع للشّكر والرّجاء والفرح أن نلاحظ أنّ العديد من الشّباب ما زالوا يجرؤون، بسخاء وجرأة الإيمان، وعلى الرّغم من الأوقات الصّعبة الّتي تمرّ بها كنائسنا ومجتمعاتنا الغربيّة العلمانيّة، بأن يلتزموا باتّباع الرّبّ في خدمته وخدمة إخوتهم وأخواتهم.

ولهذا أقول لكم: شكرًا! شكرًا لأنّكم تعطون الفرح والرّجاء لكنيسة فرنسا الّتي تنتظركم وتحتاج إليكم. هي تحتاج إليكم لكي تكونوا ما يجب على الكاهن أن يكون عليه، وما كان عليه دائمًا وما سيكون عليه دائمًا بالإرادة الإلهيّة أيّ أن "يشترك في السّلطة الّتي بها يبني المسيح جسده ويقدّسه ويدبّره"؛ وذلك من خلال تشبّه لا يوصف بالمسيح، رأس كنيسته، الّذي يضعه أمام شعب الله- على الرّغم من أنّه يبقى جزءًا منه– لكي يعلمه بسلطان، ويرشده بأمان وينقل له النّعمة بشكل فعّال من خلال الاحتفال بالأسرار. في أعلى نقطة ومصدر وقمّة حياة الكنيسة وحياته الشّخصيّة، يحتفل الكاهن بالقدّاس، حيث يجعل ذبيحة المسيح حاضرة، ويقدّم نفسه بالاتّحاد به على المذبح ويضع عليه تقدمة شعب الله بأكمله وتقدمة كلِّ مؤمن.

أدعوكم، أيّها الإكليريكيّين الأعزّاء، لكي تُجذِّروا في نفوسكم هذه الحقائق الأساسيّة الّتي ستكون أساس حياتكم وهويّتكم. وفي قلب هذه الهويّة، الّتي كُوِّنت على الرّبّ يسوع، تكمن البتوليّة. إنَّ الكاهن بتول- وهو يريد أن يكون كذلك- لأنّ يسوع كان كذلك بكلّ بساطة. إنّ متطلّبات البتوليّة ليست لاهوتيّة في المقام الأوّل، بل صوفيّة: ومن استطاع أن يفهم فليفهم! (راجع متّى ١٩، ١٢). نسمع الكثير عن الكهنة اليوم، وغالبًا ما يتمّ تشويه صورة الكاهن في أوساط معيّنة، ونسبويّة، وأحيانًا تعتبر تابعة. لا تخافوا كثيرًا: لا أحد لديه القدرة على تغيير طبيعة الكهنوت ولن يغيّره أحد أبدًا، حتّى لو كان يجب على أساليب ممارسته أن تأخذ في عين الاعتبار بالضّرورة تطوّرات المجتمع الحاليّ وحالة أزمة الدّعوات الخطيرة الّتي نعرفها.

وأحد تطوّرات المجتمع هذه، الجديدة نسبيًّا في فرنسا هي أنّه لم يعد يتمُّ الاعتراف بالمؤسّسة الكنسيّة، ومعها بصورة الكاهن؛ فقد فقدت في نظر الأغلبيّة كلّ هيبتها، وكلّ سلطتها الطّبيعيّة، لا بل ولسوء الحظّ تشوّهت وفقدت بريقها. ولذلك، لا يجب أن نعتمد عليها بعد الآن لكي نجد من يُصغي إلينا بين الأشخاص الّذين نلتقي بهم. لهذا السّبب فإنّ الطّريقة الوحيدة الممكنة للمضيّ قدمًا في البشارة الجديدة الّتي يطلبها البابا فرنسيس، لكي يكون لكلّ فرد لقاء شخصيّ مع المسيح، هي اعتماد أسلوب رعويّ يقوم على القرب والرّحمة والتّواضع والمجّانيّة والصّبر والوداعة وتقدمة الذّات الجذريّة للآخرين والبساطة والفقر. إنَّ كاهن يعرف "رائحة خرافه" ويسير معها على خطاها. بهذه الطّريقة يلمس الكاهن قلوب مؤمنيه ويكسب ثقتهم ويجعلهم يلتقون المسيح. وهذا ليس أمرًا جديدًا بالطّبع؛ لقد اعتمد عدد لا يحصى من الكهنة القدّيسين هذا الأسلوب في الماضي، ولكنّه أصبح اليوم ضرورة وإلّا فلن يكون الكاهن ذا مصداقيّة أو مسموع.

لكي تعيشوا هذا الكمال الكهنوتيّ المتطلّب، والقاسي أحيانًا، ولمواجهة التّحدّيات والإغراءات الّتي ستواجهونها على دربكم، ليس هناك، أيّها الإكليريكيّون الأعزّاء، سوى حلّ واحد: أن تغذّوا علاقة شخصيّة وقويّة وحيّة وحقيقيّة مع يسوع. أحبّوا يسوع أكثر من أيّ شيء آخر، وليكن حبّه كافيًا لكم، وستخرجون منتصرين من جميع الأزمات، ومن كلّ الصّعوبات. لأنّه إذا كان يسوع يكفيني، فلن أحتاج لتعزيات كبيرة في خدمتي، ولا لنجاح رعويّ عظيم، ولا لكي أشعر بأنّني محور شبكات علاقات واسعة النّطاق؛ إذا كان يسوع كافيًا بالنّسبة لي، فأنا لست بحاجة لعواطف مضطربة، ولا للشّهرة، ولا لأن يكون لديَّ مسؤوليّات كبيرة، ولا لمناصب، ولا لأن أتألّق في عيون العالم، ولا لأن أكون أفضل من الآخرين؛ إذا كان يسوع كافيًا بالنّسبة لي، فلن أحتاج لخيرات مادّيّة كبيرة، ولا لأن أستمتع بإغراءات العالم، ولا لضمانات لمستقبلي. ولكن، إذا استسلمت لواحدة من هذه الإغراءات أو نقاط الضّعف، فذلك لأنّ يسوع لا يكفيني ولأنّني أفتقر إلى المحبّة.

لذلك، أيّها الإكليريكيّون الأعزّاء، "هو الله أمين دعاكم إلى مشاركة ابنه يسوع المسيح ربّنا". ليكن اهتمامكم الأوّل دائمًا أن تجيبوا على هذه الدّعوة، وأن تعزّزوا اتّحادكم بالّذي يريد أن يجعلكم أصدقاءه. إنّه أمين وسيكون فرحكم. ولا يسعني إلّا أن أوصيكم بالقدّيسة تريزيا الطّفل يسوع والوجه الأقدس، كمعلّمة للحياة الرّوحيّة، في هذه الذّكرى الخمسين بعد المائة لولادتها؛ ملفانة في علم الحبّ، لديكم الامتياز بأن تقرؤوا عقيدتها الرّائعة بلغتها الأصليّة. هي الّتي "تنفّست" باستمرار اسم يسوع، "حبّها الوحيد"، سترشدكم على درب الثّقة الّتي ستعضدكم كلّ يوم وتجعلكم تقفون على أقدامكم تحت نظر الرّبّ عندما سيدعوكم إليه.

إنَّ البابا فرنسيس يوكلكم إلى شفاعة القدّيسة تريزيا الطّفل يسوع وإلى حماية العذراء مريم سيّدة الانتقال، شفيعة فرنسا، مع جميع أعضاء جماعاتكم الإكليريكيّة. ويمنحكم فيض البركة الرّسوليّة."