الفاتيكان
21 نيسان 2022, 06:30

البابا فرنسيس يعيد إلى الضّوء كرامة المسنّين، وهذا ما قاله!

تيلي لوميار/ نورسات
"يجب أن تحوّل تربية الشّباب فيما يتعلّق بالحياة ومراحلها"، هذا ما طالب به البابا فرنسيس أمس الأربعاء، خلال المقابلة العامّة الّتي تمحورت حول كرامة المسنّين.

وفي تعليمه قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "اليوم، بمساعدة كلمة الله، نفتح ممرًّا إلى هشاشة الشّيخوخة، تتطبعه بشكل خاصّ خبرات الضّياع والإحباط، والخسارة والهجران، وخيبة الأمل والشّكّ. بالطّبع، يمكن لخبرات ضعفنا، إزاء المواقف المأساويّة- والمُفجِعة أحيانًا- في الحياة أن تحدث في أيّ وقت من الحياة. ومع ذلك، في سنّ الشّيخوخة، يمكنها أن تولِّد القليل من الأحاسيس وتُحدث في الآخرين نوعًا من الإدمان، وحتّى من الانزعاج. إنّ الجراح الخطيرة للطّفولة والشّباب تسبّب شعورًا بالظّلم والتّمرّد، وقوّة ردّ فعل ونضال. أمّا جراح الشّيخوخة، حتّى الخطيرة منها، تترافق حتمًا بالشّعور بأنّ الحياة، على أيّ حال، لا تناقض نفسها، لأنّهم قد عاشوها.

إنّ الحبّ، في الخبرة البشريّة المشتركة- كما يقولون- يتنازل: لا يعود إلى الحياة الّتي تكمن وراءنا بنفس القوّة الّتي ينصبُّ فيها في الحياة الّتي لا تزال أمامنا. إنَّ مجّانيّة الحبّ تظهر في هذا أيضًا: لقد عرف الوالدون ذلك دائمًا، وسرعان ما يتعلّمه المسنّون أيضًا. على الرّغم من ذلك، يفتح الوحي دربًا من أجل مبادلة مختلف للحبّ: إنّه درب إكرام الّذين سبقونا. هذا الحبّ الخاصّ الّذي يفتح طريقه في شكل الإكرام- حنان واحترام في الوقت عينه- والموجّه لسنِّ الشّيخوخة هو مختوم بوصيّة من الله. "أكرم أباك وأمّك" إنّه التزام جليل، الأوّل من "اللّوحة الثّانية" للوصايا العشر. لا يتعلّق الأمر فقط بالأب والأمّ. وإنّما بالجيل والأجيال الّتي سبقته، والّتي يمكن أن يكون رحيلها بطيئًا وطويل الأمد، فيخلق وزمانًا ومكانًا لتعايش طويل الأمد مع المراحل الأخرى من الحياة. بمعنى آخر، يتعلّق الأمر بشيخوخة الحياة.

الإكرام هي كلمة جيّدة لكي نضع إطارًا لهذا المجال من مبادلة الحبّ الّتي تطال سنَّ الشّيخوخة. نحن اليوم قد اكتشفنا مجدّدًا مصطلح "الكرامة" للإشارة إلى قيمة احترام حياة كلّ فرد والعناية بها. والكرامة هنا تعني جوهريًّا الإكرام. لنفكّر مليًّا في هذا التّجسيد الجميل للحبّ الّذي هو الكرامة. إنّ العناية بالمريض، ودعم الّذين لا يتمتّعون بالاكتفاء الذّاتيّ، وضمان القوت، جميع هذه الأمور قد تفتقر إلى الكرامة. تغيب الكرامة عندما يتحوّل الإفراط في الثّقة، بدلاً من أن يتجسّد كرقّة ومودّة، وحنان واحترام، إلى قسوة ومراوغة. عندما يوبَّخُ الضّعف لا بل يُعاقب كأنّه ذنب. عندما يصبح الضّياع والارتباك معبرًا للسّخرية والعدوان. قد يحدث ذلك حتّى في المنزل، وفي دور رعاية المسنّين، وكذلك في المكاتب أو في الأماكن المفتوحة في المدينة. إنّ تشجيع الشّباب، حتّى بشكل غير مباشر، على موقف الاكتفاء- وحتّى الازدراء- تجاه سنِّ الشّيخوخة ونقاط ضعفها وعدم استقرارها، يسبِّب أشياء مروّعة. ويفتح الدّرب أمام تجاوزات لا يمكن تصوّرها. إنَّ الشّباب الّذين يشعلون النّار في بطّانية مُتشرِّد، لأنّهم يرونه كفضلة بشريّة، هو فقط قمّة جبل الجليد، أيّ الازدراء لحياة بعيدة عن استقطابات واندفاعات الشّباب، والّتي تبدو وكأنّها حياة منبوذة.

هذا الازدراء، الّذي يهين المسنّين، هو يهيننا جميعًا في الواقع. إنّ المقطع من سفر يشوع ابن سيراخ، الّذي سمعناه في البداية، هو قاسٍ بحقٍّ ضدّ هذا العار، الّذي ينادي بالانتقام أمام الله، وهناك مقطع في قصّة نوح معبّر جدًّا في هذا الصّدد. نوح الشّيخ، بطل الفيضان والعامل المجتهد أيضًا، يرقد ممدودًا بعد أن شرب الكثير. ولكي لا يوقظه أبناؤه في حرج، غطّوه برفق بأعين منخفضة واحترام كبير. هذا النّصّ جميل للغاية ويقول كلّ شيء حول الكرامة الّتي يستحقّها المسنّ.

على الرّغم من كلّ الأدلّة المادّيّة الّتي توفّرها المجتمعات الغنيّة والمُنظّمة للشّيخوخة- والّتي يمكننا بالتّأكيد أن نفتخر بها- يبدو لي أنَّ النّضال من أجل استعادة هذا الشّكل الخاصّ من الحبّ الّذي هو الكرامة لا يزال هشًّا وغير ناضج. علينا أن نفعل كلّ ما بوسعنا لكي نعضدها ونُشجّعها، ونقدِّم أفضل دعم اجتماعيّ وثقافيّ أفضل للّذين لديهم حساسيّة إزاء هذا الشّكل الحاسم من "حضارة الحبّ". إنّها ليست مسألة مستحضرات تجميل وجراحة تجميليّة. وإنّما هي مسألة كرامة، يجب أن تحوّل تربية الشّباب فيما يتعلّق بالحياة ومراحلها. إنّ محبّة الإنسان المشترك بيننا، بما في ذلك كرامة الحياة المُعاشة، ليست موضوعًا للمُسنّين، بل هو طموح سينير الشّباب الّذي يرث أفضل صفاته. لتسمح لنا حكمة روح الله بأن نفتح أفق هذه الثّورة الثّقافيّة الحقيقيّة بالطّاقة الضّروريّة."