البابا فرنسيس يفاجئ المصلّين في قدّاس أحد الشّعانين، وهذا ما تمنّاه لهم!
أمّا في صباح أحد الشّعانين، فقد فاجأ البابا فرنسيس المؤمنين في ساحة القدّيس بطرس، حيث مكث نحو عشر دقائق حيّاهم خلالها بكلّ مودّة، وتوجّه إليهم قائلًا: "أحد شعانين مبارك وأسبوع آلام مقدّس!".
وكانت السّاحة قد عجّت بالمؤمنين الّذين أتوا للمشاركة في قدّاس أحد الشّعانين وآلام الرّبّ الّذي ترأّسه الكاردينال ليوناردو ساندري، ألقى خلاله عظة البابا فرنسيس والّتي جاء فيها بحسب "فاتيكان نيوز": ""تَبارَكَ الآتي، المَلِكُ بِاسمِ الرَّبّ!" هكذا هتفت الجموع ليسوع فيما كان يدخل أورشليم. لقد عبر المسيح باب المدينة المقدّسة، ذلك الباب الّذي فُتح على مصراعيه لكي يستقبل الّذي سيخرج منه بعد أيّام قليلة ملعونًا ومحكومًا عليه، مثقلًا بالصّليب.
واليوم، نحن أيضًا قد تبعنا يسوع، أوّلًا في موكب مفعم بالفرح، ومن ثمّ على درب الألم، ودشّنّا أسبوع الآلام الّذي يُعدّنا للاحتفال بآلام الرّبّ وموته وقيامته. وفيما نتأمّل في الوجوه بين الجموع، وجوه الجنود ودموع النّساء، يجذب انتباهنا شخص غريب، يدخل اسمه فجأة إلى الإنجيل: سمعان القيروانيّ. ذلك الرّجل الّذي أمسك به الجنود "فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع". كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، ومرّ من هناك، فصادفه حدث فاجأه، كخشبة الصّليب الثّقيلة الّتي وُضعت على كتفيه. وفيما نسير نحو الجلجلة، لنتأمّل قليلًا حول تصرّف سمعان، لنبحث عن قلبه، ولنتبع خطاه إلى جانب يسوع.
إنَّ تصرّف سمعان القيروانيّ ينطوي على مفارقة لافتة. فمن جهة، أُجبر على حمل الصّليب، فهو لم يساعد يسوع عن قناعة، بل عن إكراه. ومن جهة أخرى، وجد نفسه يشارك في آلام الرّبّ. لقد صار صليب يسوع صليب سمعان. لا صليب سمعان الملقّب ببطرس، الّذي كان قد وعد باتّباع المعلّم دومًا، لكنّه اختفى في ليلة الخيانة بعدما قال: "يا ربّ، إِنِّي لَعازِمٌ أَن أَمضِيَ مَعَكَ إِلى السَّجْنِ وإِلى المَوت". لم يعد التّلميذ الآن هو الّذي يسير خلف يسوع، بل هذا القيروانيّ. ومع ذلك، كان المعلّم قد قال بوضوح: " مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفسهِ ويَحمِلْ صَليبَهُ كُلَّ يَومٍ ويَتبَعْني". سمعان الجليلي يتكلّم، لكنّه لا يفعل. وسمعان القيروانيّ يفعل، ولكنّه لا يتكلّم: لا يوجد أيّ حوار بينه وبين يسوع، ولا تُقال كلمة واحدة. بينه وبين يسوع هناك فقط خشبة الصّليب.
ولكي نعرف ما إذا كان سمعان القيروانيّ قد ساعد يسوع المنهك عن شفقة أو عن اشمئزاز، ما إذا كان يحمل الصّليب أم يتحمّله فقط، علينا أن ننظر إلى قلبه. وبينما كان سيُفتح قلب الله، الّذي طُعن بألم يكشف رحمته، بقي قلب الإنسان مغلقًا. نحن لا نعرف ماذا كان في قلب القيروانيّ. لنضع أنفسنا مكانه: هل نشعر بالغضب؟ أم بالشّفقة؟ بالحزن؟ أم بالضّيق؟ وإذا كنّا نذكر ما فعله سمعان من أجل يسوع، لنذكر أيضًا ما فعله يسوع من أجل سمعان- كما فعل من أجلي ومن أجلك ومن أجل كلّ واحد منا: لقد فدى العالم. إنّ صليب الخشب، الّذي تحمّله القيروانيّ، هو صليب المسيح الّذي حمل خطيئة جميع البشر، وقد حمله حبًّا بنا، وطاعةً للآب، وتألَّم معنا ومن أجلنا. وهكذا، وبشكل مفاجئ ومُربك، وجد القيروانيّ نفسه يشارك في قصّة الخلاص، حيث لا أحد غريب، ولا أحد مُستبعَد.
لنتبع إذًا خُطى سمعان القيروانيّ، لأنّه يُعلّمنا أنّ يسوع يأتي إلى لقاء كلّ إنسان، في جميع الظّروف. وعندما نرى جموع الرّجال والنّساء الّذين تطرحهم الكراهيّة والعنف على درب الجلجلة، لنتذكّر أنّ الله قد حوّل هذا الدّرب إلى مكان للفداء، لأنّه سلكه هو بنفسه، وبذل حياته من أجلنا. كم من "قيروانيّ" اليوم يحملون صليب المسيح! هل نراهم؟ هل نرى وجه الرّبّ في وجوههم الّتي تنهكها الحرب والبؤس؟ إنّ حمل صليب المسيح، أمام ظلم الشّرّ القاسي، لا يكون عبثًا أبدًا، بل هو الطّريقة الملموسة للمشاركة في محبّته الخلاصيّة.
إنَّ آلام يسوع تصبح شفقة عندما نمدّ يد العون لمن لم يعد يقوى على المضيّ قدمًا، وعندما نُنهض الّذي سقط، وعندما نعانق اليائس. أيّها الإخوة والأخوات، لكي نختبر أعجوبة الرّحمة العظيمة هذه، لنختر خلال أسبوع الآلام كيف نحمل الصّليب: لا حول أعناقنا، بل في قلوبنا. ولا صليبنا فقط، بل أيضًا صليب الّذين يتألَّمون بقربنا؛ ربما ذلك الشّخص المجهول الّذي جمعتنا به الصّدفة- ولكن هل هي حقًّا صدفة؟ لنُعدَّ أنفسنا لفصح الرّبّ بأن نصبح قيروانيّين من أجل بعضنا البعض."